Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 10-16)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } ؛ وذلك أنَّ الْمُشْرِكِينَ بَالَغُوا فِي إيْذاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويَئِسَ مِنْ إيْمَانِهِمْ بهِ ودعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرٍ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ " . فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَاتِ ، فَأَخَذتْهُم السَّنَةُ حَتَّى أكَلُوا الْجِيَفَ وَالْكِلاَبَ وَالْعِظَامَ الْمُحَرَّقَةَ مِنَ الْجُوعِ ، وَارْتَفَعَ الْقَطْرُ وَأجْدَبَتِ الأَرْضُ ، وَكَانُواْ إذا نَظَرُواْ إلَى السَّمَاءِ رَأوا دُخَّاناً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لِلظُّلْمَةِ الَّتِي غَشِيَتْ أعْيُنَهُمْ وأبْصَارَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ . ويقال : يَبسَتِ الأرضُ وانقطعَ الغيثُ . والمعنى : فانتظِرْ يا مُحَمَّدُ يومَ تأتِي السَّماءُ بدُخَانٍ مُبينٍ ، " فَجَاءَ أبُو سُفْيَانَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدٌ جِئْتَ تَأْمُرُنَا بصِلَةِ الرَّحِمِ وَإنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُواْ ، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي ، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطََيْتَنِي ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً مَرِيّاً مَرِيعاً طَبَقاً عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ نَافِعاً غَيْرَ ضَارٍّ " ، فَمَا بَرِحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أنْزَلَ اللهُ الْمَطَرَ . وَجَاءَ النَّاسُ يَشْتَدُّونَ وَقَالُواْ : الْغَرَقُ الْغَرَقُ ، فَقَرَأ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم { إنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } فَكَشَفَ اللهُ عَنْهُمُ الشِّدَّةَ ، ثُمَّ عَادُوا إلَى الْكُفْرِ " فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } ؛ وذلك يومُ بدرٍ ، { إِنَّا مُنتَقِمُونَ } . وهذا التأويلُ إنما يستقيمُ على قولِ ابن مسعودٍ فإنه كان يقولُ : ( خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ : الدُّخَّانُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ ) وكان يذهبُ إلى أنَّ البطشةَ الكُبرَى هي التي أصابَتْهُم يومَ بدرٍ ، وذلك أعظمُ من الجوعِ الذي أصابَهم بمكَّةَ . وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المرادَ بالدُّخان في هذه الآياتِ : الدخَّانُ الذي يُنْزِلهُ اللهُ تعالى عندَ قيامِ الساعة ، ثم يغشَاهُم عذابٌ أليم بعدَ ذلك ، كما رُوي عن مسروقٍ أنه قالَ : ( إذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ دُخَّانٌ مِنَ السَّمَاءِ ، فَأَخَذ بأَسْمَاعِ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَأبْصَارهِمْ حَتَّى تَصِيرَ رُؤُوسُهُمْ كَالرَّأسِ الْحَنِيذِ ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ بمَنْزِلَةِ الزُّكَامِ ) . فعلى هذا القولِ يكون معنى قولهِ تعالى : { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي مِن أين لَهم الذِّكرَى ، أي مِن أين ينفعُهم إيمانُهم { وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } في الوقتِ الذي كانوا مكلَّفين فيه ثُمَّ أعرَضُوا عن الإيمانِ به { وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } أي هو معلِّمٌ يعلِّمهُ الجنُّ ، ويعترِضُون له . وَقِيْلَ : معناهُ : يعلِّمهُ بشَرٌ مجنونٌ بادِّعائهِ النبوَّةَ . ويكون معنى قولهِ : { إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ } أي عذابَ الدُّنيا بعد مجيءِ الرسولِ إلى وقت الدُّخان ، فمَهَّلَهُم لكي يتُوبُوا ، ولن يتُوبُوا . والمرادُ بالبطشةِ الكُبرَى على هذا القولِ يومُ القيامةِ ، وأما على القولِ الأوَّلِ فقولهُ : { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي التذكُّر والاتِّعاظُ ، يقولُ : كيف يتذكَّرُون ويتِّعِظون ، وحالُهم أنه قد جاءَهم رسولٌ مُبينٌ ظاهرُ الصِّدقِ والدلالة ، { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ } أي أعْرَضُوا ولَمْ يقبَلُوا قولَهُ . وقولهُ تعالى : { إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ } يعني عذابَ الجوعِ { قَلِيلاً } أي زَمَاناً يَسِيراً ، قال مقاتلُ : ( يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ إنَّكُمْ عَائِدُونَ فِي كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبكُمْ ) وفيه إعلامٌ أنَّهم لا يتَّعِظُون ، وإنه إذا رُفِعَ عنهم العذابُ عادُوا إلى طُغيانِهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي واذكُرْ لَهم ذلك اليومَ ، يعني يومَ بدرٍ .