Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 91-93)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } ؛ وذلك أنَّ مَن شربَ الخمر وسَكِرَ زال عقلهُ وارتكبَ القبائحَ ، وربَّما عَرْبَدَ على جُلسائه ، فيؤدِّي ذلك إلى العداوةِ والبغضاء ، وكذلك القمارُ يؤدِّي إلى ذلك . قال قتادةُ : ( كَانَ الرَّجُلُ يُقَامِرُ غَيْرَهُ عَلَى مَالِهِ وَأهْلِهِ ، فَيَقْمِرُهُ وَيَبْقَى حَزِيناً سَلِباً ، فَيُكْسِبُهُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ لِذهَاب مَالِهِ عَنْهُ بغَيْرِ عِوَضٍ وَلاَ مِنَّةٍ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } ؛ أي يريدُ الشيطان أن يَصرِفَكم عن طاعةِ الله وعن الصَّلوات الخمسِ على ما هو معلومٌ في العادةِ من أحوال أهلِ الشَّراب والقِمار . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } ؛ معناهُ : انْتَهُوا عنهُما ، وهذا نَهيٌ بألطفِ الوجُوهِ ؛ ليكون أدعى إلى تنهاكما ، كما قال تعالى : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ هود : 14 ] معناه : أسلِمُوا . فلمَّا نزَلت هذه الآيةُ قالوا : ( انْتَهَيْنَا يَا رَبُّ ) . فأنزلَ الله تعالى هذه الآيةَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ } ؛ أي أطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ في تركِ جميعِ المعاصي عُموماً ، واحذرُوا شُربَ الخمرِ وتحليلها وسائرِ المعاصي ، { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } ؛ أي أعرَضتُم عن طاعةِ الله وطاعة الرسولِ ، { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } ؛ أي تبليغُ الرسالة عن اللهِ بأوامره ونواهيه بلُغَة تعرفونَها . وأما التوفيقُ والخذلان والثواب والعقابُ ، فإلى الله عَزَّوَجَلَّ . فلمَّا نزلَ تحريمُ الخمرِ والميسر قال الصحابةُ : ( يَا رَسُولَ اللهِ ! فَكَيْفَ بإخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ؟ ) حتى قال المهاجِرون : ( يَا رَسُولَ اللهِ ! قُتِلَ أصْحَابُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَمَاتُوا فِيْمَا بَيْنَ بَدْر وأحُدٍ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ؛ فَمَا حَالُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ؟ ) فأنزل اللهُ قَولَهُ تعالى : { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } ؛ أي فيما شَرِبوا من الخمرِ ، { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ } ؛ الشِّركَ ، { وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ } ؛ وصدقوا واجتنبوا الخمرَ والميسرَ بعد تحرِيمها ، { وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ } ؛ ما حرَّمَ الله كلَّهُ ، { وَّأَحْسَنُواْ } . وَقِيْلَ : معناه : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا - بالله ورسوله - وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) يعني الطاعاتِ ( جُنَاحٌ ) أي حرَجٌ ومَأْثَمٌ ( فيمَا طَعِمُوا ) من الحرامِ وشربوا من الخمرِ قبل تحريمها ، وقبل العلمِ بتحريمها إذا ما اجتَنبوا الكفرَ والشِّركَ وسائرَ المعاصي فيما مضى ، { وَآمَنُوا } أي وصدَّقوا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والقرآنِ { وَعَمِلُواْ } الطاعات { ثُمَّ اتَّقَواْ } شربَ الخمرِ بعد التحريم { وَآمَنُوا } أي أقَرُّوها بتحريمها { ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ } أي ثم دَاوَمُوا على ذلك وضَمُّوا إلى ذلك الإحسانَ في العملِ . وَقِيْلَ : أرادَ بالاتقاءِ الأول : اتقاءُ جميع المعاصِي فيما مضَى ، وأراد بالثانِي : اتقاءُ المعاصي في المستقبلِ ، وأراد بالثالثِ : اتقاءُ ظُلمِ العباد في المعاملاتِ . وَقِيْلَ : أرادَ بقوله : ( إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ ) إذا ما اجتَنبوا شُربَ الخمرِ بعد تحريمها وصدَّقوا بتحريمها ، { ثُمَّ اتَّقَواْ } سائرَ المعاصي ، وأقرُّوا بتحريم ما يحدُثُ تحريمهُ من بعد مجانبته ، ثم جَمعوا بين اتِّقاء المعاصي وإحسانِ العمل والإحسان إلى الناسِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } ؛ أي يرضَى عمل الذين يفعَلُون الأفعالَ الحسَنة ، ويجتنبون قبائحَها . ورُوي عن ابن عبدالرحمن السلَمي أنه قالَ : ( شَرِبَ نَفَرٌ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ الْخَمْرَ وَعَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ يَزِيدُ بْنُ أبي سُفْيَانَ ، وَقَالُوا : هِيَ لَنَا حَلاَلٌ ! وتَأَوَّلُواْ قَوْلَهُ تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } إلَى آخِرِ الآيَةِ . وَكَتَبَ يَزِيدٌ بذلِكَ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه ، فَكَتَبَ عُمَرُ : ابْعَثْهُمْ إلَيَّ مِنْ قَبْلِ أنْ يُفْسِدُوا مَنْ مَعَكَ ، فَبَعَثَهُمْ إلَيْهِ ، فَلَمَّا قَدِمُواْ ، جَمَعَ عُمَرُ رَضِيَ الله عنه جَمَاعَةً " مِنَ الصَّحَابَةِ " فَقَالَ لَهم : مَا تَرَوْنَ فِيهِمْ ؟ قَالُواْ : إنَّهُمُ افْتَرَواْ عَلَى اللهِ ، وَشَرَعُواْ فِي دِينِهِ مَا لَمْ يَأْذنْ ؛ فَاضْرِبْ أعْنَاقَهُمْ . وَكَانَ فِي الْقَوْمِ عَلِيٌّ كَرَمَّ اللهُ وَجْهَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَا تَرَى ؟ قَالَ : أرَى أنْ تَسْتَتِيبَهُمْ ، فَإنْ تَابُواْ فَاضْرِبُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ، وَإنْ لَمْ يَتُوبُواْ فَاضْرِبْ أعْنَاقَهُمْ . فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابُوا ، فَضَرَبَهُمْ ثَمَانِينَ وَأرْسَلَهُمْ ) . ورُوي : ( أنَّ قَوْماً شَهِدُوا عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَضْعُونٍ أنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ ، فَأَرَادَ عُمَرُ أنْ يَجْلِدَهُ ؛ فَقَالَ قُدَامَةُ : لَيْسَ لَكَ ذلِكَ ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } وَقَرَأ الآيَةَ . فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : إنَّكَ أخْطَأْتَ التَّأْويلَ يَا قُدَامَة ؛ لَوِ اتَّقَيْتَ اللهَ مَا شَرِبْتَ ) . وفي بعضِ الروايات : ( لَوْ اتَّقَيْتَ اللهَ لاَجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ عَلَيْكَ . ثُمَّ أمَرَ بإقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ) . وإنما لم يَحكُموا بكُفرِ قُدامة ولم يستتيبوهُ ؛ لأنه كان يتأوَّلُ الآيةَ على الحالِ الذي هو فيها ، ووجودُ الصِّفة التي ذكرَها اللهُ تعالى في هذه الآيةِ مكفَّرَةٌ لذُنوبه ، وأنه لا يستحقُّ العقوبةَ على شُربها مع اعتقادهِ بتحريمها ، وإنَّ إحسانَهُ كفَّرَ سيِّئاتهِ ، فرَدَّت الصحابةُ عليه هذا التأويلَ ، فأُقيمَ عليه الحدُّ .