Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 38-38)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أبَيْرِقَ سَارقِ الدِّرْعِ ) وقد مضت قصَّتهُ في سورةِ النساء ، ثم صارت عامَّة في جميعِ الناس . ومعنى الآية : والسارقُ من الرجالِ والسارقةُ من النِّساء فاقطَعُوا أيدِيَهُما أي إيمانِهِمَا كذا تأوَّلَهُ ابنُ عباس . وفي قراءةِ ابن مسعود : ( فَاقْطَعُواْ أيْمَانَهُمَا ) . وقرأ عيسى بن عمر : ( وَالسَّارقَ وَالسَّارقَةَ ) بالنصب على إضمار اقطَعُوا السارقَ والسارقةَ ، كما تقولُ : زَيداً اضرِبهُ ، والقراءة المختارةُ : الرفعُ ؛ لأن القطعَ على الأيدِي لا على السارقِ . وقال المبرِّدُ : ( لَيْسَ الْقَصْدُ مِنَ الْكَلاَمِ إلَى وَاحِدٍ بعَيْنِهِ ، وَإنَّمَا مَعْنَاهُ : مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ، بِخِلاَفِ قَوْلِكَ : زَيْداً اضْرِبْهُ . وَلَوْ أرَادَ سَارقاً بعَيْنِهِ لَكَانَ وَجْهُ الْكَلاَمِ النَّصْبَ ) . وعلى هذا قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا } [ النور : 2 ] ولو أرادَ زانياً بعينهِ لنصبَ . وإنما ذكرَ أيديَهُما بلفظِ الجمع ؛ لأنه أرادَ أيْمانَهُما ؛ لأنَّ ما كان واحداً فَبَيَّنَهُ بلفظِ الجمع والإضافةِ إلى الاثنين ، ومثلُ ذلكَ { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] ، والإضافةُ إلى الاثنينِ يدلُّ على أن المرادَ به التثنيةُ دونَ الجمعِ . فإن قِيْلَ : لأيِّ معنى قدَّمَ اللهُ ذكرَ السارقِ على السَّارقة ، وقدَّمَ ذكرَ الزانيةِ على الزانِي ؟ قِيْلَ : لأنَّ السرقةَ في الرجالِ أكثرُ ، والنساءُ هي أصلُ الفتنةِ للرجال بالتعريضِ لهم ، ولو لَزِمَتِ المرأةُ بيتَها كما أمرَ اللهُ تعالى لم تقَعْ هي ، ولا الرجالُ في الزِّنا . واختلفوا في كم تقطَعُ يدُ السارقِ من المال إذا سرقَهُ ، فقال بعضُهم : في عشرةِ دراهمَ فصاعداً ، ولا يقطعُ فيما دون ذلك ، وإليه ذهبَ أبو حنيفةَ وأصحابهُ ، وكان سُليمان بن يسار لا يقطعُ الخمسَ إلاَّ في خمسةِ دراهمَ . وقال مالكُ : ( يُقْطَعُ فِي ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِداً ) ، وقال الأوزاعيُّ والشافعي : ( يُقْطَعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً ) . وقال بعضُهم : يقطع في القليلِ والكثير ولو كان دَانِقاً ، وهو قولُ ابنِ عبَّاس . وقال بعضُهم : في درهمٍ . ولو قطعَ السارقُ ثم عادَ فسرقَ ، قُطعت رجلهُ اليُسرَى ، فإن سرقَ ثالثاً قال أبو حنيفةَ وأصحابهُ : ( لاَ يُقْطَعُ ، لِمَا رُويَ أنَّ عَلِيّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أتِيَ بسَارقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى ، ثُمَّ أتِيَ بهِ مَرَّةً أخْرَى فَقَطَعَ رجْلَهُ الْيُسْرَى ، ثُمَّ أتِيَ بهِ ثَالِثَةً فَضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ وَقَالَ : إنِّي أسْتَحِي مِنَ اللهِ أنْ لاَ أدَعَ لَهُ يَداً يَسْتَنْجِي بهَا وَلاَ رجْلاً يَمْشِي بَها ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا } ؛ أي عقوبةً على ما فعَلاَ ، وانتصبَ { جَزَآءً } لأنه مفعولٌ له ، كأنه قالَ : فاقطَعُوهما لجزاءِ فعلهِما . قَوْلُهُ تَعَالَى : { نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ } ؛ أي عقوبةً وفضيحة من اللهِ . والنَّكَالُ : هو أن يُنَكَّلَ بهِ ليعتبرَ به غيرهُ فَيَنْكَلَ ؛ أي لا يفعلَ مثلَ فعلهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ؛ أي منيعٌ بالنِّقمة من السارقِ ، ذو حِكمة فيما حكمَ من القطعِ لما في ذلك من زَجْرِِ السَّارق عن غيِّهم صيانةً لأموالِ الناس . وظاهرُ الآية يقتضِي وجوبَ القطعِ على السَّارق في القليلِ والكثير ، وهو قولُ الخوارجِ ، إلاَّ أنه قد وردَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " لاَ قَطْعَ فِي أقَلِّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ " وبه أخذ أصحابُنا ، ورُوي عن عليٍّ وابنِ مسعود مثلُ قَوْلِنا . وعن عمر رضي الله عنه أنه قالَ : ( لاَ تُقْطَعُ الْخَمْسُ إلاَّ فِي خَمْسٍ ) أي الخمسُ أصابعَ لا تُقطع إلاَّ في خمسةِ دراهمَ . وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ؛ أنَّها قالت : ( لاَ قَطْعَ إلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ ) وهو قولُ الشافعيِّ . وقال عبدُالله بن عمرَ : ( ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ ) .