Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 45-45)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجّلَّ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الْجِرَاحَاتِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ ، كَانَ لِبَنِي النَّضِيرِ مَقْتَلٌ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَالَدِّيَةُ وَالدَّمُ ضِعْفُ مَا كَانَ لِبَني قُرَيْظَةَ ) فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ . ومعناها : وأوحَينا على بني إسرائيلَ في التَّوراة : { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } يعني أن نفسَ القاتلِ بنفسِ المقتول وَفاءً ، { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } بفَقْئِهِمَا ، { وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ } يُجدع بهِ ، { وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ } يُقطَعُ به { وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } يُقلَعُ بهِ ، وخفَّفَ نافعُ الأُذُنَ في جميعِ القرآن ، وثقَّلَهُ غيرهُ . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } ؛ أي يجزئُ فيها القصاصُ ، والقِصَاصُ : عبارةٌ عن الْمُسَاوَاةِ ، وهذا مخصوصٌ فيما يُمكن القِصَاصُ فيه ، فأمَّا ما كان من رضَّةٍ أو هَشْمَةٍ لعظمٍ ، وهذه ركنٌ لا يحيطُ العلمُ به ، ففيه أرْشٌ أو حكومةٌ . قرأ الكسائيُّ : ( وَالْعَيْنُ ) رَفعاً إلى آخرهِ ، وكذلك قولهُ ( وَالْجُرُوحُ ) رفعَهُ ابنُ كثير وأبو عمرٍو وابنُ عامرٍ ، ونصَبُوا سائرَ الحروفِ قبلَهُ ، قالوا : لأَنَّ لَهَا نَظَائِرَ فِي الْقُرْآنِ ؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } [ التوبة : 3 ] و { إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] و { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ } [ الجاثية : 32 ] . وقرأ نافعُ وعاصم وحمزة وخلفُ كلها بالنصب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } ؛ أي مَن عفَا عن مَظْلَمَةٍ في الدُّنيا ، فهو كفَّارةٌ للجراحِ لا يؤاخَذُ به في الآخرة ، كما أنَّ القصاصَ كفَّارةٌ له ، وأما أجرُ العَافِي فعلى اللهِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 40 ] وهذا قولُ إبراهيم ومجاهد وزيد بن أسلم ، وروايةٌ عن ابنِ عباس . وَقِيْلَ : معناهُ : فهو كفَّارة للمجروحِ وولِيِّ القتيلِ ، وهو قولُ ابنِ عمرَ والحسن والشعبي وقتادة وجابر بن زيد . ودليلُ هذا قولهُ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ جَسَدِهِ بشَيْءٍ كَفَّرَ اللهُ بقَدْرهِ مِنْ ذُنُوبهِ " فمَن عفا كان عفوهُ كفارةً لذُنوبِه يعفو عنه الله ما أسلفَ من ذُنوبه ، وأما الكافرُ إذا عفَا لا يكون عفوهُ كفارةً له مع إقامتهِ على الكفر . وقال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أُصِيبَ بشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَتَرَكَهُ للهِ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ " ورُوي : أنَّ رجلاً طَعَنَ رَجُلاً على عهدِ معاويةَ رضي الله عنه ؛ فأعطَوهُ دِيَتَيْنِ على أن يرضَى ، فلم يَرْضَ ، فحدَّث رجُلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " مَنْ تَصَدَّقَ بدَمٍ فَمَا دُونَهُ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إلَى يَوْمِ تَصَدَّقَ بهِ " فَتَصَدَّقَ بهِ . وقال صلى الله عليه وسلم : " " ثَلاَثٌ مَنْ جَاءَ بهِنُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الإيْمَانِ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أيِّ أبْوَابهَا شَاءَ ، وَتَزَوَّجَ مِنَ الْحُور الْعِينِ حَيْثُ شَاءَ : مَنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ ، وَمَنْ قَرَأ دُبُرَ كُلَّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } عَشْرَ مَرَّاتٍ ، وَمَنْ أدَّى دَيْناً خَفِيّاً " قَالَ أبُو بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه : أوْ إحْدَاهُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : " أوْ إحْدَاهُنَّ " " . فأما القصاصُ في العينِ ، فلا يجبُ إلاَّ إذا ضربَهَا رجلٌ فأذهبَ ضوءَها وهي قائمةٌ ، فإنه يسدُّ العينَ الأُخرى وحولَ إلى العينِ التي يجبُ فيها القصاصُ من الضَّارب بثوبٍ أو قُطنٍ مُبْتَلٍّ ، ويُحمَى مَرَهٌ ويقرَّبُ إلى العينِ حتى يذهبَ ضوءُها . وأما إذا قلعَها فلا قصاصَ فيه ؛ لتعذُّر استيفائها على المماثَلة ؛ لأنَّا لا نعلمُ للقلعِ حَدّاً معلوماً ينتهي إليه ، وهذا كمَن قطعَ لحماً من فخذِ رجُل أو ذراعَهُ ، فإنه لا يجبُ القصاص . وأما الأنفُ ؛ فمعناهُ : إذا قطعَ الْمَارنَ ؛ وهو مَا لاَنَ منه وجبَ فيه القصاصُ ؛ أما إنْ قطعَهُ من أصلهِ فلا قصاصَ فيه ؛ لأنه عَظْمٌ لا يمكن استيفاؤهُ على المساواةِ ، كمن قطعَ يد رجُلٍ من نصفِ الساعد . وعن أبي يوسف : ( إنَّ الأَنْفَ إذا اسْتَوْعَبَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ ، وَكَذلِكَ الذكَرُ وَاللِّسَانُ ) . وأما الأُذن ؛ فمعناه : إذا استُوفِيت بالقطعِ ، وأما إذا قُطِعَ بعضُها فلا قصاصَ فيها . وأما السنُّ ؛ فمعناهُ : القلعُ وكسرُ البعضِِ ، لأن القلعَ يمكن استيفاؤهُ على المساواةِ ، ولا يجوز استيفاءُ اليُمنَى باليُسرَى ، ولا اليسرى باليُمنى ، وإن تراضَيا على ذلك لأنه لا مساواةَ بينهما . وأمَّا المساواةُ في النفسِ فلا يشترطُ ، ألا ترَى أن الرجُلَ يُقْتَلُ بالمرأةِ ، فعُلِمَ أن التساوي من الرجُلِ والمرأةِ في الأنفُسِ غيرُ معتبرٍ في القصاص ، وفي الأطرافِ معتبرٌ ، ولهذا لا يُجزِئُ عندَنا بين الرجُلِ والمرأةِ في الأطراف قصاصٌ ، ولا بين الحرِّ والعبدِ لعدم التساوي بين الطرفَين في البدلِ ، وكذلك بين العبدِ والعبد لا يمكن معرفةُ التساوي بين أطرافهما في البدلِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } يعني التي لها حدٌّ معلومٌ مثلَ الْمُوَضِحَةِ ونحوها ، وأما ما ليس له حدٌّ معلوم لا يمكن مراعاةُ التساوي فيه ، ففيه الأرْشُ دونَ القصاصِ .