Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-42)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ؛ معناهُ : واذكُرْ يا مُحَمَّد عبْدَنا أيُّوب إذ نادَى رَبَّهُ في البلاءِ فقالَ : يا رَب إنِّي أصابَني الشيطانُ بنُصْبٍ ؛ أي بتَعَبٍ في بدَنِي وعذابٍ في أهلي ومالِي . والنُّصْبُ والنَّصَبُ بمعنى واحدٍ ، مثل الرَّشَدِ والرُّشْدِ والْحَزَنِ وَالْحُزْنِ . قرأ أبو جعفرٍ ( بنُصُبٍ ) بضمَّتين ، وقرأ يعقوبُ ( بنَصَبٍ ) بفتحِ النون والصاد ، وقرأ هُبَيْرَةُ عن حفصٍ وعاصم ( بنَصْبٍ ) بفتح النونِ وجزم الصاد ، وقرأ الباقون بـ ( النُّصْب ) بضمِّ النون وسُكون الصاد ، وكلُّ ذلك لغاتٌ فيه . قال قتادة : ( مَعْنَى قَوْلِهِ { بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } النُّصْبُ الضُّّرُّ فِي الْجَسَدِ ، وَالْعَذابُ فِي الْمَالِ ) . قال السديُّ : ( النُّصْبُ أنْصَبَ الْجَسَدَ ، وَالْعَذابُ أهْلَكَ الْمَالَ ) . ثُم فرَّجَ اللهُ عنه ، واختلفوا في سبب بَلاء أيُّوب ، قال الحسنُ رضي الله عنه : ( إنَّ ابليسَ قالَ : يا رب هل مِن عبيدك مَن إنْ سلَّطَتنِي عليه يمتنعُ عليَّ ؟ قال : نَعَمْ ؛ عبدِي أيُّوبُ ، فجعلَ يأتيهِ الشيطانُ بوِسَاوسِهِ وحبائلهِ فلا يقدرُ منه على شيءٍ . قال : يا رب إنه قدِ امتنعَ عليَّ فسَلِّطْنِي على مالهِ ، فجعلَ يأتيهِ فيقولُ : يا أيوبُ هَلَكَ مِن مالِكَ كذا وكذا ، فيقولُ أيوب : اللَّهُمَّ أنتَ قد أعْطَيْتَنِيَهُ وأنتَ قد أخذتَهُ ، اللَّهُمَّ لكَ الحمدُ على ما منَعْتَ ، ولكَ الحمدُ على ما أبقيتَ ، فمكثَ كذلك حتى هَلَكَ مالهُ كلُّه . فقال إبليسُ : يا رب إنَّهُ لا يُبالِي بمالهِ فسَلِّطْنِي على جسدهِ ، فأنَّكَ لو سلَّطَتَني على جسدهِ لم تجدْهُ شَاكراً ، فسَلَّطَهُ عليه فنفخَ في أنفهِ فانتفخَ وجههُ وسَرَى ذلك إلى جسدهِ ، فوقعَ فيه الديدانُ . إلاَّ أنَّ هَذا الْقَوْلَ لاَ يَصِحُّ وَلاَ وَجْهَ لقَبُولِهِ ، وَلاَ يَجُوزُ أنْ يُسَلِّطَ اللهُ إبْلِيسَ عَلَى نَبيٍّ مِنْ أنْبِيَائِهِ فَيَفْعَلُ بهِ مَا أحَبَّ . ويقالُ : سببُ ابتلائهِ أنَّ إنسَاناً استغاثَ بهِ في ظُلمٍ يدرَؤهُ عنه ، فصبرَ لوردهِ حتى فاتَهُ فابتُلِيَ . فلَمَّا مكثَ أيوبُ في البلاءِ ما مكثَ ، قاربَتِ امرأتهُ الشيطانَ في بعضِ الأُمور ، قِيْلَ : إنَّ الشيطانَ قال لها : لئِنْ أكلَ أيُّوبُ طَعاماً لم يذْكُرِ اسمَ الله عليه عُوفِيَ . ويقالُ : إنَّها قالت لأَيُّوبَ : لو تَقرَّبْتَ إلى الشيطانِ فذبحتَ له عِنَاقاً ، فقالَ : لا واللهِ ، ولاَ كَفّاً من تُرابٍ . وحلفَ ليَجْلِدَنَّهَا إنْ عُوفِيَ مائةَ جلدةٍ . وَقِيْلَ : إن إبليسَ قالَ لها : إنْ شَفَيْتُهُ تقولِين لِي شفيتَهُ ، فأخبرَتْ بذلك أيوبَ فحلفَ . فلما طالَ البلاءُ على أيُّوب ، وبلغَ به غايةَ الجدِّ سألَ الله تعالى أنْ يكشِفَ ضُرَّهُ ، فقيلَ له : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } ؛ أي اضرِبْ بها الأرضَ ، فرَكَضَ برجلهِ الأرضَ فنَبَعَتْ عَينُ ماءٍ فاغتسلَ منها فذهبَ الداءُ من ظاهرهِ ، فضربَ برجلهِ الأرض مرَّةً أُخرى فنبعَ ماءٌ وشرِبَ منه ، فذهبَ الداءُ من باطنِ جسده . والرَّكْضُ : هو الدفعُ بالرِّجلِ على جهة الإسراعِ ، ومنه ركضُ الفرس لاسراعهِ ، والْمُغْتَسَلُ موضعُ الاغتسالِ .