Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 12-13)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } ؛ يريدُ جميعَ الحبوب مما في الأرضِ من الحنطة والشعيرِ وغيرهما ، وقولهُ تعالى { ذُو ٱلْعَصْفِ } أي ذُو الورَقِ الأخضرِ الذي يصيرُ تِبْناً وتُقْتَاتُ به البهائمُ ، ويسمَّى ورقُ الزرعِ عَصْفاً لِخِفَّتِهِ ، وعصُوفُ الريحِ به مع ثُبوتِ الحب في مكانهِ . وَقِيْلَ : سُمي عَصْفاً لأنَّ الريحَ تذهبُ به في وقتِ حَاجَتهِم إلى تَمْييزِهِمْ الحبَّ من التِّبنِ . وقوله تعالى : { وَٱلرَّيْحَانُ } يعني الورقَ في قولِ الأكثرين ، وقال الحسنُ : ( هُوَ رَيْحَانُكُمُ الَّذِي يُشَمُّ ) ، وقال مقاتلُ : ( الرَّيْحَانُ هُوَ الْوَرَقُ بلُغَةِ حِمْيَرَ ) ، كأنه قالَ : والحبُ ذو العَصْفِ والورَقِ ، وقال سعيدُ بن جبير : ( الرَّيْحَانُ : الزَّرْعُ وَيَكُونُ فِي سُنْبَلٍ ) . وأما الْحَبُّ المذكورُ في الآيةِ ، فهو ما يُلقَى في الأرضِ من البَذْر ، والرَّيحانُ هو ما يُخلَقُ من الحب في سُنبُلٍ رزْقاً للعبادِ ، وقد يُذكَرُ الرَّيحانُ بمعنى الورَقِ كما يقولُ العربُ : خرَجنا نطلبُ ريحانَ اللهِ ؛ أي رزقَهُ . والعَصْفُ : هو التِّبْنُ ، والرَّيحانُ هو ثَمَرَتُهُ . وعن ابنِ عبَّاس : ( الرَّيْحَانُ هُوَ خُضْرَةُ الزَّرْعِ ) . قرأ العامةُ : ( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ) كلٌّ بالرفعِ عطفاً على الفاكهةِ ، والمعنى فيها الحبُّ وفيها الرَّيحانُ ، ونصَبَها كلَّها ابنُ عامرٍ على معنى خلقَ الإنسانَ وخلقَ هذه الأشياءَ . وقرأ أهلُ الكوفة إلاَّ عاصِماً : ( وَالرَّيْحَانِ ) بالكسرِ عطفاً على ( الْعَصْفِ ) كأنه قال : والحبُّ ذو العصفِ وذو الرَّيحانِ ، وهو الرزقُ الذي يخلَقُ في السُّنبل ، فالريحانُ رزْقُ الناسِ ، والعصفُ رزق الدواب ، فذكرَ قوتَ الناسِ والأنعامِ . ثم خاطبَ الجنَّ والإنسَ فقال : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؛ وإنَّما قالَ الخطابُ للجنِّ والإنس ؛ لأن تلك الأيامَ فيما مضَى تشتملُ على الجنِّ والإنس ، والمعنى : فبأَيِّ نعمةٍ من نِعَمِ ربكُما تُكذِّبان من هذه الأشياءِ المذكورة ، فإنَّها كلَّها مما أنعمَ اللهُ بها عليكم ، من دلالتهِ إيَّاكم على توحيدهِ ، ومن رزقهِ إيَّاكم ما به قِوَامُكم . وإنما خاطبَ الجنَّ والإنسَ لأنَّهما مُشتَرِكان في الوعدِ والوعيدِ . وإنما كُرِّرَتْ هذه الآيةُ في هذه السُّورة تقديراً للنِّعمةِ وتأكيداً للتذكيرِ بها على عادةِ العرب في الإبلاغ والاتِّباع . وقال الحسينُ بن الفضلِ : ( التِّكْرَارُ لِطَرْدِ الْغَفْلَةِ وَتَأْكِيدِ الْحُجَّةِ ) . وَقِيْلَ : لَمَّا عدَّدَ اللهُ نعمةً بعد نعمةٍ ، كرَّرَ هذا القولَ ترغيباً في الشُّكر ، وتحذيراً من الكُفرِ والتكذيب بنِعَمِ اللهِ . وهذه على وجهِ الحقيقة ليس بتكرارٍ ؛ لأنه ذكَرَ كلَّ واحدٍ منها عُقيبَ نعمةٍ لم يتقدَّمْ ذِكرُها . وعن جابرِ بن عبدِالله قالَ : " قَرَأ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ الرَّحْمَنِ حَتَّى خَتَمَهَا ، ثُمَّ قَالَ : " مَا لِي أرَاكُمْ سُكُوتاً ؟ لَلْجِنُّ كَانُوا أحْسَنَ مِنْكُمْ رَدّاً ، مَا قَرَأتُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآيَةَ مِنْ مَرَّةٍ { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلاَّ قَالُوا : لاَ بشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ " " .