Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 102-102)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } ؛ أي فلمَّا بلغَ ذلك الغلامُ معه حالةَ السَّعيِ في طاعةِ الله تعالى ، كما قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ } [ البقرة : 127 ] ، وَقِيْلَ : معناهُ : فلما بلغَ أن يمشِي معه ، وقال مجاهدُ : ( لَمَّا شَبَّ حَتَّى بَلَغَ أنْ يَتَصَرَّفَ مَعَهُ وَيُعِينَهُ ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ ابْنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ سَنَةً ) . وَقِيْلَ : أرادَ بالسَّعي في الوقتِ الذي ينتفعُ الوالدُ بالولدِ في قضاءِ حوائجه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } ؛ أي رأيتُ في المنامِ رُؤيا تأويلُها أنِّي أذبَحُكَ ، وَقِيْلَ : رأيتُ في المنامِ أنِّي أذبَحُكَ ، قال مقاتلُ : ( رَأى إبْرَاهِيمُ ذلِكَ فِي الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ ) ، قال ابنُ جبير : ( رُؤْيَا الأَنْبيَاءِ وَحْيٌ ) ، وقال قتادةُ : ( رُؤَى الأَنْبيَاءِ حَقٌّ ، إذا رَأَوا شَيْئاً فَعَلُوهُ ) . وقولهُ تعالى : { فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } ؛ أي مِن الرأيِ فيما ألقيتُ إليكَ ، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ : ( مَاذا تُرِي ) بضمِّ التاء وكسرِ الراء ، ومعناهُ : ماذا تُشِيرُ وماذا تُرِيني من صَبرِكَ أو جَزَعِكَ ؟ { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ؛ به من ذبحِي ، { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } ؛ على بَلائهِ ، وإنما قالَ له إبراهيمُ هذا القولَ مع كونهِ مأمُوراً بذبحهِ ؛ لأنه أحبَّ أن يعلمَ صبرَهُ وعزيمتَهُ على أمرِ الله وطاعته . وفي الآيةِ دلالةٌ على أنَّ إبراهيمَ كان مأمُوراً بذبحِ ولَدهِ ، لأن رُؤيَا الأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَحْيٌ بمنْزِلة الوحيِ إليهم في اليقظَةِ ، ولذلك قالَ الابنُ : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ولَم يقل : افعل ما رأيتَ في المنامِ . واختلَفُوا في الذبيحِ مَن هو ؟ فذهبَ الأكثَرون إلى أنه إسحاقُ ، وإليه ذهبَ من الصَّحابة عمرُ بن الخطَّاب وعليُّ بن أبي طالبٍ وعبدُالله بن مسعودٍ وعبَّاسُ بن عبدِالمطَّلب ، ومِن التابعين كعبُ الأحبار وسعيدُ بن جبير وقتادةُ ومسروق وعكرمة وعطاءُ ومقاتل والزهريُّ والسدي . وقال آخرُونَ : هو إسماعيلُ ، وهو قولُ ابنِ عمر وابنِ عبَّاس وسعيدِ بن المسيَّب والشعبيِّ والحسن ومجاهدٍ والكلبيِّ والربيع بن أنسٍ ومحمَّد بن كعب القُرَظِيِّ . وروُي عن أبي إسحاق الزجَّاج أنه قال : ( اللهُ أعْلَمُ أيُّهُمَا الذبيحُ ) . وسياقُ الآيةِ يدلُّ على أنه إسحاق ؛ لأنه تعالَى قال { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } [ الصافات : 101 ] ولا خلافَ أنه إسحاقَ ، ثم قالَ : فلما بلغَ معه السعيَ ، فعطفَ بقصَّة الذبحِ مع ذكر اسحاق ، وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم القولانِ ، ورُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الَّذِي أرَادَ إبْرَاهِيمُ ذبْحَهُ هُوَ إسْحَاقُ " . وعن معاويةَ رضي الله عنه أنه قالَ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ عُدَّ عَلَيَّ مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الذبيحَيْنِ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَ مُعَاويَةُ وَمَنِ الذبيحَانِ ؟ فَقَالَ : [ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِب لَمَّا حَفَرَ زَمْزَمَ نَذرَ للهِ تَعَالَى لَئِنْ سَهَّلَ اللهُ أمْرَهُ لَيَذْبَحَنَّ أحَدَ وَلَدِهِ ، فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى عَبْدِاللهِ ، فَمَنَعَهُ أخْوَالُهُ وَقَالُواْ : إفْدِ ابْنَكَ بمِائَةٍ مِنَ الإبلِ ، فَفَدَاهُ بمِائَةٍ مِنَ الإبلِ ، وَالذبيحُ الثَّانِي إسْمَاعِيلُ ] ، ويدلُّ على صحَّة هذا قولهُ عليه السلام : " أنَا ابْنُ الذبيحَيْنِ " يريدُ أباهُ الأدنَى عبدُالله بن عبدِالمطَّلب وجدُّهُ إسماعيلُ . وقال محمَّد بن كعب القُرظي : ( إنَّ الَّذِي أمَرَ اللهُ إبْرَاهِيمَ بذبْحِهِ من بَنِيهِ إسْمَاعِيلُ ، وَإنَّا لَنَجِدُهُ فِي كِتَاب اللهِ تَعَالَى ، إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِصَّةِ الْمَذْبُوحِ : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 112 ] ) . وقال الأصْمعيُّ : ( سَأَلْتُ أبَا عَمْرٍو بْنِ العَلاَءِ عَنِ الذبيحِ هَلْ هُوَ إسْمَاعِيلُ أوْ إسْحَاقُ ؟ فَقَالَ : يَا أصْمَعِيُّ أيْنَ ذهَبَ مِنْكَ عَقْلُكَ ؟ ! وَأيْنَ كَانَ إسحاق ؟ وَإنَّمَا كَانَ إسْمَاعِيلُ بمَكَّةَ وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْبَيْتَ مَعَ أبيهِ كَمَا قَالَ { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ } [ البقرة : 127 ] ، وَالنَّحْرُ بمَكَّةَ لاَ شَكَّ فِيْهِ ) . وسُئل أبو سعيدٍ الضَّرير عن الذبيحِ فأنشدَ : @ إنَّ الذبيحَ هُدِيتَ إسْمَاعِيلُ نَطَقَ الْكِتَابُ بذاكَ وَالتَّنْزِيلُ شَرَفٌ بهِ خَصَّ الآلَهُ نَبيَّهُ وَأتَى بهِ التَّفْسِيرُ وَالتَّأْويلُ @@ وأما قصَّةُ الذبحِ فقال السديُّ : ( لَمَّا فَارَقَ إبْرَاهِيمُ قَوْمَهُ مُهَاجِراً إلَى الشَّامِ هَارباً بدِينِهِ ، دَعَا اللهَ تَعَالَى أنْ يَهَبَ لَهُ مِنْ سَارَةَ ابْناً صَالِحاً ، فَقَالَ : ( رَب هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بغُلاَمٍ حَلِيمٍ ) وَهُوَ اسْحَاقُ ) . قال السديُّ : ( فَهُوَ وَاللهِ إسْحَاقُ الذبيحُ ) . وقال محمَّد بن كعبٍ : ( هُوَ إسْمَاعِيلُ ) . فلمَّا أمرَ اللهُ إبراهيمَ بذبحِ مَن أمَرَ ، قالَ لابنه : يا بُنَيَّ خُذِ الحبلَ والْمُديَةَ وانطلِقْ بنا إلى هذا الشِّعب لنَحتَطِبَ ، فلمَّا خلاَ إبراهيمُ بابنهِ في شِعب ثَبيرٍ قالَ له : { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } قالَ : يا أبتِ افعل ما تُؤمَرُ واشدُدْ ربَاطِي حتى لا أضطربَ ، واكفُفْ ثيابَكَ عني حتى لا ينضحَ عليها شيءٌ من دمِي فينقُصَ أجرِي وتراهُ أُمِّي فتحزنَ ، واستحِدَّ شَفرتَكَ وأسرِعْ حدَّ السكِّين على حلقِي حتى تجسُرَ عليَّ فتذبَحني ليكون أهون عليَّ ، فإن الموتَ شديدٌ ، وإذا أتيتَ أُمِّي فأقرِئها منِّي السلامَ ، فإن رأيتَ أن ترُدَّ إليها قميصِي فافعَلْ ، فإنه عسَى أن يكون أسْلاَ لَها عني . فقالَ إبراهيمُ : نِعْمَ العونُ أنتَ يا بُنيَّ على أمرِ الله ، فأقبَلَ عليه يُقَبلُهُ وقد ربطَهُ وهو يبكِي ، والابنُ يبكي حتى استفرغَ الدموعَ تحت خدِّهِ ، ثم إنه وضعَ السكِّين في حلقهِ فلم تعمل في حلقهِ شيئاً . قال السديُّ : ( ضربَ اللهُ تعالى في حلقهِ صفحةً من نحاسٍ فلم تقطَعِ السِّكينُ شيئاً ، فقالَ الابنُ عندَ ذلك : يا أبتِ كبَّني على وجهِي فإنَّكَ إذا نظرتَ في وجهِي رحِمتَني وأدركَتْكَ الرِّقَّةُ فتحولَ بينكَ وبين اللهِ تعالى ، ففعلَ ذلك إبراهيمُ ، ثم وضعَ السكِّين على قفاهُ فانقلبت السكينُ . ونادَى أن يا إبراهيمُ قد صدَّقتَ الرُّؤيا هذه ذبيحتُكَ فداءً لابنِكَ فاذبَحها دونَهُ ، فنظرَ إبراهيمُ فإذا هو جبريلُ عليه السلام ومعه كبشٌ أقرن أملَحٌ ، فكبَّرَ جبريلُ عليه السلام وكبَّرَ إبراهيمُ وكبَّر ابنهُ ، فأخذ إبراهيمُ الكبشَ وأتَى به المنحرَ من مِنَى فذبحَهُ ، فلما ذبحَ إبراهيمُ الكبشَ رجع إلى إبنهِ فجعلَ يقولُ له : يا بُنيَّ قد وهبَكَ اللهُ لي ، ثُم رجعَ إلى أُمِّه فأخبرَها الخبرَ فجَزِعت وقالت : يا إبراهيمُ أردتَ أن تذبحَ ولَدِي ولا تُعلِمني . وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ : ( لَمَّا رَأى إبْرَاهِيمُ ذبْحَ ابْنِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : وَاللهِ لَئِنْ لَمْ تزِلَّ آلَ إبْرَاهِيمَ فِي هَذا الأَمْرِ لاَ بَقِيت استَزِلَّ مُنْهُمْ أحَداً ، فَتَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ رَجُلاً وَأتَى الْوَلَدَ فَقَالَ لَهُ : هَلْ تَدْري أيْنَ يَذْهَبُ بكَ أبُوكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ نَحْتَطِبُ لأَهْلِنَا حَطَباً مِنْ هَذا الشِّعْب ، قَالَ : وَاللهِ مَا يُرِيدُ إلاَّ أنْ يَذْبَحَكَ ، قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : زَعَمَ أنَّ رَبَّهُ أمَرَهُ بذبْحِكَ ، قَالَ : فَلْيَفْعَلْ مَا أمَرَهُ بهِ رَبُّهُ ، فَسَمْعاً وَطَاعَةً للهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَرَجَعَ الشَّيْطَانُ إلَى أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ لَهَا : أتَدْرينَ أيْنَ ذهَبَ إبْرَاهِيمُ بابْنِكِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ذهَبَا يَحْتَطِبَانِ ، قَالَ : لاَ وَاللهِ مَا ذهَبَ بهِ إلاَّ لِيَذْبَحَهُ ، قَالَتْ : كَلاَّ هُوَ أرْحَمُ بهِ وَأشَدُّ حُبّاً لَهُ مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : إنَّهُ زَعَمَ أنَّ اللهَ أمَرَهُ بذلِكَ ، قَالَتْ : فَإنْ كَانَ رَبُّهُ قَدْ أمَرَهُ بذلِكَ فَقَدْ أحْسَنَ فِي امْتِثَالِ أمْرِ رَبهِ . فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ عِنْدِهَا حَتَّى أتَى إلى إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَالَ : أيْنَ تُرِيدُ أيُّهَا الشَّيْخُ ؟ قَالَ : أُريدُ هَذا الشِّعْبَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ : إنِّي وَاللهِ لأَدْري الشَّيْطَانَ قَدْ جَاءَكَ فِي مَنَامِكَ فَأَمَرَكَ بذبْحِ ابْنِكَ هَذا ، فَعَرَفَهُ إبْرَاهِيمُ وَقَالَ : يَا عَدُوَّ اللهِ لأَمْضِيَنَّ لأَمْرِ رَبي . فَرَجَعَ إبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ بغَيْظِهِ وَلَمْ يُصِبْ مِنْ آلِ إبْرَاهِيِمَ شَيْئاً مِمَّا أرَادَ ) .