Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 6-6)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ } ؛ أي اخْتَبرُوهُمْ في عقولِهم وتدبيرِهم وديانَتِهم حتى إذا بَلَغُوا مبلغَ النِّكاحِ وهو الْحُلُمُ ، وهذا دليلُ جواز الإذن للصبيِّ في التجارةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } ؛ أي عَلِمْتُمْ منهم ووجدتُم إصْلاحاً في عقولِهم وحِفْظاً في أموالِهم { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ؛ الَّتِي عندَكم . نزلَتْ هذه الايةُ في ابنِ رُفَاعَةَ وَعَمِّهِ ، وكان رفاعةُ قد تُوُفِّيَ ، وتركَ ابنَهُ صغيراً ، فَأتَى عمُّهُ ثابتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال لهُ : إنَّ ابْنَ أخِي يَتِيْمٌ فِي حِجْرِي ، فَمَتَى أدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } ؛ أي لا تأْكُلُوا أموالَ اليتامَى بغيرِ حَقِّ . والإسْرَافُ : مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } ؛ أي لِيَتَوَرَّعْ بغِنَاهُ عن مالِ اليتيم ، ولا يُنْقِصْ شيئاً من مَالِهِ ، والْعِفَّةُ : الامْتِنَاعُ عَمَّا لاَ يَحِلُّ فِعْْلُهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } ؛ اختلفُوا في معنَى ذلكَ ، قال عمر بن الخطاب وسعيدِ بن جُبير وعبيدةُ السَّلمانِيُّ : ( مَعْنَاهُ : فَلْيَأْخُذْ مِنْ مَالِ الْيَتِيْمِ عَلَى جِهَةِ الْقَرْضِ مِقْدَارَ حَاجَتِهِ ، فَإذا أيْسَرَ رَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ ) . وهكذا روَى الطحَّاويُّ عن أبي حنيفةَ ، فمعنى قولِه تعالى : { بِٱلْمَعْرُوفِ } بالْقَرْضِ ، نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ } [ النساء : 114 ] أي أو قَرْضٍ . وقال مكحولُ وعطاء وقتادةُ : ( إنَّ لِوَلِيِّ الْيَتِيْمِ أنْ يَأْخُذ مِن مَالِ الْيَتِيْمِ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيَسُدُّ جُوعَتَهُ لاَ عَلَى جِهَةِ الْقَرْضِ ) . قال الشَّعبيُّ : ( لاَ يَأْكُلُ إلاَّ أنْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ كَأَنْ يَضْطَرَّ إلَى الْمَيْتَةِ ) . وقال بعضُهم : ( فَلْيَأْكُلْ بالْمَعْرُوفِ ) أي يأكل من غيرِ إسرافٍ ، ولا قَضَاءٍ عليهِ فيما أكلَ . واختلفوا في كيفيَّة هذا بالمعروفِ ، فقالَ عكرمةُ والسُّدِّيُّ : ( يَأْكُلُ وَلاَ يُسْرِفُ فِي الأَكْلِ وَلاَ يَكْتَسِي مِنْهُ ) . وقال النخعيُّ : ( لاَ يَلْبَسُ الْكِتَّانَ وَلاَ الْحُلَلَ ، وَلَكِنْ مَا يَسُدُّ الْجُوْعَةَ وَيُوَاري العَوْرَةَ ) . وقال بعضُهم : معنى : { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } هو أن يأكلَ من تَمْرِ نخيلهِ ولَبَنِ مَوَاشِيهِ بالمعروفِ ولا قضاءَ عليه ، فأمَّا الذهبُ والفضَّة إذا أخذ منه شيئاً ردَّ بَدَلَهُ . قال الضحَّاك : ( الْمَعْرُوفُ رُكوبُ الدَّابَّةِ وَخِدْمَةُ الْخَادِمِ ، ولََيْسَ لَهُ أنْ يَأْكُلَ من مالهِ شيئاً ) . وعن ابنِ عبَّاس : ( أنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ : إنَّ فِي حِجْرِي أمْوَالَ أيْتَامٍ ؛ أفَتَأْذنُ لِي أنْ أُصِيبَ مِنْهَا ؟ فَقَالَ : إنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا ، وَتَهْنَا جَرْبَاهَا ، وَتَلُوطَ حَوضَهَا فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بالنَّسْلِ وَلاَ نَاهِكٍ فِي الْحَلْب ) . عنِ ابن عبَّاس روايةٌ أخرى أنَّ معنى الآيةِ : ( فَلْيَأكُلْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بالْمَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يُصِيْبَ مِنْ مَالِ الْيَتِيْمِ شَيْئاً ) . وعنِ ابن مسعُودٍ رضي الله عنه أنهُ قال : ( لاَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيْمِ قَرْضاً وَغَيْرَهُ ) وهذا قولُ أبي حنيفةَ . وروى بشْرُ عن أبي يوسف أنه قال : ( لاَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيْمِ إذا كَانَ مُقِيْماً ، فَإنْ خَرَجَ فِي تَقَاضِ دَيْنٍ لِلْيَتِيْمِ أوْ إلَى ضِيَاعٍ لَهُ ، فَلَهُ أنْ يُنْفِقَ وَيَكْتَسِي وَيَرْكَبَ ، فَإذا رَجَعَ رَدَّ الثِّيَابَ وَالدَّابَّةَ إلَى الْيَتِيْمِ ) . وعنه لأبي يوسف روايةٌ أخرى : ( أنَّ قَوْلَهُ { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنْسُوخاً بقَوْلِهِ تَعَالَى : { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ } [ النساء : 29 ] ) . فحاصلُ هذه الروايَاتِ ؛ أنَّ الأصحَّ على مذهب أبي حنيفةَ وأصحابهِ : أنه ليس للوصيِّ أن يأكلَ من مالِ اليتيمِ قَرْضاً ولا غيرَهُ ؛ إلاَّ أن يضطرَّ إلى شيءٍ منه فيأخذهُ بالضرورةِ ، ثم يَرُدُّ إذا وجدَ . وعن ابنِ عبَّاس قال : " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ إنَّ فِي حِجْرِي يَتِيْماً فًأَضْرِبُهُ ، قال : " مَا كُنْتَ ضَارباً مِنْهُ وَلَدَكَ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ؛ إذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ بعدَ بلوغِهم وإيناسِ الرُّشْدِ ، { فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } ؛ وثيقةً لكم ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } ؛ أي شَهِيْداً ومُجَازياً لها إلاَّ أن الإشهادَ فيما بين الناسِ من أحكام الدُّنيا لضروب مِن المصلحةِ ، وانتصب { حَسِيْباً } على القطع ، وَكَفَى باللهِ الْحَسِيْب حَسِيْباً .