Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 4-5)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولهُ تعالى : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } ؛ أي إذا لَقِيتمُوهم في القتالِ فاضْرِبُوا رقابَهم ؛ أي اقتلُوهم ، والمعنى : فاضرِبُوا الرقابَ ضَرباً ، وهذا مصدرٌ أُقِيمَ مقامَ الأمرِ ، كما في قولهِ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } [ البقرة : 92 ] ، وَقِيْلَ : انتصبَ قولهُ { فَضَرْبَ } على الإغراءِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } ؛ أي حتى إذا أكثَرتُم القتلَ فيه وغلَبتُموهم وبالَغْتُم في قتلِهم فاستوثَقُوهم بالأسرِ ، ولا يكون الأسرُ إلاَّ بعد المبالَغةِ في القتلِ ، كما قال اللهُ { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] ، والمعنَى حتى إذا قَهرتُموهم وغَلبتُموهم وصَاروا أسَارَى في أيدِيكم فشُدُّوا وثاقَهم كَيلاَ يَهربُوا ، يقال : أوْثَقَهُ أيْ إيْثَاقاً وَوثَاقاً إذا شدَّ أسْرَهُ لِئَلاَّ يُفْلِتَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } ؛ معناهُ : فإما أن تَمُنُّوا عليهم بعد أن تَأسِرُوهم وتطلقوهم بغيرِ فداءٍ ، وإما تُطلِقُوهم يُفْدَوْنَ بأَسرَاكُم عندَهم أو بمالٍ ، والمعنى فإمَّا بعدَ أن تأسِرُوهم إما مَنَنْتُمْ عليهم مَنّاً فأطلقتُموهم بغيرِ عِوَضٍ ، وإما أنْ تُفْدُوا فِدَاءً . وعن ابنِ عبَّاس قال : ( هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] ) . وَإلَيْهِ ذهَبَ أبُو حَنِيفَةَ وقالَ : ( لاَ يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى الأَسِيرِ وَلاَ الْفِدَاءُ بالْمَالِ وَلاَ بغَيْرِ الْمَالِ مِنَ الأُسَارَى ، وَلاَ يُبَاعُ السَّبْيُ مِنْ أهْلِ الْحَرْب ) . ولم يختلف أهلُ التفسيرِ في أنَّ التوبةَ نزلت بعدَ سُورَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا خلافَ بين العلماءِ في جواز قتل الأسيرِ وجواز قِسمَةِ الأُسَارَى بين المسلمِين إذا لم يكن الأُسارَى من العرب ، وإنما اختَلَفُوا في جواز الْمَنِّ عليهم في مَفَادَاتِهم بالمالِ أو النفس . قال الشافعيُّ : ( يَجُوزُ المَنُّ عَلَيْهِمْ لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَنَّ عَلَى أبي عَزَّةَ الشَّاعِرِ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى أنْ لاَ يُقَاتِلَ ، فَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ذلِكَ لِلْقِتَالِ فَأُسِرَ ، فَأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِهِ ) . فأجابَ أصحابُنا عن هذا إنَّما مَنَّ عليه كما مَنَّ العربُ ، وكان لا يجوزُ استرقاقهُ ، وقال أبو يوسف ومحمَّد : ( تَجُوزُ مُفَادَاةُ الأَسِيرِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أي حتى يضعَ أهلُ الحرب أسلِحتَهم ، والأوْزَارُ في اللغة : الأَثْقَالُ ، وَقِيْلَ : المرادُ بالأوزار هنا الآثَامُ ، وقال ابنُ عبَّاس : ( مَعْنَى قَوْلِهِ { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أيْ حَتَّى لاَ يَبْقَى أحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) . وقال مجاهدُ : ( حَتَّى لاَ يَكُونَ دِينٌ إلاَّ الإسْلاَمُ ) . وَقِيْلَ : حتى تضعَ حربُكم وقتالُكم أوزارَ المشركين وقبائحَ أعمالِهم بأنْ يُسلِمُوا فلا يبقَى دينٌ غيرُ الإسلامِ ، ولا يُعبَدُ وثنٌ . وقال الفرَّاءُ : ( مَعْنَاهُ : حَتَّى لاَ يَبْقَى إلاَّ مُسْلِمٌ أوْ مُسَالِمٌ ) . وَقِيْلَ : معناهُ : حتى تضعَ أهلُ الحرب آلتَها وعُدَّتَها ، وآلَتُهم أسلِحَتُهم فيُمسِكُوا عن الحرب ، وحربُ القومِ الْمُحاربُونَ كالرَّكْب والشُّرب ، ويقال أيضاً للكِرَاعِ : أوْزَارٌ ، قال الشاعرُ وهو الأعشَى : @ وَأعْدَدْتَ لِلْحَرْب أوْزَارَهَا رمَاحاً طِوَالاً وَخَيْلاً ذُكُورَا @@ ومعنى الآية : أتْخِنُوا المشرِكين بالقتلِ والأسرِ حتى يظهرَ الإسلامُ على الأديانِ كلِّها ، ويدخلُ فيه أهلُ مكَّة طَوْعاً وكَرْهاً ، ويكون الدِّينُ كلُّه للهِ ، فلا يحتاجُ إلى قتالٍ ولا إلى جهادٍ ، وذلك عند نُزولِ عيسَى عليه السلام من السَّماء فيكسِرُ الصليبَ ويقتلُ الخنْزِيرَ ، يَلقَى الذئبُ الشاةَ فلا يتعرَّضُ ، ولا تكون عداوةٌ بين اثنين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } ؛ أي ذلك الذي أُمِرْتُم به من الجهاد ، ولو يشاءُ الله لانتقمَ منهم ؛ أي من الكفَّار من غيرِ أن يأمُرَكم بقتالِهم ، المعنى : ولو يشاءُ اللهُ لانتصرَ من الكفَّار بإهلاكِهم ، ويعذِّبُهم بما شاءُ ، { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } ؛ ولكن يأمُركم بالحرب ليَبلُوَ بعضَكم بعضاً ، قال ابنُ عبَّاس : ( يُرِيدُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ صَارَ إلَى الثَّوَابِ ، وَمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ صَارَ إلَى الْعَذاب ) ، يعني : ولكن ليتَعَبَّدَكم بالقتالِ تَعوِيضاً للثواب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } ؛ قرأ العامَّةُ ( وَالَّذِينَ قَاتَلَوا فِي سَبيلِ اللهِ ) وقرأ أبو عمرٍو ( قُتِلُوا ) بضمِّ القاف وكسرِ التاء مخفَّفاً ، وقرأ الحسنُ بضمِّ القاف وكسرِ التاء مشدَّداً وقرأ عاصم والجَحْدَريِّ : ( قَتَلُوا ) بفتحِ القاف والتاء ، والوجهُ قراءة العامَّة لأنَّها تشملُ مَن قاتلَ قُتِلَ أو لَمْ يُقْتَلْ ، وقراءة أبي عمرو تخصُّ المقتُولِينَ ، ولأنَّه تعالى قال { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } قال ابنُ عباس : ( سَيَهْدِيهِمْ إلَى أرْشَدِ الأُمُور ، وَيَعْصِمُهُمْ أيَّامَ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا ) ، وهذا لا يُحسَنُ في وصفِ المقتُولِين . ومعنى الآيةِ : والذين قُتِلُوا في سبيلِ الله يومَ بدرٍ فلَنْ يُبطِلَ اللهُ ثوابَ أعمالِهم كما أبطلَ ثوابَ أعمال الكفَّار ؛ و { سَيَهْدِيهِمْ } إلى ثوابهِ وجنَّتهِ ، { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } ؛ في النَّعيمِ .