Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 30-32)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } ؛ أي إنَّ الذين وحَّدُوا اللهََ ، { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } ، على الإيْمَانِ ولَم يشرِكُوا . وكان الحسنُ إذا قرأ هذه الآيةَ قال : ( اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّنَا فَارْزُقْنَا الاسْتِقَامَةَ ) . وقال أبُو بكرٍ رضي الله عنه : ( يَعْنِي ثُمَّ اسْتَقَامُواْ عَلَى أنَّ اللهَ رَبٌ لَهُمْ ) ، وقال مجاهدُ : ( هُمُ الَّذِيْنَ لَمْ يُشْرِكُواْ بهِ شَيْئاً حَتَّى يَلْقَوْهُ ) . وقال بعضُهم : يعني الاستقامةَ على أداءِ الفرائضِ ولُزومِ السُّنة . وروي عن عُمر رضي الله عنه : ( اسْتَقَامُواْ للهِ بطَاعَتِهِ وَلَمْ يَرُوغُواْ رَوَغَانَ الثَّعَالِب ) . وقوله : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } ؛ يعني قَبْضَ أرواحِهم فتقولُ لَهم : { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } ؛ أي لا تَخافُوا ما أنتم وَاقِفُونَ عليه ، ولا تَحزَنُوا على الدُّنيا وأهلِها ، وتقولُ لَهم عند خُروجِهم حين يَرَونَ أهوالَ القيامةِ : { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } ؛ تولَّينَاكم وحَفِظْنَا أعمالَكم ، ونتولاَّكم في الآخرةِ ونحفَظُكم . وعن ثابتٍ أنه قالَ : ( بَلَغَنَا أنَّ الْمُؤْمِنَ إذا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَظَرَ إلَى حَافِظِيْنَ قَائِمِيْنَ عَلَى رَأسِهِ يَقُولاَنِ لَهُ : لاَ تَخَفِ الْيَوْمَ وَلاَ تَحْزَنْ وَأَبْشِرْ بالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتَ تُوعَدُ ) . وقال عثمانُ رضي الله عنه في معنى قولهِ : ( ثُمَّ اسْتَقَامُواْ : ثُمَّ أخْلَصُواْ الْعَمَلَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ) . وقال مجاهدُ وعكرمة : ( مَعْنَاهُ : ثُمَّ اسْتَقَامُواْ عَلَى شَهَادَةِ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ حَتَّى لَحِقُوا باللهِ ) . وقال مقاتلُ : ( اسْتَقَامُواْ عَلَى الْمَعْرِفَةِ ، وَلَمْ يَرْتَدُّوا ، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ ) فِي ثَلاَثِ مَوَاطِن : عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَفِي الْقَبْرِ ، وَفِي وَقْتِ الْبَعْثِ : أنْ لاَ تَخَافُواْ عَلَى صَنِيعِكُمْ وَلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مُخَلِّفِيكُمْ . وقال مجاهدُ : ( أنْ لاَ تَخَافُواْ عَلَى مَا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أمْرِ الآخِرَةِ ، وَلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى خِلْفَتِكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ وَلَدٍ وَأهْلٍ ، فَإنَّهُ سَيَخْلِفُكُمْ فِي ذلِكَ كُلِّهِ ) . وقال السديُّ : ( لاَ تَخَافُواْ مِنْ ذُنُوبكُمْ فَإنِّي أغْفِرُهَا لَكُمْ ) . وقال بعضُهم : معنى هذه الآيةِ : أنَّ الذين قالُوا : { رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } بالوفاءِ على ترك الْخَنَى تَتَنَزَّلُ عليهمُ الملائكةُ بالرِّضَى : أن لا تخافُوا من الغِنَى ولا تحزنُوا على الغنَى وأبْشِرُوا بالبَقاءِ مع الذي كنتم توعدونَ من اللقاءِ . وَقِيْلَ : معناهُ : ألاَّ تَخافُوا فلا خوفٌ على أهلِ الاستقامةِ ، ولا تَحزنُوا فإن لكم أنواعَ الكرامةِ وأبشِرُوا بالجنةِ التي هي دارُ السَّلامةِ ، لا تخافُوا فعل دِينِ الله إنِ استقمتُم ، ولا تحزَنُوا ، فبحبلِ اللهِ اعتصَمتُم ، وأبْشِرُوا بالجنةِ إن تُبْتُمْ لا تخافوا ما دُمتم ولا تحزنوا فقد نِلتُمْ ما طلبتم ، وأبشِرُوا بالجنةِ التي فيها رَغِبْتم ، ولا تحزنوا فأنتم أهلُ الإيْمانِ ، ولا تحزنوا وأنتم أهلُ الغفرانِ ، وأبشِرُوا بالجنةِ التي هي دارُ الرِّضوانِ ، لا تخافوا وأنتم أهلُ الشَّهادة ، ولا تحزَنوُا فأنتم أهلُ السَّعادة ، وأبشروا بالجنةِ التي هي دارُ الزِّيادة ، لا تخافوا فأنتم أهلُ النَّوالِ ، ولا تحزنوا فأنتم أهلُ الوصالِ ، وابشروا بالجنة التي هي دارُ الحَلالِ ، لا تخافوا فقد أمنتم الثُّبُورَ ، ولا تحزنوا فإن لكم الحورَ ، وأبشروا بالجنة التي هي دار السرور ، ولا تخافوا فسعيُكم مشكورٌ ، ولا تحزنوا فذنبُكم مغفورٌ ، وابشروا بالجنة التي هي دار النور ، لا تخافوا فطَالَما كنتم خائفينَ ، ولا تحزنوا فقد كنتم عَارفين ، وأبشِرُوا بالجنة التي عَجَزَ عنها وصفُ الواصفين ، لا تخافُوا فأنتم مِن أهل الإيْمانِ ، ولا تحزنوا فأنتم من أهلِ الحرمَان ، وأبشِروا بالجنة التي هي دارُ الأمانِ . لا تخافوا فسَلِمتُم من أهلِ الجحيم ، ولا تحزنوا فقد وَصلتُم إلى الرب الرحيم ، وأبشِروا بالجنةِ التي هي دارُ النعيمِ ، لا تخافُوا فقد زالت عنكم المخافةُ ، ولا تحزنوا فقد سَلِمتُم من كلِّ آفةٍ ، وابشِرُوا بالجنةِ التي هي دارُ الضيافةِ ، لا تخافوا العَزْلَ من الولايةِ ، ولا تحزنوا على ما قدَّمتُم من الجنايةِ ، وأبشِرُوا بالجنةِ التي هي دار الهداية ، لا تخافوا حلُولَ العذاب ، ولا تحزنوا من هَولِ الحساب ، وأبشِرُوا بالجنة التي هي دارُ الثواب ، لا تخافوا فأنتم سَالِمون من العقاب ، ولا تحزنوا فأنتم وَاصِلون إلى الثواب ، وأبشِرُوا بالجنة فأنَّها نِعْمَ المآب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } ؛ أي تقولُ لَهم الملائكةُ : نحنُ أولياؤُكم ؛ أي نحنُ الْحَفَظَةُ الذي كنا معَكُم في الأُولَى ، ونحنُ أحبَّاؤُكم أولياؤكم في الآخرةِ ، لا نفارقُكم حتى تدخلُوا الجنةَ ، { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } من الكَراماتِ واللَّذاتِ ، يعني ولكم في الآخرةِ ما تشتَهي أنفسُكم ، { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } ؛ أي أنْزَلََهم اللهُ نُزُلاً ، ولا يجوزُ أن يكونَ قولهُ ( نُزُلاً ) جمع نَازلَةٍ ، ويكون المعنَى : ولَكُمْ ما تَدَّعُونَ من غَفُورٍ رَحِيْمٍ نَازلِينَ . ويجوزُ أن يرادَ به القوتُ الذي يقامُ للنازلِ والضَّيفِ ، والمعنى : ثَبَتَ لَهم ما يدَّعون { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } أي كثيرِ المغفرةِ ، رَحيمٍ بمن كان على الإيْمانِ والتوبةِ . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } قَالَ : " أُمَّتِي وَرَب الْكَعْبَةِ " ، لأنَّ اليهودَ قالوا ربُّنا اللهُ ثُم لَم يَستَقِيمُوا إذ قالُوا : عزير ابن الله ! والنصارى قالوا : ربنا الله ، ثم لم يستقيموا إذ قالوا : المسيحُ ابنُ اللهِ ! .