Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 35-35)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قولهُ تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } ؛ وهم خمسةٌ أُولُوا الكتب والشرائع : مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ونوح وإبراهيم وموسَى وعيسى صَلواتُ اللهِ عليهم ، وَقِيْلَ : إنَّهم رسلٌ سُلِخُوا من جلودِهم فلم يجزَعُوا . وَقِيْلَ : أرادَ بأُولِي العزمِ الأنبياءُ كلَّهم ، وحرف ( مِنْ ) على هذا القولِ لِتَبيين الجنسِ كما في قوله { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [ الحج : 30 ] ، قال ابنُ يزيد : ( كُلُّ الرُّسُلِ كَانُوا أُوْلِي عَزْمٍ ) . وقال بعضُهم : كلُّ الأنبياءِ أُولُوا عزمٍ إلاَّ يونسَ عليه السلام ، ألاَ ترَى أنَّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم نُهي عن أنْ يكون مثلَهُ لخِفَّة وعجلةٍ ظهرت منهُ حين ولَّى مُغَاضِباً لقومهِ ، فابتلاهُ الله بالحوتِ فابتلعَهُ ، وَقِيْلَ : أُولُوا العزمِ نُجبَاءُ الرُّسلِ المذكورون في سُورةِ الأنعامِ وهم ثمانيةُ عشر ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فيهم { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] . وقال مقاتلُ : ( أُوْلُوا الْعَزْمِ سِتَّةٌ : نُوحٌ صَبَرَ عَلَى أذى قَوْمِهِ وَكَانُواْ يَضْرِبُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ ، وَإبْرَاهِيمُ صَبَرَ عَلَى النَّار ، وَإسْحَاقُ صَبَرَ عَلَى الذبْحِ ، وَيَعْقُوبُ صَبَرَ عَلَى فَقْدِ وَلَدِهِ وَذهَاب بَصَرِهِ ، وَيُوسُفُ صَبَرَ عَلَى الْبئْرِ وَالسِّجْنِ ، وأيُّوبَ صَبَرَ عَلَى الضُّرِّ ) . قال ابنُ عبَّاس : ( الْعَزْمُ : الصَّبْرُ ) ، وقال القَرَظِيُّ : الرَّأيُ وَالصَّوَابُ ) . وقال الحسنُ : ( أُوْلُوا الْعَزْمِ أرْبَعَةٌ : إبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَدَاوُدَ وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، أمَّا إبْرَاهِيمُ فَعَزْمُهُ أنَّهُ قِيلَ لَهُ : أسْلِمْ ، َفَقَالَ أسْلَمْتُ لِرَب الْعَالَمِينَ ، وَابْتُلِيَ فِي وَلَدِهِ وََمَالِهِ وَنَفْسِهِ ، فَوُجِدَ صَادِقاً وَافِياً فِي جَمِيعِ مَا ابْتُلِيَ بهِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 37 ] ، وَأمَّا مُوسَى فَعَزْمُهُ أنَّ قَوْمَهُ كُلَّمَا قَالُوا لَهُ : إنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ : كَلاَّ إنَّ مَعِي رَبي سَيَهْدِينِ . وَأمَّا دَاوُد عليه السلام فَعَزْمُهُ أنَّهُ أخْطَأَ خطِيئَةً فَبَكَى عَلَيْهَا أرْبَعِينَ سَنَةً . وَأمَّا عِيسَى فَعَزْمُهُ أنْ لَمْ يَضَعْ لَبنَةً عَلَى لَبنَةٍ زُهْداً فِي الدُّنْيَا ) . فكأنَّ اللهَ تعالى قال لنَبيِّه صلى الله عليه وسلم : فاصبرْ كما صبرَ أُولُوا العزمِ من الرُّسلِ ؛ أي كن صَادقاً فيما ابتُلِيت به مثلَ صدقِ إبراهيمَ عليه السلام ، وكُن واثقاً بنصرِ مَولاَكَ مثلَ ثقةِ مُوسَى عليه السلام مُهتَمّاً بما سلفَ من هفَوَاتِكَ مثل اهتمامِ داودَ عليه السلام ، زاهداً في الدُّنيا مثلَ زُهدِ عيسى عليه السلام ، فقالَ الشاعرُ : @ أُوْلُواْ الْعَزْمِ نُوحٌ وَالْخَلِيلُ كِلاَهُمَا مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبيُّ مُحَمَّدُ @@ فلمَّا نزلت هذه الآيةُ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " واللهِ لأَصْبرَنَّ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، وَأجْهَدُ كَمَا جَهِدُوا ، ولاَ قُوَّةٍ إلاّ بالله " . وقولهُ تعالى : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } ؛ وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضَجِرَ بعضَ الضَّجرِ من كُفرِهم ، وأحبَّ أن ينْزِلَ العذابُ بمَن أبَى منهم الإسلامَ ، فأُمِرَ بالصَّبرِ وتركِ الاستعجالِ ، ثم أخبرَ أنَّ العذابَ منهم قريبٌ ، فقوله : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } ؛ من العذاب في الآخرة ؛ { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } ؛ أي إذا عايَنُوا العذابَ صارَ طولُ لُبثِهم في الدُّنيا والقبور كأنَّهُ ساعةٌ ، لأنَّ ما مضَى كأنَّهُ لم يكن وإنْ كان طَويلاً . وتَمَّ الكلامُ ، ثم قال تعالى : { بَلاَغٌ } ؛ أي هذا القرآنُ وما فيه من البيانِ بلاغٌ عن الله إليك ، والبلاغُ بمعنى التبليغِ بلَّغَكم مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم عن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } ؛ أي لا يقعُ العذاب إلاَّ بالعاصِين الخارجين عن أمرِ الله تعالى ، وَقِيْلَ : معناهُ : ما يهلكُ إلاَّ مشركٌ أو منافقٌ .