Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 54-54)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } ؛ قرأ أهلُ المدينةِ والشام ( يَرْتَدِدْ ) بدالين ، وفي الآيةِ تهديدٌ لِمَن لا ثباتَ له على الإيمانِ . قال ابنُ عبَّاس : ( هُمْ أسَدُ وَغَطَفَانَ وَأَنَاسٌ مِنْ كِنْدَةَ ، ارْتَدُّواْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عَهْدِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه ) . وَكَانَ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ فِرْقَةٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو حَنِيْفَةَ بالْيَمَامَةِ ، وَرَئِيسُهُمْ مُسَيْلَمَةُ الْكَذابُ وَكَانَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ ، وَزَعَمَ أنَّهُ أشْرِكَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي النُّبُوَّةِ ، وَكَتَبَ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : " مِنْ مُسَيْلَمَةَ رَسُولِ اللهِ إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ؛ أمَّا بَعْدُ : فَإنَّ الأَرْضَ نَصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لَكَ ! وَبَعَثَ بذَلِكَ رَجُلَيْنِ مِنْ أصْحَابهِ نَهْشَلاً وَالْحَكَمَ بْنَ الطُّفَيْلِ ، وَكَانَا مِنْ سَادَاتِ الْيَمَامَةِ ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " أتَشْهَدَانِ أنَّ مُسَيْلَمَةَ رَسُولُ اللهِ ؟ " قَالاَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : " لَوْلاَ أنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أعْنَاقَكُمَا " ، ثُمَّ أجَابَ : " مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلَى مُسَيْلَمَةَ الْكَذاب ؛ أمَّا بَعْدُ : فَإنَّ الأَرْضَ للهِ يُورثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " " . ومَرِضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وتوفِّيَ ، وجعلَ مسيلمةُ يغلو أمرهُ باليمامةِ يوماً بعدَ يومٍ ، فبعثَ أبو بكرٍ رضي الله عنه خالدَ بن الوليدِ في جيشٍ عظيم حتى أهلكَهُ الله على يدي وحشيٍّ قاتِلِ حمزةَ بن عبدِ المطلب بعد حربٍ شديدة ، فكان وحشيُّ يقول : ( قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ فِي الإسْلاَمِ ) . ومن المرتدِّين أيضاً طلحةُ بن خُوَيلِد رئيسُ بني أسدٍ ، وكان قد ادَّعى النبوةَ أيضاً في حياةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاتلَهُ أبو بكرٍ رضي الله عنه بعد وفاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعثَ إليه خالدَ ابن الوليدِ ، فقاتلَهُ قتالاً شديداً ، وهربَ طلحةُ على وجههِ نحوَ الشامِ ، فلجأَ إلى بني حنيفةَ فأجاروهُ ، ثم أسلَمَ بعد ذلك وحسُنَ إسلامهُ . وارتدَّ أيضاً بعد وفاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرٌ من العرب منهم : فَزَارَةُ ورئيسهم عُيينة بن حصين ، وبنو سُليم وبنو يربوعَ ، وطائفةٌ من بني تَميم ، ورأسُوا عليهم امرأةً يقال لها سَجَاحُ بنت المنذر ، وادَّعتِ النبوةَ ثم زوَّجت نفسَها من مسيلمةَ الكذاب . وارتدَّت كندةُ ورئيسهم الأشعثُ بن قيسٍ ، وارتدَّت بنو بكرِ بن وائل بأرضِ البحرين ، وكَفى اللهُ المسلمين أمرَ هؤلاء المرتدِّين ، ونصرَ دينَهُ على يدِ أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه ، وأخبارُ أهلِ الردَّة طويلةٌ مشهورة فلا نطوِّلُ بذكرِها الكتابَ . قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ؛ قال عليُّ والحسن وقتادة : ( هُمْ أبُو بَكْرٍ وَأصْحَابُهُ ) ، وقال مجاهدُ : ( هُمْ أهْلُ الْيَمَنِ ) . وقال عياضُ بن غُنَيم : " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أوْمَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَقَالَ : " هُمْ قَوْمُ هَذا " . وَقال صلى الله عليه وسلم : " أتَاكُمْ أهْلُ الْيَمَنِ ، هُمْ ألْيَنُ قُلُوباً وَأَرَقُّ أفْئِدَةً ؛ الإيْمَانُ يَمَانٌ ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ " " . وقال الكلبيُّ : ( هُمْ أحْيَاءٌ مِنَ الْيَمَنِ : ألْفَانِ مِنَ النَّجْعِ ، وَخَمْسَةُ آلاَفٍ مِنْ كَمْدَةَ وَبُحِيلَةَ ، وَثَلاَثَةُ آلاَفٍ مِنْ أحْيَاءِ النَّاسِ ، فَقَاتَلُواْ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَنِ الإسْلاَمِ وهم الذين أثنَى اللهُ عليهم بقولهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } ؛ يُلِينُونَ لهم جانبَهم ليس هذا من الهوانِ ، إنما هو من اللِّين والرِّفقِ ، كما في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [ الإسراء : 24 ] . قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } ؛ أي أشدَّاءَ أقوياءَ غُلَظَاءَ على الكافرِين ، يُغَازُونَ الكفارَ ويغالبونَهم ، ونظيرُ هذه الآية قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] قال عطاءُ : ( أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ : كَانُوا كَالْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ، وَكَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ، أعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ : كَالسَّبُعِ عَلَى فَرِيسَتِهِ ) . وقال السديُّ : ( مَعْنَى قَوْلِهِ : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يَعْنِي الأَنْصَارَ ) . " ورُوي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ، فَضَرَبَ بيَدِهِ عَلَى عَاتِقِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فَقَالَ : " هَذا وَذْوُوهُ " ، ثُمَّ قَالَ : " لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقاً بالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رجَالٌ مِنْ أبْنَاءِ فَارسَ " " . قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } ؛ أي يُقاتلون العدوَّ في طاعةِ الله ، ولا يخافون ملامةَ اللائمين ، { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } ؛ أي ذلك التمكينُ والتوفيق فضلٌ من اللهِ يُكرِمُ به من يشاءُ مَن كان أهلاً لذلك ، { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } ؛ الفضلِ والرحمة ، { عَلِيمٌ } ؛ مَن يصلُح للهدَى .