Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-1)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ؛ " وذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلَى مَكَّةَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، وَتَجَهَّزَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ أصْحَابهِ وَمَعَهُمُ الْهَدْي يَسُوقُونَهَا مَعَ أنْفُسِهِمْ ، فَبَلَغَ ذلِكَ قُرَيْشاً فَاسْتَعَدُّواْ لِيَصُدُّوهُ وَأصْحَابَهُ ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْحُدَيْبيَةِ ، فَزِعَ الْمُشْرِكُونَ بنُزُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، فَبَعَثُوا إلَيْهِ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيّ لِيَأْتِيَهُمْ بالْخَبَرِ ، فَلَمَّا أتَاهُمْ عُرْوَةُ أبْصَرَ قَوْماً عُمَّاراً لَمْ يَأْتُواْ لِلْقِتَالِ ، فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَأخْبَرَهُمْ بذلِكَ وَهُوَ كَارهٌ لِصَدِّهِمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَعْبَةِ ، فَشَتَمُوهُ وَاتَّهَمُوهُ . ثُمَّ بَعَثُوا رَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " ابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وُجُوهِهِمَا وَلَبُّوا " فَلَمَّا رَجَعَ الرَّجُلاَنِ إلَيْهِمْ قَالاَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ عُرْوَةُ . فَبَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم حِينَ أبْصَرَهُ : " هَذا رَجُلٌ فَاجِرٌ ، وَمَا أرَى إلاَّ قَدْ سَهُلَ أمْرُكُمْ " . فَلَمَّا أتَاهُمْ سُهَيْلُ تَذاكَرُواْ الْمُهَادَنَةَ وَالْمُوَادَعَةَ . فَلَمَّا كَانَ فِي وَسَطِ النَّهار ، أمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالْبَيْعَةِ ، فَنَادَى مُنَادِيهِ فِي الْعَزْمِ : " الآنَ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ عليه السلام نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَمَرَهُ بالْبَيْعَةِ " فَأَتَوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ جَلَسَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وكَادَتْ تِلْكَ الْبَيْعَةُ فِي صُدُور الْمُشْرِكِينَ . فَلَمَّا أمْسَوا وَهُمْ عَلَى ذلِكَ ، رَمَى رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ باللَّيلِ فِي أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ بالْحِجَارَةِ فَرَمَواْ أعْدَاءَ اللهِ حَتَّى أدْخَلُوهُمُ الْبُيُوتَ وَهَزَمُوهُمْ بإذْنِ اللهِ . وَأقْبَلَ أشْرَافُهُمْ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ هَذا لَمْ يَكُنْ عَنْ رضًى مِنَّا وَلاَ مُمَالأَةً ، وَإنَّمَا فَعَلَهُ سُفَهَاؤُنَا ، وَعَرَضُوا الصُّلْحَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَبلَهُ ، وَلَمْ يُعْطِهِمُ الْمُشْرِكُونَ الصُّلْحَ حَتَّى قَهَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي غَيْرِ قِتَالٍ بالرَّمْيِ بالْحِجَارَةِ . فَاصْطَلَحَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أنْ يَتَوَادَعُوا سِنِينَ ، عَلَى أنْ يَرْجِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابُهُ تِلْكَ السَّنَةَ ، فَمَنْ لَحِقَ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَقْبَلْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ ، وَمَنْ لَحِقَ بالْمُشْرِكِينَ مِنْ أصْحَاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مِنْهُمْ . عَلَى أنَّ الْمُسْلِمِينَ إذا شَاؤُا اعْتَمَرُوا الْعَامَ الْقَابلَ فِي هَذا الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِيْهِ ، عَلَى أنْ لاَ يَحْمِلُواْ بأَرْضِهِمْ سِلاَحاً . فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذلِكَ ، وَكَتَبُواْ كِتَابَ الْقَضِيَّةَ بَيْنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَهُمْ ، فَوَجَدَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذلِكَ الشَّرْطِ وَجْداً شديداً ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ مَنْ لَحِقَ بنَا مِنْهُمْ لَمْ نَقْبَلْهُ ، وَمَنْ لَحِقَ بهِمْ مِنَّا فَهُوَ مِنْهُمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " أمَّا مَنْ لَحِقَ بهِمْ مِنَّا فَأَبْعَدَهُمُ اللهُ ، وَأمَّا مَنْ أرَادَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللهُ لَهُ مَخْرَجاً ، وَإنْ يَعْلَمِ اللهُ مِنْهُ الصِّدْقَ يُنَجِّيهِ مِنْهُمْ " . فَلَمَّا فَرَغُواْ مِنْ كِتَاب الْقَضِيَّةِ ، أقْبَلَ جَنْدَلُ بْنُ سُهَيْلٍ وَهُوَ يَرْشِفُ فِي قُيُودِهِ ، وَكَانَ أبُوهُ قَدْ أوْثَقَهُ حِينَ خَشِيَ أنْ يَذْهَبَ إلَى رَسُولِ اللهِ ، فَجَاءَ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَ ظَهْرَانِ المُسْلِمِينَ ؛ وَقَالَ : إنِّي مِنْكُمْ وَإنِّي أعُوذُ باللهِ أنْ تُرْجِعُونِي إلَى الْكُفَّار . فَأَرَادَ رجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أنْ يَمْنَعُوهُ ، وَنَاشَدَهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " خَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ؛ فَسَيُنَجِّيهِ اللهُ مِنْهُمْ " . فَانْطَلَقَ بهِ أبُوهُ ، وَكَانَ مَاءُ الْحُدَيْبيَةِ قَدْ قَلَّ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأُتِيَ بدَلْوٍ مِنَ الْمَاءِ ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَمَضْمَضَ ثُمَّ مَجَّهُ فِي الدَّلْوِ ، ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهُ فِي الْبئْرِ ، فَامْتَلأَتِ الْبئْرُ مَاءً حَتَّى جَعَلُواْ يَغْرِفُونَ مِنْهُ وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَفَةِ الْبئْرِ ، وََكَانَ هَذا شَأْنُ الْحُدَيْبيَةِ . ولَبثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهراً وَصَيْفاً فوعَدَهم اللهُ خَيراً أنْ يفتحَها لَهم ، فلَمَّا رجعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ نزلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، والفتحُ الْمُبينُ : ما كان من استعلاءِ المسلمين عليهم حتى غلَبُوهم بالحجارةِ وأدخَلُوهم بيوتَهم ، وتيسير الصلحِ أيضاً من الفتحِ المبين وظهور النبيِّ صلى الله عليه وسلم على خَيبرَ من الفتحِ . قال : ( وَأنْجَى اللهُ أبَا جَنْدَلَ بْنَ سُهَيْلٍ مِنْ أيْدِيهِمْ ، وَخَرَجَ مِنْهُمْ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلاً كَرِهُواْ أنْ يَقْعُدُواْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ، وَعَلِمُواْ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَقْبَلُهُمْ حَتَّى تَنْقَضِي الْمُدَّةُ ، فَجَعَلُواْ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَأَرْسَلَ الْمُشْرِكُونَ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُنَاشِدُونَهُ أنْ يَقْبضَهُمْ إلَيْهِ ، وَقالُواْ : أنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّنِ اخْتَارَكَ عَلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ ؛ فَإنَّهُمْ إنْ يَكُونُوا مَعَكَ كَانَ أهْوَنَ عَلَيْنَا ، فَلَحِقُوا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ) " . وعن قتادة قال : ( بُشِّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بفْتَحِ مَكَّةَ ) . ومعنى قولهِ تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } يعني صُلحَ الحديبيةِ ، وكان صُلحاً بغيرِ قتالٍ ، قال الفرَّاء : ( وَالْفَتْحُ قَدْ يَكُونُ صُلْحاً ) . ومعنى الفَتْحِ في اللُّغة : فتحُ الْمُغْلَقِ ، والصُّلح الذي حصلَ مع المشركين بالحديبيةِ كان مَسْدُوداً متَعَذِّراً حتى فتحَ اللهُ . قال جابرُ : ( مََا كُنَّا نَعُدُّ فَتْحَ مَكَّةَ إلاَّ يَوْمَ الْحُدَيْبيَةِ ) . وقال الزهريُّ : ( لَمْ يَكُنْ فَتْحٌ أعْظَمُ مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبيَةِ ، وَذلِكَ أنَّ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَطُواْ بالْمُسْلِمِينَ وَسَمِعُواْ كَلاَمَهُمْ فَتَمَكَّنَ الإسْلاَمُ فِي قُلُوبهِمْ ) . ويجوزُ أن يكون معنى الفتحِ : الإكرامُ بالنبوَّة والإسلامِ والأمرُ بدعوةِ الخلقِ إليهما . وَقِيْلَ : معنى { فَتَحْنَا لَكَ } أي قضَينا لكَ بالنصرِ ، ومنه المفتاحُ وهو القاضِي ، ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 89 ] أي اقْضِ بَيننا . وذهب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المرادَ بالآيةِ فتحُ مكَّة بالغَلبَةِ والقهرِ ؛ لأنَّ الصُّلح لا يسمَّى فتحاً على الإطلاقِ ، قال الشعبيُّ : ( بُويعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ ، فَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَى خَيْبَرَ فِي مُنْصَرَفِهِ ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارسَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ ) ، والفتحُ في اللغة : هو الفَرَجُ المزيلُ لِلْهَمِّ .