Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 10-10)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } معناهُ : أيُّ شيءٍ لكم في تركِ الإنفاقِ في نُصرَةِ الإسلامِ ومُواساةِ الفُقراءِ وأنتم ميِّتون تَاركون أموالَكم ، واللهُ سبحانه يرزُقكم ، ويرِثُ ما في السَّماوات والأرضِ ، يُمِيتُ مَن فيهما ويرِثُ مَن عليها . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } ؛ معناهُ : لا يستوِي منكم في الفَضلِ مَن أنفقَ مالَهُ وقاتلَ العدوَّ مِن قبلِ فتح مكَّة مع مَن أنفقَ من بعدُ وقاتلَ . قال الكلبيُّ : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ) قِيْلَ : هذا أنَّهُ كان أوَّلَ مَن أنفقَ المالَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سبيلِ الله ، وأوَّلَ مَن قاتلَ في الإسلامِ . وقال ابنُ مسعودٍ : ( أوَّلُ مَنْ أظْهَرَ إسْلاَمَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النِّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأَنَّهُ أنْفَقَ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ ) . قَالَ العلاءُ بن عمرٍو : " بَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَعِنْدَهُ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ ، قَدْ خَلَّهَا علَىَ صَدْرهِ بخِلاَلٍ إذْ نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ : مَا لِي أرَى أبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ ؟ فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ إنَّهُ أنْفَقَ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَيَّ ، قَالَ : فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ : أرَاضٍ أنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذا أمْ سَاخِطٌ ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " يَا أبَا بَكْرٍ ؛ هَذا جِبْرِيلُ يُقْرِؤُكَ السَّلاَمَ مِنَ اللهِ تَعَالَى ، وَيَقُولُ لَكَ رَبُّكَ : أرَاضٍ أنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذا أمْ سَاخِطٌ ؟ " فَبَكَى أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَالَ أعَلَى رَبي أغْضَبُ ؟ ! أنَا عَنْ رَبي رَاضٍ " . وفي هذه الآيةِ دلالةٌ واضحة وحُجَّةٌ بَيِّنَةٌ على فضلِ أبي بكر وتَقديمِه على سائرِ الصَّحابة ، كما رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال : ( لاَ أُؤتَي برَجُلٍ فَضَّلَنِي عَلَى أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ إلاَّ جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ } ؛ معناهُ : أولئكَ أعظمُ ثَواباً وأفضلُ درجةً عند اللهِ من الذين أنفَقُوا من بعدِ فتحِ مكَّة وقاتَلُوا بعدَهُ ، وإنما فضَّلَ اللهُ المنفقِين والمقاتلين من قبلِ الفتحِ ؛ لأن الإنفاقَ والقتالَ في ذلك الوقتِ كان أشدَّ على النفسِ ، وكانت الحاجةُ اليها أمَسُّ لقلَّة المسلمِين . ثم بيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ لِكِلاَ الفرِيقين الحسنَى وهو الجنةُ ، إلاّ أنَّهم مُتفاوتون في الدَّرجَات فقال : { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } ؛ أي وكِلاَ الفريقين وعدَ اللهُ الجنةَ ، وقرأ ابنُ عامرٍ ( وَكُلٌّ ) بالرفعِ على الاستئنافِ على لُغة مَن يقولُ : زيدٌ ضرَبتُ . وقولهُ تعالى : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ؛ أي عالِمٌ بما يعملهُ كلُّ واحدٍ منكم .