Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 34-34)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } ؛ قال ابنُ عبَّاس ومقاتلُ : " نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبيْعِ - وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ - وَفِي امْرَأَتِهِ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَهُمَا مِنَ الأَنْصَار ، نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا ، فَاْنطَلَقَ أبُوهَا مَعَهَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ أفْرَشْتُهُ كَرِيْمَتِي فَلَطَمَهَا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " اقْتَصِّي مِنْهُ " وَكَانَ الْقِصَاصُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَهُمْ فِي اللَّطْمَةِ وَالشَّجَّةِ وَالْجِرَاحِ ، فَانْصَرَفَتْ مَعَ أبيْهَا لِيَقْتَصَّ مِنْهُ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " ارْجِعُواْ ؛ هَذا جِبْرِيْلُ أتَانِي " فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أرَدْنَا أمْراً ؛ وَأرَادَ اللهُ أمْراً ، وَالَّذِي أرادَ اللهُ خَيْرٌ " وَرُفِعَ الْقِصَاصُ . " ومعناها : الرجالُ مُسَلَّطُونَ على أدب النِّساء بالحقِّ ، والقوَّامُونَ الْمُبَالِغُونَ بالقيامِ عليهنَّ بتعليمهنَّ وتأديبهنّ وإصلاحِ أمورهن ، وقولهُ تعالى : { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي جَعَلَ اللهُ ذلك للرجالِ بفضلِهم على النساء في العقلِ والرَّأي ، وَقِيْلَ : بزيادةِ الدِّين واليقينِ ، وَقِيْلَ : بقوة العبادةِ والجهادِ ، وَقِيْلَ : بالجمُعة والجماعةِ وبإنفاقِهم أموالِهم في الْمُهُور وأقْوَاتِ النساءِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } ؛ أي فَالْمُحْصَنَاتُ المطيعاتُ لله في أمرِ أزواجِهن ، وَقِِيْلَ : قائماتٌ بحقوقِ أزواجهن . وأصل الْقُنُوتِ : مُدَاوَمَةُ الطَّاعَةِ ، وقولهُ تعالى : { حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ } أي يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وأموالَ أزواجهنَّ في حال غَيْبَةِ أزواجهنَّ . ويدخلُ في حفظِ المرأة لغيب الزوج أن تَكْتُمَ عليه ما لا يحسَنُ إظهارهُ مما يقفُ عليه أحدُ الزوجين على الآخرِ . وقولهُ تعالى : { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } أي يحفظُ الله إياهُنَّ من معاصيهِ وبتوفِيقه لَهُنَّ ، ويقال : بما حفظهنَّ اللهَ تعالى في مهورهن وإلزام الزوج النفقةَ عليهن . قال صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُ النِّسَاءِ مَنْ إذا نَظَرْتَ إلَيْهَا سَرَّتْكَ ؛ وَإذا أمَرْتَهَا أطَاعَتْكَ ؛ وَإذا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِكَ وَنَفْسِهَا " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ } ؛ أي النساءِ التي تعلمونَ عصيانَهنَّ لأزواجَهن فَعِظُوهُنَّ ، والنُّشُوزُ : الرَّفْعُ عَنِ الصَّاحِب ، مأخوذٌ من النَّشْزِ وهو المكانُ المرتفعُ ، المرادُ من الْوَعْظِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْب في الآيةِ أن يكونَ ذلك على الترتيب المذكور فيها ؛ لأن هذا من باب الأمْرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكرِ ، إذا أمكنَ الاستدراكُ بالأسهلِ والأخفِّ لا يُصَارُ إلى الأثقلِ ، فالأَوْلى أن يبدأ الزوجُ فيقول لامرأتهِ الناشِزَةُ : إتَّقِِ اللهَ وارجعي إلى فراشِي ، فأطاعَتْهُ وإلاّ سَبَّهَا ، هكذا قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه . وَالْهَجْرُ : الْكَلاَمُ الْفَاحِشُ ، يقالُ : هَجَرَ الرَّجُلُ يَهْجُرُ ، إذا هَدَأ ، وأهْجَرَ الرجلُ في مَنْطِقِهِ بهجرٍ هجاراً إذا تكلَّمَ بقبيحٍ . وقال الحسنُ وقتادة : ( قَوْلُهُ : { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } مِنَ الْهَجْرِ ؛ وَهُوَ أنْ لاَ يَقْرَبَ فِرَاشَهَا وَلاَ يَنَامَ مَعَهَا ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى قَرَنَهُ بقَوْلِهِ تَعَالَى { فِي ٱلْمَضَاجِعِ } . إذا لم ينفَعْها الوعظُ هَجَرَهَا زوجُها في المضجَعِ ، فإنْ كانت تُحِبُّ زوجَها شُقَّ عليها الهجرانُ ، وإن كانت تَبْغَضُهُ وافقَها ذلك ، فكان دليلاً على النُّشُوز من قِبَلِها ؛ فيضربُها الزوجُ ضرباً غيرَ مبرِّح ولا شائنٍ ، كما يؤدِّبُ الرجل وَلَدَهُ ، ويكون ذلك مَوْكُولاً إلى رأيهِ واجتهاده على ما يرى من المصلحةِ ، ولِهذا قيلَ : إن هذا الضربَ مُقَيَّدٌ بشرطِ السَّلامة ، فالأَوْلى أن يضربَها بالنعلِ واللَّطْمِ ضربَتَين أو ثلاثاً على حسب ما يراهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ } ؛ أي فيما تَلْتَمِسُونَ منهنَّ ؛ { فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } ؛ أي لا تطلُبوا عليهنَّ عِلَلاً ولا تكلفوهنَّ الْحُبَّ لكم ، فإنَّهن لا يَملكنَ ذلك ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } ؛ أي عَلاَ فوقَ كلِّ شيء كبيراً فلا شيءَ أكبرُ منه ، أراد بالعَلِيِّ : الْعُلُوَّ في القهرِ والقَدْر لا عُلُوَّ المكانِ ، وأراد بالكَبيرِ الجلالَ وَالْعَظَمَةَ . والمعنى : أنِّي مع عُلُوِّي وَكِبْرِيَائِي ، أرضَى من عبادِي بالطاعةِ ولا آخذُهم بالحب الذي لا غايةَ بعده ، فإن أكبرَ عبادي من يُؤْثِرُ نفسَهُ عَلَيَّ ، ولا يُخْلِصُ حُبَّهُ لِي كلَّ الإخلاصِ . وقد روي : " أنَّهُ لَمَّا شَكَا الرِّجَالُ نِسَاءَهُمْ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُمْ بالضَّرْب ؛ أصْبَحَ بَباب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعُونَ امْرَأةً يَشْكُونَ أزْوَاجَهُنَّ ، فَأَقْبَلَ عَلَى أصْحَابهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ وَقَالَ : " إنَّ الْمَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ أعْوَجٍ ، فَإنْ أرَدْتُمْ إقَامَتَهَا كَسَرْتُمُوهَا ، وَإنْ رَفَقْتُمْ بهَا اسْتَمْتَعْتُمْ بهَا عَلَى عِوَجٍ " ثُمَّ قَالَ : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ " " .