Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 29-30)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } ؛ معناهُ : اذكُر إذ وجَّهنا نفَراً من الجنِّ ؛ وذلك " أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا آيَسَ مِنْ إسْلاَمِ أهْلِ مَكَّةَ ، خَرَجَ إلَى الطَّائِفِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَى الإسْلاَمِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الطَّائِفِ رَاجِعاً إلَى مَكَّةَ وَوَصَلَ بَطْنَ نَخْلَةَ ، قَامَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ ، فَمَرَّ بهِ نَفَرٌ مِنْ أشْرَافِ جِنِّ نَصِيبينَ مِنَ الْيَمَنِ فَاسْتَمَعُواْ الْقُرْآنَ " . قال ابنُ عبَّاس : ( كَانُوا تِسْعَةَ نَفَرٍ ) ، وقال الكلبيُّ ومقاتل : ( كَانُوا سَبْعَةً صُرِِفُوا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَسْتَمِعُواْ مِنْهُ وَيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ ) . وهو قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } . فلمَّا انتهَوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ بعضُهم لبعضٍ : اسكتُوا حتى تَستَمِعوا قراءَتهُ ، وذلك معنى قولهِ تعالى : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ } ؛ أي فلما فرغَ من التلاوةِ قال بعضُهم لبعض : اسكُتوا حتى تَستمعوا قراءته ، وإنما قالوا ذلك لأنهم سَمعوا شيئاً لم يسمعوا مثلَهُ ، فلما فرغَ من القرآنِ انصرَفُوا إلى قومِهم مخوِّفين لهم بالقرآن ، وذلك معنى قوله تعالى : { فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } ، أي فلما فرغَ من التلاوةِ انصرفوا إلى قومهم مُنذرين ؛ أي محذِّرين إياهم عذاباً إن لم يُؤمنوا ، وهذا قاله سعيدِ بن جُبير وجماعةٍ من أئمَّة الخبرِ . وقالَ آخَرُون : بل " أُمِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُنذِرَ الجنَّ ويدعُوَهم إلى اللهِ ، فقرأ عليهم القرآنَ ، فصرفَ اللهُ نفَراً من الجنِّ وجَمَعهم له ، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابهِ : " إنِّي أُمِرْتُ أنْ أقْرَأ عَلَى الْجِنِّ اللَّيْلَةَ ، فَأَيُّكُمْ تَبعَنِي " فَأَطْرَقُوا ، فَقَالَ لَهُمْ مَرَّةً ثَانِيَةً ، فَأَطْرَقُواْ ، فَقَالَ لَهُمْ مَرَّةً ثَالِثَةً ، فَاتَّبَعَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ : ( لَمْ يَحْضُرْ مََعَهُ أحَدٌ غَيْرِي ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إذا كُنَّا بأَعْلَى مَكَّةَ دَخَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شِعْباً يُقَالُ لَهُ شِعْبُ الْحِجَوْنِ ، وَحَطَّ لِي ثُمَّ أمَرَنِي أنْ أجْلِسَ فِيْهِ ، وَقَالَ : " لاَ تَخْرُجْ مِنْهُ حَتَّى أدْعُوَ إلَيْكَ " . ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ ، فَجَعَلْتُ أرَى أمْثَالَ النُّور تَهْوِي ، وَسَمِعْتُ لَفْظاً شَدِيداً حَتَّى خِفْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَغَشِيَتْهُ سَوْدَةٌ كَبيرَةٌ حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى مَا سَمِعْتُ صَوْتَهُ ، ثُمَّ طَفِقُواْ يَتَقَطَّعُونَ أمْثَالَ قِطَعِ السَّحَاب ذاهِبينَ . فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ الْفَجْرِ ، وَقَالَ : " أنِمْتَ ؟ " قُلْتُ : لاَ وَاللهِ ؛ وَلَقَدْ هَمَمْتُ مِرَاراً أنْ أسْتَغِيثَ بالنَّاسِ حَتَى سَمِعْتُكَ تُفْزِعَهُمْ بعَصَاكَ تَقُولُ : " اجْلِسُوا " فَقَالَ : " لَوْ خَرَجْتَ لَمْ آمَنْ عَلَيْكَ أنْ يخْتَطِفَكَ بَعْضُهُمْ " ثُمَّ قَالَ : " هَلْ رَأيْتَ ؟ " فَقُلْتُ : نَعَمْ ؛ رَأيْتُ رجَالاً سُوداً . قَالَ : " أُوْلَئِكَ جِنُّ نَصِيبينَ ، سَأَلُونِي الْمَتَاعَ فَمَنَعْتُهُمْ بكُلِّ عَظْمٍ حَلِيلٍ وَرَوْثَةٍ وَبَعْرَةٍ " فَقَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَذِّرُهَا لِلنَّاسِ عَلَيْنَا ، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُسْتَنْجَى بالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى عليه وسلم وَمَا يَعْنِي ذلِكَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : " إنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ عَظْماً إلاَّ يَجِدُونَ عَلَيْهِ لَحْمَةً يَوْمَ أُكِلَ ، وَلاَ رَوْثَةً إلاَّ وَجَدُواْ فِيْهَا حَبَّهَا يَوْمَ أُكِلَتْ " . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُ لَفْظاً كَثِيراً شَدِيداً ، قَالَ : " إنَّ الْجِنَّ تَدَارَتْ فِي قَتِيلٍ قُتِلَ بَيْنَهُمْ ، فَتَحَاكَمُوا إلَيَّ فَقَضَيْتُ بَيْنَهُمْ " . ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ : " هَلْ مَعَكَ مَاءٌ ؟ " فَقُلْتُ : يَا رسُولَ اللهِ مَعِي نَبيذُ تَمْرٍ فِي إدْاَوةٍ ، فَاسْتَدْعَاهُ فَصَبَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضََّأَ بهِ وَقَالَ : " ثَمَرَةٌ طيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ " " . وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال : " الْجِنُّ عَلَى ثَلاَثَةِ أصْنَافٍ : صِنْفٌ لَهُمْ أجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ بهَا فِي الْهَوَاءِ ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلاَبٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ " . قَوْلُهُ تَعََالَى : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ } أي قالَ بعضهُم لبعضٍ : أنْصِتُوا ، فأَنْصَتُوا واستَمعوا القرآنَ حتى كان يقعُ بعضهم على بعضٍ من شدَّة رغبتِهم في سماعِ القرآن ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا قُضِيَ } أي فلمَّا فرغَ من تلاوةِ القرآن ، وقرأ لاحقُ ابن حميد ( قَضَى ) بفتح القافِ والضاد يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم ؛ ثُم جعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُولئِكَ النفرَ من الجنِّ رسُلاً إلى قومِهم . وأسماءُ أُولئك النَّفرِ : شاضر وماصر ومنشي وماشي والأحقب وعمرو بن جابر وزوبعة . وعن ابنِ مسعود رضي الله عنه : ( أنْ كَانَ فِي نَفَرٍ مِنْ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ يَمْشُونَ ، وَرُفِعَ لَهُمْ إعْصَارٌ ، ثُمَّ جَاءَ إعْصَارٌ أعْظَمَ مِنْهُ ، ثُمَّ انْقَشَعَ فَإذا حَيَّةٌ قَتِيلٌ ، فَعَمَدَ مِنَّا رَجُلٌ إلَى ردَائِهِ فَشَقَّهُ وَكَفَّنَ الْحَيَّةَ ببَعْضِهِ وَدَفَنَهَا ! فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ إذا امْرَأتَانِ تَسْأَلاَنِ : أيُّكُمْ دَفَنَ عَمْرَو بنَ جَابرٍ ؟ ! فَقُلْنَا : مَا نَدْري مَنْ عَمْرُو بْنُ جَابرٍ ! فَقَالَتَا : إنْ كُنْتُمُ ابْتَغَيْتُمُ الأَجْرَ فَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ، إنَّ فَسَقَةَ الْجِنِّ اقْتَتَلُواْ مَعَ مُؤْمِنِيهِمْ ، فَقُتِلَ عَمْرُو بْنُ جَابرٍ وَهُوَ الْحَيَّةُ الَّتِي رَأيْتُمْ وَهُوَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُواْ الْقُرْآنَ ) . وذكر : أنَّ حيةً دخلت على رجل من التابعين وهي تلهث عطشى فسقاها ، ثم إنها ماتت فدفنها ، فأتي من الليل فسلَّم عليه وأخبر أن تلك الحية كانت رجُلاً من جنِّ نصيبين اسمه زوبعةُ . وبلغنا في فضائل عمر بن عبد العزيز أنه كان يمشي بأرض فلاة ، فإذا حية ميتة فكفنها بفضلة من ردائه ودفنها ، فاذا قائل يقول يا سَرْق اشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ستموت بأرض فلاة فيكفنك ويدفنك رجل صالح ، فقال من أنت رحمك الله ؟ فقال رجل من الجن الذين استمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق منهم إلا أنا وسَرْق ، وهذا سرق قد مات . وقد قَتَلَتْ عائشةُ رضي الله عنها حيةً رأتها في حُجرتها تستمعُ وعائشة تقرأُ فأُتِيَتْ في المنام فقيل لها : إنكِ قد قتَلْتِ رجُلاً مؤمناً من الجنِّ الذين قَدِموا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت : لو كان مؤمناً ما دخلَ على حريمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لها : ما دخلَ عليكِ إلاّ وأنتِ متقنِّعة ، وما جاء إلاّ ليستمعَ الذِّكرَ ، فأصبحت عائشةُ فزعةً واشترت رقاباً فأعتقَتهم . ويقالُ : الذين جاءُوا ليستَمِعوا القرآنَ كانوا يهُوداً فأسلَمُوا ، ولذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } .