Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 102-102)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ } ؛ الآيةُ ، قال ابنُ عبَّاس : ( لَمَّا رَأى الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابَهُ قَامُواْ إلَى صَلاَةِ الظُّهْرِ وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ ؛ نَدِمُواْ عَلَى تَرْكِهِمْ الإقْدَامَ عَلَى قِتَالِهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : دَعُوهُمْ ؛ فإنَّ بَعْدَهَا صَلاَةٌ هِيَ أحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ - يُرِيْدُونَ الْعَصْرَ - فَإذا رَأَيْتُمُوهُمْ قَامُواْ إلَيْهَا فَشُدُّوا عَلَيْهِمْ ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ عليه السلام بهَذِهِ الآيَةِ وَأطْلَعَ اللهُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَصْدِهِمْ وَمَكْرِهِمْ ، وَعَنْ هَذا كَانَ إسْلاَمُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيْدِ حِيْنَ عَرَفَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اطَّلَعَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَصْدِ الْمُشْرِكِيْنَ فِي السِّرِّ فِيْمَا بَيْنَهُمْ ) . ومعنى الآيةِ : وإذا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ معَ المؤمنينَ في الغَزْو فابتدأتَ في صلاةِ الخوفِ ؛ فَلْيَقُمْ جَمَاعَةٌ منهُم معكَ في الصلاةِ ؛ وَلْتَكُنْ أسلحتُهم معَهم في صلاتِهم ؛ لأنَّ ذلك أهْيَبُ للعدوِّ ، فإذا سَجَدَتِ الطائفةُ التي معكَ وصَلَّتْ ركعةً ، فلينصرِفُوا إلى المصاف وليقفُوا بإزَاءِ العَدُوِّ ؛ { وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } ؛ وهمُ الذينَ كانوا بإزاءِ العدوِّ ، ولم يصلُّوا معكَ في الركعةِ الأُولى ؛ فليصلُّوا معكَ الركعةَ الأُخرى ، ولْتَكُنْ أسلحتُهم معَهم في الصَّلاةِ ، ولم يذكرْ في الآية لكلِّ طائفةٍ إلاّ ركعةً واحدةً . وفي صلاةِ الخوفِ خلافٌ بين العلماء ؛ قال بعضُهم : إنَّها غير مشروعةٍ بعدَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهو روايةٌ عن أبي يوسف وهو قولُ الحسنِ بن زياد ؛ لأنَّ في هذه الآيةِ ما يدلُّ على كون النبيِّ صلى الله عليه وسلم شَرَطٌ في إقامةِ صلاة الخوف ؛ ولأنَّها إنَّما جازَتْ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَسْتَدْركَ الناسُ فضيلةَ الصلاةِ خَلْفَهُ ؛ لأنَّ إمامةَ غيرهِ لَمْ تكن لتقومَ مقامَ إمامتهِ . وذهبَ أكثرُ العلماء إلى أنَّ صلاةَ الخوف مشروعةٌ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأنَّ الخطابَ في هذه الآيةِ وإنْ كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فالأئمَّةُ بعدَه يقومون مقامَه كما في قولهِ تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [ التوبة : 103 ] ونحوِ ذلك من الآياتِ . واختلفوا في كيفيَّة صلاةِ الخوف ، فقال أبُو حَنِيْفَةَ ومحمدٌ : ( يَجْعَلُ الإمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ ؛ طَائِفَةٌ بإزَاءِ الْعَدُوِّ ، وَطَائِفَةٌ مَعَهُ ؛ فَيُصَلِّي بهِمَا رَكْعَةً رَكْعَةً ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ؛ وَتَجِيْءُ الأُخْرَى فَيُصَلِّي بهِمْ رَكْعَةً ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ . ثُمَّ تَرْجِعُ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ بغَيْرِ سِلاَمٍ ، وَتَأْتِي