Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 7-7)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } ؛ اختلفَ أهلُ اللغة في الفَيْءِ ما هُوَ ؟ فقالَ بعضُهم : هو مما مَلَّكَهُ اللهُ المسلمين من أموالِ المشرِكين بغيرِ قتالٍ أو بقتالٍ ، فالغنيمةُ فَيْءٌ والخراجُ فَيْءٌ . قال بعضُهم : الْغَنِيمَةُ اسمٌ لِمَا أخذهُ المسلمون من الكفَّار عُنوةً وقهراً ، والفَيْءُ ما صالَحُوا عليهِ ، فبيَّن اللهُ تعالى في هذه الآيةِ حُكمَ الفيءِ ، فقالَ تعالى : { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي من غنائمِ قُرَى المدنيةِ في قريظةَ وبني النضير وفدَكٍ ، فإنَّ ذلك خاصَّة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم دون الغانِمين ، وكان أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك جَائزاً ، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصرِفُها بأمرِ الله تعالى إلى قرائب نفسه وفُقراءِ قَرَابَتهِ ويتامَى الناسِ عامَّة والمساكين عامَّة ، يعني المحتاجِين وأبناءِ السَّبيل والفُقَراء المهاجرِين . واختلفَ العلماءُ في حُكمِ هذه الآيةِ ، فقالَ بعضُهم : أرادَ بقولهِ { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } الغنائمَ التي يأخذُها المسلمون من أموالِ الكفَّار عُنوةً وغَلبةً ، وكانت في بدءِ الإسلام لعامة الغانِمين المسلمين دون الغانِمين الْمُوجِفين عليها ، ثم نَسَخَ اللهُ ذلك بقولهِ تعالى في سورة الأنفال { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] والآيةُ التي قبلَ هذه الآية في بيانِ حُكم أموالِ بني النضير خاصَّة ، وهذه الآيةُ في بيان حُكمِ جلب الأموال التي أُصيبت بغيرِ قتالٍ ولم يوجَفْ عليها بالخيلِ والجمالِ . وقال آخَرُون : هما واحدٌ ، والثانيةُ بيان قسمِ المالِ الذي ذكر اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الأُولى ، والغنائمُ كانت في بدءِ الإسلام لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم يصنَعُ بها ما يشاءُ ، كما قال تعالى { قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [ الأنفال : 1 ] ثم نُسِخَ ذلك بقوله { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } [ الأنفال : 41 ] الآيةُ ، فجَعَلَ أربعةَ أخماسِها للغانِمين يُقسَمُ بينهم ، وأما الْخُمْسُ الباقي فيقسمهُ على خمسةِ أسهُمٍ : سهمٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وسهمٌ لذوي القُربَى ، وسهمٌ لليتَامَى ، وسهمٌ للمساكين ، وسهمٌ لبني السَّبيلَ . وقولهُ تعالى : { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُم } ؛ معناه : كَي لا يكون الفَيءُ مُتدَاولاً بين الأغنياءِ منكم ، والفرقُ بين الدُّولَةِ والدَّوْلَةِ بفتحِ الدال عبارةٌ عن المدَّة من الاستيلاءِ والغَلبَةِ ، والدُّولَةُ اسمٌ للشيءِ المتداوَل ، والمعنى : كي لا يتداولهُ الأغنياءُ منكم ، يكون لِهذا مرَّة ولهذا مرة ، كما يُعمَلُ في الجاهليَّة ، وكانوا إذا أخَذُوا غنيمةً أخذ الرئيسُ رُبعَها وهو الرِّبَاعُ ، والأغنياءُ والرُّؤساء ، وقال مقاتل : ( كَيْ لاَ يَغْلِبَ الأَغْنِيَاءُ الْفُقَرَاءَ فَيَقْسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ ) . ثُم قالَ : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ } ؛ من الفَيءِ والغنيمةِ ، { فَخُذُوهُ } ؛ فهو حلالٌ لكم ، { وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ } ؛ أي عن أخذهِ ، { فَٱنتَهُواْ } ؛ وهذا نازلٌ في أمرِ الفيءِ ، ثم هو عامٌّ في كلِّ ما أمَرَ اللهُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم ونَهى عنه ، قال الحسنُ في قولهِ : { وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } : ( يَعْنِي مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الْغَلُولِ ) . وقولهُ تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ؛ معناهُ : اتَّقوا عذابَ اللهِ ، { إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ؛ إذا عاقبَ فعقوبتهُ شديدةٌ .