Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 20-20)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولهُ تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } ؛ أي وأنذِرهُم يومَ يُعرَضُ كفَّارُ مكَّة على النار ويقالُ لَهم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } ؛ أي أذهَبتُم أموالَكم ، وَقِيْلَ : قوَّتَكم وشبَابَكم في لذاتِكم في الدُّنيا ، لا في طلب رضَى اللهِ ، بل في وُجوهٍ مُحرَّمَةٍ ، وانتقَصتُم بطيِّباتكم في الدُّنيا ، { وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } ؛ ( فَـ ) ليس لكم ، { فَٱلْيَوْمَ } ؛ ها هنا حسناتٍ ، وإنما { تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } ؛ أي الْهَوَانِ الشديدِ باستكباركم في الأرضِ بالباطلِ ، وخُروجِكم من أمرِ الله تعالى إلى المعصيةِ . وعن ابنِ عبَّاس : " أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( أُدْعُ اللهَ أنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ ، فَقَدْ وَسَّعَ اللهُ عَلَى فَارسَ وَالرُّومَ وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللهَ تَعَالَى ) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أوَفِي شَكٍّ أنتَ يَا ابْنَ الْخَطَّاب ؟ ! أوْلَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " " . ورُوي : أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : " دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ حَفْصَةٍ وَإنَّهُ لَمُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ ، وَإنَّ بَعْضَهُ لَعَلَى التُّرَاب ، وَتَحْتَ رَأسِهِ وسَادَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيْفاً ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ أنْتَ نَبيُّ اللهِ وَصَفْوَتُهُ وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَكِسْرَى وَقَيْصَرَ عَلَى سُرُر الذهَب وَفُرُشِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : يَا عُمَرُ ؛ إنَّ أُوْلَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ وَهِيَ وَشِيكَةُ الانْقِطَاعِ ، وَإنَّا أُخِّرَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا " " . وعن سالِم بن عبدِالله بن عمر كان يقولُ : ( وَاللهِ مَا نَعْبَأُ بلَذاتِ الْعَيْشِ بأَنْ نَأْمُرَ بصِغَار الْمِعْزَى فَتُسْمَطَ لَنَا ، وَنَأْمُرَ بِلبَاب الْحِنْطَةِ فَيُخْبَزُ لَنَا ، وَنَأْمُرَ بالنَّبيذِ فَيُنْبَذُ لَنَا ، حَتَّى إذا صَارَ مِثْلَ عَيْنِ يَعْقُوبَ أكَلْنَا هَذا وَشَرِبْنَا هَذا ، وَلَكِنَّا أرَدْنَا أنْ نَسْتَبْقِيَ طَيِّبَاتِنَا لأَنَّا سَمِعْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَذْكُرُ قَوْماً فَقَالَ { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } . وعن جابرِ بن عبدِالله رضي الله عنه قالَ : ( رَأى عُمَرُ رضي الله عنه فِي يَدَيَّ لَحْماً مُعَلَّقاً فَقَالَ : مَا هَذا يَا جَابرُ ؟ قَالَ : اشْتَهَيْتُ لَحْماً فَاشْتَرَيْتُهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : وَكُلَّمَا اشْتَهَيْتَ يَا جَابرُ اشْتَرَيْتَ ؟ أمَا تَخَافُ هَذِهِ الآيَةَ { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } . وعن محمَّد بن مَيسَرة قالَ : قال جابرُ بن عبدِالله : ( اشْتَهَى أهْلِي لَحْماً فَشَرَيْتُهُ وَمَرَرْتُ بعُمَرَ ، فَقَالَ : مَا هَذا يَا جَابرُ ؟ قُلْتُ : اشْتَهَى أهْلِي اللَّحْمَ فَاشْتَرَيْتُ هَذا اللَّحْمَ بدِرْهَمٍ ، فَقَالَ : أوَكُلَّمَا اشْتَهَى أحَدُكُمْ شَيْئاً جَعَلَهُ فِي بَطْنِهِ ، أمَا تَخْشَى أنْ تَكُونَ مِنْ أهْلِ هَذِهِ الآيَةِ { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } ) . وعن عِمَارَةَ بن القَعْقَاعِ عن أبي زَرعَةَ قالَ : ( دَخَلَ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدَ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ يُكَوِّمُ كَعْكاً شَامِيّاً وَيَتَفَوَّقُ لَبَناً حَازراً فَقَالَ : يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أمَرْتَ أنْ يُصْنَعَ لَكَ طَعَامٌ ألْيَنُ مِنْ هَذا ؟ فَقَالَ : يَا ابْنَ فَرْقَد ؛ أتَرَى أحَداً مِنَ الْعَرَب أقْدَرُ عَلَى ذلِكَ مِنِّي ؟ فَقَالَ : مَا أحَدٌ أقْدَرُ عَلَى ذلِكَ مِنْكَ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ عُمَرُ : سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى عَيَّرَ أقْوَاماً فَقَالَ { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } وَاللهِ لَوْ شِئْتُ أنْ أكُونَ أصْلَبَكُمْ طَعَاماً وَأحْسَنَكُمْ ثِيَاباً لَفَعَلْتُ ، وَلَكِنْ أسْتَبْقِي دُنْيَايَ لآخِرَتِي ) . وعن حفصِ بن أبي العاصِ قالَ : ( كُنْتُ أتَغَدَّى مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه فَيَجِيءُ بخُبْزٍ مُتَقَطِّعٍ يَابسٍ غَلِيظٍ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَقُولُ لَنَا : كُلُواْ ، فَجَعَلَ يَعْتَذِرُ فَقَالَ : مَا لَكُمْ لاَ تَأْكُلُونَ ؟ قُلْنَا : لاَ نَأْكُلُهُ وَاللهِ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا نَسْتَطِيعُ لَكِنَّا نَرْجِعُ إلَى طَعَامٍ ألْيَنَ مِنْ طَعَامِكُمْ هَذا . َفَقَالَ : يَا ابْنَ الْعَاصِ أمَا تَرَى أنِّي قَادِرٌ أنْ آمُرَ بدَقِيقٍ أنْ يُنْخَلَ بخُرْقَةٍ ، وَأنْ يُخْبَزَ فِي تَنُّورٍ ، وَآمُرَ بعَنَاقٍ سَمِينَةٍ فَلْيُسْمَطَ عَنْهَا شَعْرَهَا ثُمَّ تُخْرَجُ مَصْلِيَّةً كَأَنَّهَا كَذا وَكَذا ، أمَا تَرَى أنِّي أقْدِرُ أنْ أعْمَلَ إلَى صَاعٍ أوْ صَاعَيْنِ مِنْ زَبيبٍ فَأَجْعَلُهُ فِي سِقَاءٍ ثُمَّ أنُشُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ فَيُصْبحُ كَأَنَّهُ دَمُ غَزَالٍ ؟ قَالَ : قُلْتُ وَاللهِ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَجَادٌّ مَا نَعَتَ الْعَيْشَ ؟ قَالَ : أجَلْ وَاللهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ ، لَوْلاَ أنِّي أخَافُ أنْ تَنْقُصَ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَشَارَكْتُكُمْ فِي الْعَيْشِ ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } . وكان يقولُ : ( لاَ تَنْخِلُواْ الدَّقِيقَ فَإنَّهُ كُلُّهُ طَعَامٌ ) ، وكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَتَغَدَّى اللَّبَنَ وَالْقَدِيدَ ، وعن الزهريِّ رضي الله عنه قالَ : ( حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أنَّهُ حَدَّثَهُ : " أنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُ عَلَى حَصِير مَرْمُولاً قَدْ أثَّرَ الشَّرِيطُ فِي جَنْبهِ مُتَوَسِّداً وسَادَةً مِنْ أدْمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : فَالْتَفَتُّ فِي الْبَيْتِ فَوَاللهِ مَا رَأيْتُ شَيْئاً يَرُدُّ الْبَصَرَ إلاَّ إهَاباً جُلُوداً مَعْطُوفةً قَدْ سَطَعَ ريحُهَا ، فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّكَ خِيرَةُ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ ، وَهَذا كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِي الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ ، فَاسْتَوَى رَسُولُ اللهِ صلى الله علي وسلم جَالِساً وَقَالَ : " أوَفِي شَكٍّ أنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّاب ؟ ! أُؤلَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " " . ورُوي : أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَدِمَ مِنَ الشَّامِ ، فَصُنِعَ لَهُ طَعَامٌ طَيِّباً فَقَالَ : هَذا لَنَا ! فَمَا لِنُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَاتُواْ وَهُمْ لاَ يَشْبَعُونَ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ ؟ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : لَهُمُ الْجَنَّةُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَاغْرُوْرَقَّتْ عَيْنَا عُمَرَ بالدُّمُوعِ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ كَانَ حَظُّنَا فِي الْخِطَامِ وَهُمْ فِي ريَاضِ الْجَنَّةِ ، لَقَدْ بَايَنُونَا بَوْناً بَعِيداً ) . ورُوي : " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أهْلِ الصُّفَّةِ ، فَرَآهُمْ يُرَقِّعُونَ ثِيَابَهُمْ بالأَدْمِ ، مَا يَجِدُونَ لَهَا رقَاعاً ، فَقَالَ : " هَلْ أنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ قَوْمٍ يَعْدُو أحَدَهُمْ فِي خُلَّةٍ وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى ، وَيَعُدُّ عَلَيْهِ بجَفْنَةٍ وَيُرَاحُ بأُخْرَى " " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } يعني يومَ القيامةِ تُجزَونَ العذابَ الذي فيه دُلُّكم وخزيكم ، { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } .