Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 29-29)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } ؛ هذا مبتدأ وخبرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } ؛ أي والَّذين معَهُ من المؤمنينِ أشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار ، غِلاَظٌ عليهم ، والأشِدَّاءُ جمعُ الشَّديدِ ، وهو قويُّ في دينِ الله تعالى ، القويُّ على أعداءِ الله ، كانوا لا يَمِيلُونَ إلى الكفَّار لقَرابَةٍ ولا غيرِها ، بل أظهَرُوا لهم العداوةَ في الدينِ ، وكانوا على الكفَّار كالأَسَدِ على فرسهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } ؛ أي مُتَوادِدُون فيما بينَهم ، مُتعَاطِفُون حتى أنَّهم كانوا بعضَهم لبعضٍ كالوالدِ لولدهِ ، والعبدِ لسيِّدهِ ، وقولهُ تعالى : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } ؛ أي رَاكعين وساجِدين يُكثرون الصلاةَ للهِ ، { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } ؛ يعني الجنَّةَ ، ورضَى اللهِ تعالى . قولهُ : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } ؛ أي علامةُ التهَجُّد ظاهرةٌ على وجوهِهم من كَثرَةِ السُّجود بالليلِ ، والمعنى يتبيَّن في وُجوهِهم أثرُ السَّهَرِ ، قال الضحَّاك : ( إذا سَهِرَ أصْبَحَ مُصْفَرّاً ) وقال عطيَّةُ : ( مَوَاضِعُ السُّجُودِ أشَدُّ بَيَاضاً فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . وقال مجاهدُ : ( يَعْنِي الأَثَرُ : الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ ) . وقال عكرمةُ : ( هُوَ التُّرَابُ عَلَى الْجِبَاهِ لأَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ عَلَى التُّرَاب لاَ عَلَى الثِّبَاب ) . وقال الحسنُ في وصفِهم : ( إذا رَأيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ مَرْضَى ، وَمَا بالْقَوْمِ مَرَضٌ ، وَيَقُولُ : لَعَلَّهُمْ خُولِطُواْ فِي عُقُولِهِمْ ، وَاللهِ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أمْرٌ عَظِيمٌ ) . يريدُ بذلك ما في قلوبهم من خوفِ الآخرةِ . وقال بعضُهم : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } هو نورٌ يجعلهُ الله في وجوهِهم يومَ القيامةِ ، يُعرَفون بتلك العلامةِ أنَّهم سجَدُوا في الدُّنيا كما قالَ اللهُ { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " تُحْشَرُ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَار الْوُضُوءِ " . وقال منصورُ : ( سَأَلْتُ مُجَاهِدَ عَنْ قَوْلِهِ : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } قَالَ : لَيْسَ هُوَ الأَثَرُ الَّذِي يَكُونُ فِي جَبْهَةِ الرَّجُلِ مِثْلَ رُكْبَةِ الْبَعِيرِ ، فَقَدْ يَكُونُ ذلِكَ برَجُلٍ هُوَ أقْسَى قَلْباً مِنَ الْحِجَارَةِ ، وَلَكِنْ هُوَ نُورٌ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ الْخُشُوعِ ) . وقال ابن جُريج : ( هُوَ الْوَقَارُ ) ، وقال سَمُرة : ( هُوَ الْبَهَاءُ ) ، وقال سفيانُ : ( يُصَلُّونَ باللَّيْلِ ، فَإذا أصْبَحُوا عُرِفَ ذلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ ؛ بيانهُ قولهُ عليه السلام : " مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ باللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بالنَّهَار " ورُوي في بعضِ الأخبار : " أنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِِيَامَةِ : يَا نَارُ أنْضِجِي ، يَا نَارُ أحْرِقِي وَمَوْضِعَ السُّجُودِ لاَ تقرَبي " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ } ؛ أي ذلك الَّذي ذكرَهُ في القرآنِ مَن وصفَهم هو ما وُصِفوا به في التَّوراةِ ، { وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ } ؛ أيضاً ، ثم ذكَرَ اللهُ وَصْفَهم في الإنجيلِ : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } ؛ أي سبيلَهُ ، وقال ابنُ زيدٍ : ( أوْلاَدَهُ ) . والشَّطْأُ : فِرَاخُ الزَّرعِ ، يقالُ : الشَّطْأُ الزَّرْعُ أنْ يُخْرِجَ سَبْعاً أو ثَمَانياً أو عَشْراً ، وهذا مثَلٌ ضربَهُ اللهُ لأصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، يعني أنَّهم يكُونون قَليلاً ثم يَزدَادون ويَكثَرون ويَقْوَوْنَ ، قال قتادةُ : ( مَكْتُوبٌ فِي الإنْجِيلِ : أنَّهُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَنْبُتُونَ نَبَاتَ الزَّرْعِ ، يَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) . قرأ العامَّةُ ( شِطْأَهُ ) بإسكانِ الطَّاء ، وقرأ بعضُ أهلِ مكَّة والشامِ بفَتحِها ، وقرأ يحيى بن وثَّاب ( شَطْأَهُ ) مثل عصَاهُ ، وقرأ الجحدري : ( شِطْهُ ) بلا همزةٍ ، وكلُّها لغاتٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَآزَرَهُ } ؛ أي أعانَهُ الشَّطْأُ وقوَّاهُ وشَدَّهُ ، مأخوذٌ من المؤازرةِ وهي المعاوَنَةُ ، والأَزْرُ : الظاهرُ ، والوزيرُ الْمُعِينُ ، وأعانَهُ الزرعُ ، الشطُّ أنْ يَخرُجَ من الشَّطْأ ثمانٌ وتسع وعشرٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱسْتَغْلَظَ } ؛ أي غَلُظَ ذلك الزَّرعُ وتقَوَّى ، { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } ؛ أي قامَ على قَصَبهِ وسَاوَى الصِّغَارُ والكبارَ حتى استوَى بعضهُ مع بعضٍ ، وصارَ الفرعُ مثلَ الأُمِّ . والسُّوقُ : جمعُ سَاقٍ ، وهو قصبَةُ الزَّرعِ ، وساقُ الشَّجرةِ حاملةُ الشَّجرةِ ، ويجوزُ أن يكون المرادُ بالسَّاق : الكَعْبُ ، وكلَّما ازدادَ الزَّرعُ كَعْباً ازدادَ قوَّةً ، قَوْلُهُ تََعَالَى : { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } ؛ أي يصيرُ بحالٍ يُعجِبُ الْحُرَّاثَ . وهذا مثَلٌ ضربَهُ اللهُ تعالى لِمُحَمَّدٍ وأصحابهِ ، فالزَّرْعُ مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم ، والشَّطْأُ أصحابهُ والمؤمنون حولَهُ ، وكانُوا في ضَعْفٍ وقلَّةٍ كما كان أوَّلُ الزرعِ دَقيقاً ثم غَلِظَ وقَوِيَ وتلاحَقَ ، وكذلك المؤمنون قَوَّى بعضُهم بعضاً حتى استَغلَظُوا واستوَواْ على أمرِهم ، { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } ؛ أي إنَّما كثَّرَهم وقوَّاهُم ليكونوا غَيظاً للكافرين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } ؛ قال الزجَّاجُ : ( مِنْهُمْ ) لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ يُرِيدُ بَعْضَهُمْ ، لأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُؤمِنُونَ ، وَالأَجْرُ الْعَظِيمُ هُوَ الْجَنَّةُ ) .