الأُوْلَى فَتَقْضِي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وحْدَاناً بغَيْرِ قِرَاءَةٍ ، فَإذا سَلَّمَتْ وَقَفَتْ بإزَاءِ الْعَدُوِّ ، وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ فَتَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُوْلَى وحْدَاناً بقِرَاءَةٍ ) . وعن أبي يوسُف : ( إذا كَانَ الْعَدُوُّ فِي وَجْهِ الْقِبْلَةِ ؛ وَقَفَ الإمَامُ وَجَعَلَ النَّاسَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ ؛ فَافْتَتَحَ بهِمُ الصَّلاَةَ مَعاً ، فَصَلَّى بهِمْ رَكْعَةً ؛ فإذا سَجَدَ الإمَامُ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ ، وَوَقَفَ الثَّانِي يَحْرِسُونَهُمْ ، فَإذا رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ مِنَ السُّجُودِ سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ؛ وَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ ، وَيَقُومُ الصَّفُّ الثَّانِي فَيَرْكَعُ بهِمْ جَمِيْعاً ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَسْجُدُ الصَّفُّ الْمُتَقَدِّمُ سَجْدَتَيْنِ ، وَالصَّفُّ الآخَرُ يَحْرِسُونَهُمْ ، ثُمَّ يَسْجُدُ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ سَجْدَتَيْنِ لأنْفُسِهِمْ ؛ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ الإمَامُ وَيُسَلِّمُ بهِمْ جَمِيْعاً ) . وهكذا قالَ ابنُ أبي ليلَى . وقال مَالِكُ : ( يَجْعَلُ الإمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ ، فَيُصَلِّي بطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ يَنْتَظِرُ الإمَامُ حَتَّى يُصَلُّواْ بَقِيَّةَ صَلاَتِهِمْ وَيُسَلِّمُواْ وَيَنْصَرِفُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَيُصَلِّي بهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ، وَيُسَلِّمُ الإمَامُ ، وَيَقُومُونَ فَيُتِمُّونَ صَلاَتَهُمْ ) . وقال الشَّافِعِيُّ مِثْلَ ذلكَ إلاّ أنه قالَ في الطائفةِ الأُخرى : ( لاَ يُسَلِّمُ بهِمُ الإمَامُ ؛ وَلَكِنْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَقُومُوا فَيُتِمُّوا صَلاَتَهُمْ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بهِمْ ) . وإنَّما وقعَ بهم هذا الاختلافُ لاختلافِ الأخبار الواردة في هذا الباب . روى عَلِيٌّ وابنُ مسعُودٍ وجماعةٌ من الصحابةِ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلاَّهَا كَمَا قَالَ أبُو يُوسُفَ ، ذكرنَا عن أبي حَنِيْفَةَ ومحمدٍ وعن ابن عبَّاس : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلاَّهَا كما قال أبو يوسُف ، وعن سهلِ بن أبي حثمة أنهُ صلى الله عليه وسلم صَلاَّهَا كما قالَ الشَّافِعِيُّ . فدلَّت هذه الأخبارُ على جواز الجميع ، وإنَّّما يقعُ الكلامُ في الأوَّل ، والأقربُ إلى ظاهرِ القُرْآنِ وظاهرهُ يشهدُ للروايةِ التي رواهَا عَلِيٌّ وابنُ مسعودٍ ؛ لأنَّ في قولهِ تعالى : { فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ } دليلٌ على أن الإمامَ لا يُصَلِّي بالطائفتين معاً ، وفي قولهِ تعالى : { فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ } دليلٌ على أنَّ الطائفةَ الأُولى تنصرفُ عَقِبَ السجودِ . وعندَ مالكٍ والشافعيِّ : لا تنصرفُ الطائفة الأُولى إلاَّ بعد تَمام الصلاةِ . وفي قولهِ : { وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ } دليلٌ أنَّ الطائفةَ الثانية تأتِي وهي غيرُ مُصَلِّيَةٍ ، وهذا خلافُ ما قالَ أبو يُوسف . وهذا كُلُّهُ إذا أمْكَنَهُمْ إقامةُ الصلاة بالجماعةِ ، أمَّا إذا لم يُمكنهم الجماعةُ لقيامِ القتالِ وكثرةِ العدوِّ ، وصلَّى كلُّ واحدٍ لنفسه على حسب ما أمكنَه ، إمَّا إلى القِبلة وإما إلى غيرِها إذا لم يمكنْهُ التوجُّه إليها أو راكباً يُؤمِئُ إيْماءً ، كما قال تعالى : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } [ البقرة : 239 ] . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : " غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَارباً بَنِي أنْمَارَ فَهَزَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى ؛ فَنَزَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ وَلاَ يَرَوْنَ مِنَ الْعَدُوِّ أحَداً ، فَوَضَعُوا أسْلِحَتَهُمْ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي لِحَاجَةٍ لَهُ قَدْ وَضَعَ سِلاَحَهُ ، حَتَّى قَطَعَ الْوَادِي وَالسَّمَاءُ تَرُشُّ ، فَحَالَ الْوَادِي بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابهِ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ، فَبَصَرَ بهِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُحَاربيُّ ، فَانْحَدَرَ مِنَ الْجَبَلِ وَمَعَهُ السَّيْفُ ، وَقَالَ لأَصْحَابهِ : قَتَلَنِي اللهُ إنْ لَمْ أقْتُلْ مُحَمَّداً ، فَلَمْ يَشْعُرْ بهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأسِهِ وَفِي يَدِهِ السَّيْفُ مَسْلُولاً . فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ؛ مَنْ يَعْصِمُكَ مِنَّي الآنَ ؟ فَقَالَ : " اللهُ عَزَّ وَجَلَّ " ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ اكْفِنِي غَوْرَثَ بْنَ الْحَرْثِ بمَا شِئتَ " فَأَهْوَى بالسَّيْفِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَضْرِبَهُ ، فَانْكَبَّ لِوَجْهِهِ وَبَدَرَ سَيْفَهُ ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذ السَّيْفَ وَقَالَ : " مَنْ يَمْنَعُكَ وَيَعْصِمُكَ مِنَّي يََا غَوْرَثُ ؟ " قَالَ : لاَ أحَد . قَالَ : " إشْهَدْ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ وَأعْطِيْكَ سَيْفَكَ " قَالَ : لاَ ، وَلَكِنْ لاَ أقَاتِلُكَ أبَداً ، وَلاَ أعِيْنُ عَلَيْكَ عَدُوّاً ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفَهُ ، فَقَالَ غَوْرَثُ لِلَّنبيِّ صلى الله عليه وسلم : أجَلْ ؛ لأنْتَ خَيْرٌ مِنِّي ، فَقَالَ : " أجَلْ ؛ أنَا أحَقُّ بذَلِكَ مِنْكَ " . فَرَجَعَ إلَى أصْحَابهِ ؛ قَالُوا لَهُ : وَيْلَكَ ! رَأيْنَاكَ قَدْ أهْوَيْتَ بالسَّيْفِ قَائِماً عَلَى رَأسِهِ ، مَا مَنَعَكَ مِنْهُ ؟ فَقَالَ : لَقَدْ أهْوَيْتُ لَكِنْ وَاللهِ لاَ أدْري مَنْ زَلَخَنِي بَيْنَ كَتِفَيَّ ، فَخَرَرَتُ لِوَجْهِي ، وَخَرَّ سَيْفِي مِنْ يَدِي ، فَسَبَقَنِي إلَى سَيْفِي فَأَخَذهُ . ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطَعَ الْوَادِي وَأتَى أصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بالْقِصَّةِ " ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ } . أي لا مَأْثَمَ عليكُم في ذلكَ ، وخُذُوا حِذْرَكُمْ من عدوِّكم ؛ { إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } ؛ يُهَانُونَ فيه وهو الْقَتْلُ في الدُّنيا والنارُ في الآخرةِ .