Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-91)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } ؛ قال ابن عبَّاس وسعيدُ بن جُبير في معنى هذه الآية : " جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَال لَهُ مَالِكُ بنُ الصَّيْفِ ، وَكَانَ رَأسَ الْيَهُودِ ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " أُنْشِدُكَ اللهَ يَا مَالِكُ بالَّذِي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عليه السلام ؛ أتَجِدُ فِيْهَا أنَّ اللهَ يَبْغَضُ الْحَبْرَ السَّمِيْنَ ؟ " قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فأَنْتَ الْحَبْرُ السَّمِيْنُ ، وَقَدْ سَمََّنَتْكَ مَأكَلَتُكَ الَّتِي ُتُطْعِمُكَ الْيَهُودُ ، وَلَسْتَ تَصُومُ - أيْ وَلَسْتَ تُمْسِكُ - " فَضَحِكَ بهِ بَعْضُ الْقَوْمِ ، فَغَضِبَ مَالِكٌ ، وَكَانَ حَبْراً سَمِيْناً ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَقَالَ : مَا أنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ . فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ " . وقال السُّدِّيُّ : ( نَزَلَتْ في فِنْحَاصَ بْنِ زَوْرَاءَ ؛ وَهُوَ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ) . وقال مُحمد بن كعبٍ : ( جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ وَهُوَ مُحْتَبٍ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، ألاَ تَأْتِيْنَا بكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، كَمَا جَاءَ بهِ مُوسَى مِنْ عِنْدِ اللهِ ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } [ النساء : 153 ] . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ : مَا أنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ ، وَلاَ عَلَى مُوسَى ، وَلاَ عَلَى عيْسَى ، وَلاَ عَلَى أحَدٍ شَيْئاً . فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ) . ومعناها : ما عَظَّمُوا اللهَ حقَّ عَظَمَتِهِ ، ولا عَرَفُوهُ حقَّ معرفتِه إذ جَحَدُوا فقَالُوا : مَا أنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ؛ أي من كتابٍ ولا وَحْيٍ ، { قُلْ } ؛ لَهم يا مُحَمّدُ : { مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ } ؛ يعني التوراةَ ؛ { نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ } ؛ أي ضياءً للناسِ وبياناً لَهم من الضَّلاَلة ، { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } ؛ يكتبونَه صحائفَ ، { تُبْدُونَهَا } ؛ يظهرونَ ما فيها مما ليسَ فيه صفةُ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وزمانُه ومبعثه ونبوَّتُه ، { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } ؛ أي يسترون ما فيه صفةُ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وبَعَثُهُ وآيةُ الرَّجمِ . وقولُه تعالى : { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ } ؛ يحتملُ أن يكون خطاباً للمسلمين ، أي عُلِّمْتُمْ أنتم أيُّها المؤمنون من الأحكامِ والحدُودِ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ . والأظهرُ : أنه خطابٌ لليهودِ ؛ لأنه مَسُوقٌ على ما سبقَ ، معناهُ : عَلِمْتُمْ بالقُرْآنِ ما كنتم أخْفَيْتُمُوهُ قبلَ نزولِ القُرْآنِ ؛ لأنَّهم قد ضَيَّعُوا شيئاً كثيراً من الْقُرْآنِ والأحكامِ ، وكانوا يُعَانِدُونَ ولا يعملونَ حتى صاروا كأنُّهم لم يعلمُوه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلِ ٱللَّهُ } ؛ معناه : إنْ هم أجابُوكَ وقالوا : أعْلَمَنَا اللهُ ، وإلا فَقُلْ : اللهُ عَلَّمَكُمْ . ويقال معناهُ : قُلِ اللهُ أنزلَ الكتابَ على موسى ، { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } ؛ أي دَعْهُمْ واتركهم في باطلِهم يَلْهُونَ ، ويقال لكلِّ من عَمِلَ ما لا ينفعهُ : إنَّما أنْتَ لاَعِبٌ . قال ابن عبَّاس : ( فَلَمَّا رَجَعَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى قَوْمِهِ ، قَالُواْ لَهُ : وَيْلََكَ ! مَا هَذا الَّذِي بَلَغْنَا عَنْكَ ، زَعَمْتَ أنَّهُ مَا أنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ! أرَأيتَ كِتَابَنَا مَنْ جَاءَ بهِ إلَى مُوسَى وَهُوَ بَشَرٌ ؟ ! قَالَ : إنَّهُ قَدْ أَغْضَبَنِي ، فَلِذلِكَ قُلْتُ مَا قُلْتُ . قَالُواْ : إذا غَضِبْتَ قُلْتَ غَيْرَ الْحَقِّ ، وَاللهِ لاَ تَلِي لَنَا شَيْئاً ، فَنَزَعُوهُ عَمَّا كَانَ يَلِي لَهُمْ ، وَوَلَّواْ مَكَانَهُ كَعْبَ بْنَ الأَشْرَفِ ) . قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو بالياء فيها على الإخبار ، وقرأ الباقون بالتَّاء على الخطاب .