Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 99-99)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } ؛ أي أنزلَ من السَّماء المطرَ ، فإن الله تعالى مُنَزَّلُ المطرِ من السماء إلى السَّحاب ، ويُنَزِّلُ من السحاب إلى الأرضِ ، كما قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً } [ ق : 9 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } أي فأخرجنا بالمطرِ نَبَاتَ كلِّ صِنْفٍ من أصنافِ الحبُوب معاشاً لَهم . فإن قيل : كيفَ قال الله تعالى : { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } فجعلَ المطر سَبَباً للنباتِ ، والفاعلُ بالسبب يكون مستعيناً بفعلِ السبب ، واللهُ تعالى مُسْتَغْنٍ عن الأسباب ؟ قيل : إنَّما قال اللهُ تعالى : { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } ؛ لأن المطرَ سببٌ يؤدِّي إلى النَّبات ، وليس بمولودٍ لهُ ، واللهُ تعالى قادرٌ على إنبات النباتِ بدون المطر ، وإنَّما يكون الفاعلُ بالسبب مستعيناً بذلك السبب إذا لم يُمكنه فعلُ ذلك الشَّيء إلا بذلك السبب ، كما أنَّ الإنسانَ إذا لم يُمكنه أن يصعدَ السطحَ إلا بالسُّلَّمِ ، كان السُّلَّمُ آلةَ الصُّعود ، والطائرُ إذا صعدَ السطح بالسُّلَّمِ ، لم يكن السُّلَّمُ آلةً لهُ ؛ لأنه يُمكنه أن يصعدَ السطحَ بدون السُّلم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } ؛ أي أخرجنَا من المطرِ نباتاً أخضرَ ؛ وهو ساقُ السُّنبلةِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً } ؛ أي نُخْرِجَ من ساقِ السُّنبلة ما قد رَكِبَ بعضُه بعضاً ؛ يعني سنابلَ البُرِّ والشعيرِ والأَرُزِّ والذرَّة وسائرَ الحبوب ، يَرْكَبُ بعضُه بعضاً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } ؛ أي عُرُوقٌ قريبةُ المتناول ينالُها القاعدُ . والقِنْوَانُ : جَمْعُ الْقِنْوِ ؛ مثل صِنْوٍ وَصِنْوَانِ . والقِنْوُ : عَذقُ النَّخلةِ والعَذقُ ؛ بفتح العين : النَّخْلَةُ . قال الزجَّاج : ( فِي الآيَةِ مَحْذُوفٌ ؛ أيْ دَانِيَةٌ وَغَيْرُ دَانِيَةٍ ؛ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ بَعِيْدَةَ الْمُتَنَاوَلِ ) . وقرأ الأعرجُ : ( قُنْوَانٌ ) بضمِّ القاف ؛ وهي لغةُ قيس . وقال مجاهدُ : ( مَعْنَى قَوْلِهِ : ( دَانِيَةً ) أيْ مُتَدَلِّيَةٌ ) . وقال الضَّحاك : ( مُلْزَقَةٌ بالأَرْضِ ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ } ؛ عطفٌ على قوله تعالى : { خَضِراً } أي وأخرجنا جَنَّاتٍ ؛ أي بساتينَ وأشجارٍ مُلْتَفَّةٍ ، وكل نَبَاتِ مَُتَكَاتِفٍ يَسْتُرُ بعضُه بعضاً فهو جَنَّةٌ ، من جنَّ إذا اسْتَتَرَ . وقرأ الأعمشُ ويحيى بن يعمر وعاصم : ( وَجَنَّاتٌ ) بالرفعِ عطفاً على ( قِنْوَانٌ ) لفظاً ، وإن لم تكن في المعنى من جِنْسِهَا ، وكذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ مُشْتَبِهاً وَغَيْرُ مُتَشَابِهٍ ) بالرفعِ أيضاً . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ } ؛ أي وأخرجنَا من شجرِ الزَّيتونِ وشجر الرُّمَّانِ ، { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ } أي منها ما يُشْبهُ غيرَه في الصُّورةِ واللَّون ، ومنها ما لا يشبهُ . وَقِيْلَ : معناهُ : متشابهاً في المنظرِ واللَّونِ ، وغيرَ متشابهٍ في الطَّعمِ مثلَ الرُّمَّانِ الحامضِ والْحُلْوِ . والفائدةُ في الجمعِ بين شَجَرِ الزيتونِ وشَجَرِ الرُّمانِ في هذه الآيَةِ : بأنَّهما شجرَتان يشتملُ ورقُهما على الغُصْنِ من أوَّلهِ إلى آخره مشتبهٌ بأوراقِهما ، ومختلفٌ ثِمارهما . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ } ؛ أي انظرُوا إلى خُرُوجِ الثمرِ نَظَرَ الاعتبار إذا عُقِدَ وهو غَضٌّ ، وَيَنْعِهِ إذا نَضَجَ وأخذ اللونَ من بين أصفرٍ وأبيض وأحمرٍ ، فمعناهُ : ( انظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذا أثْمَرَ وَيَنْعِهِ ) أي ونُضْجِهِ وإدْرَاكِهِ . وقرأ أبو رَجَاء : ( وَيَانِعِهِ ) بالألفِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } قرأ أهلُ الكوفةِ غيرُ عاصمٍ : ( ثُمُرِهِ ) بضمِّ الثاء والميمِ على جمعِ الثَِّمارِ ، فيكون جمعُ الجمعِ ؛ لأن الثُمُرَ جمعُ الثمار . ومعنى الآية : انظرُوا إلى الثَّمَرِ في ابتداءِ طلُوعهِ ، وانظروا إليه في انتهاءِ حاله وقتَ إدراكهِ ، { إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ؛ أي إنَّ في خلقِ هذه الأشياء ، وتصريفِها ونقلِها من حالٍ إلى حال لعلاماتٍ دالَّةٍ على البعثِ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ باللهِ . وهذه الآيةُ دالةٌ للمؤمنين وغيرِهم ، إلا أنه خَصَّ المؤمنينَ بالذكرِ ؛ لأنَّهم هم الذين يَنْتَفِعُونَ بالاستدلالِ بها .