Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-1)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } ؛ " نَزلت هذه الآية في حاطِب بن أبي بَلْتَعَةَ ، وَذلِكَ أنَّ سَارَةَ مَوْلاَةَ أبي عَمْرٍو صَيْفِي بْنِ هِشَامٍ أتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْد بَدْرٍ بسَنَتَيْنِ ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَجَهَّزُ لِفَتْحِ مَكَّةَ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " أمُسْلِمَةً جِئْتِ " قَالَتْ : لاَ : قَالَ : " أمُهَاجِرَةً جِئْتِ ؟ " قَالَتْ : لاَ ، قَالَ : " فَمَا حَاجَتُكَ ؟ " قَالَتْ : كُنْتُمُ الأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالْمَوَالِي ، وَقَدْ ذهَبَتْ أمْوَالِي وَاحْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً ، فَقَدِمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُونِي وَتَحْمِلُونِي ، قَالَ : " وَأيْنَ أنْتِ مِنْ شَبَاب أهْلِ مَكَّةَ ؟ " وَكَانَتْ مُغَنِّيَةً وَنَائِحَةً ، قَالَتْ : مَا طُلِبَ مِنِّي شَيْءٌ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، فَأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِب فَكَسَوْهَا وَأعْطَوْهَا نَفَقَةً . فَأَتَاهَا حَاطِبُ بْنُ أبي بَلْتَعَةَ الأَزَدِيُّ حَلِيفُ بَنِي أسَدٍ ، فَكَتََبَ إلَى أهْلِ مَكَّةََ وَأعْطَاهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أنْ تُوصِلَ الْكِتَابَ إلَى أهْلِ مَكَّةَ ، وَكَتَبَ فِي الْكِتَاب : مِنْ حَاطِب بْنِ أبي بَلْتَعَةَ إلَى أهْلِ مَكَّةَ : رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُريدُ أنْ يَغْزُوَكُمْ ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ . مَعَ أشْيَاءَ كَتَبَ بهَا يَتَنَصَّحُ لَهُمْ فِيهَا ، فَمَضَتْ سَارَةُ بالْكِتَاب . فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بمَا فَعَلَ حَاطِبُ ، فَبَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهَا عَلِيَّ بْنَ أبي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَالْمِقْدَادَ ، فَخَرَجُوا يُعَادِي بهِمْ خيْلُهُمْ ، فَطَلَبُوا مِنْهَا الْكِتَابَ ، فَقَالَتْ : مَا عِنْدِي كِتَابٌ ، وَحَلَفَتْ عَلَى ذلِكَ ، فَفَتَّشُواْ مَتَاعَهَا فَلَمْ يَجِدُوهُ ، وَقَالَتْ : إنَّكُمْ لاَ تُصَدِّقُونِي حَتَّى تُفَتِّشُوا ثِيَابي ، وَاصْرِفُواْ وُجُوهَكُمْ عَنِّي فَصَرَفُوهَا ، فَطَرَحَتْ ثِيَابَهَا فَفَتَّشُوهَا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً ، فَتَرَكُوهَا وَهَمُّواْ بالرُّجُوعِ . فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ : إنِّي أشْهَدُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكْذِبْنَا ، وَإنَّهَا هِيَ الْكَاذِبَةُ فِيمَا تَقُولُ : فَسَلَّ سَيْفَهُ وَقَالَ : أخْرِجِي الْكِتَابَ وَإلاَّ وَاللهِ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكِ وَأقْسَمَ عَلَى ذلِكَ ، فَلَمَّا رَأتِ الْحَدَّ أخْرَجَتْهُ مِنْ ظَفَائِرِ رَأسِهَا ، فَأَخَذُوهُ وَخَلَّوا سَبيلَهَا وَرَجَعُواْ بالْكِتَاب إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فَأَرْسَلَ إلَى حَاطِبٍ فأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : " يَا حَاطِبُ هَلْ تَعْرِفُ هَذا الْكِتَابَ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " مَا حَمَلَكَ عَلَى ذلِكَ ؟ " قَالَ : وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ أسْلَمْتُ ، وَلاَ غَشَشْتُكَ مُنْذُ صَحِبْتُكَ ، وَلاَ أحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ ، فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ للهِ ، إنِّي كُنْتُ امْرِءاً مُلْصَقاً فِي قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أكُنْ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إلاَّ وَلَهُ بمَكَّةَ مَنْ يَمْنَعُ عَشِيرَتَهُ ، وَأنَا غَرِيبٌ فِيْهِمْ ، وَكَانَ أهْلِي بَيْنَ أظْهُرِهِمْ ، فَخَشِيتُ عَلَى أهْلِي فَأَرَدْتُ أنْ أتَّخِذ عِنْدَهُمْ يَداً ، فَوَاللهِ مَا فَعَلْتُ ذلِكَ شَكّاً فِي دِينِي وَلاَ رضًى بالْكُفْرِ بَعْدَ الإسْلاَمِ ، وَلاَ ارْتَبْتُ فِي اللهِ مُنْذُ أسْلَمْتُ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أنَّ اللهَ تَعَالَى نَزَّلَ عَلَيْهِمْ بَأْسَهُ ، وَإنَّ كِتَابي لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئاً . فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَذرَهُ وَقَالَ : " إنَّهُ قَدْ صَدَقَ " . فَقَاَمَ عُمَرُ رضي لله عنه وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هَذا الْمُنَافِقِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً ، وَمَا يُدْريكَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لأَهْلِ بَدْرٍ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ " . ورُوي : " أنَّ عَبْداً لِحَاطِبٍ جَاءَ يَشْتَكِي مِنْ حَاطِبٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبُ النَّارَ ، فَقَالَ : " كَذبْتَ ! لاَ يَدْخُلُهَا أبَداً لأنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالْحُدَيْبيَةَ " " . ثُم أنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ يعرِّفُ بها النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن حاطباً مؤمنٌ ، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } معناهُ : لا تتَّخِذُوا الكافرين أحبَّاءَ في العونِ والنُّصرةِ ، { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ } ؛ أخبارَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسرَّهُ ، { بِٱلْمَوَدَّةِ } ؛ التي بينَكمَ وبينهم وتُخبرونَهم بما يخبرُ به الرجلُ أهلَ مودَّتهِ ، { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ } ؛ جحَدُوا بما جاءَكم من الحقِّ يعني القرآنَ ، ومع ذلك ، { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } ؛ أي يُخرِجون الرسولَ من مكَّة ويخرجُونكم أيضاً من دياركم لأجلِ إيمانِكم بربكم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } ؛ هذا شرطٌ وجوابهُ متقدِّمٌ عليه وهو قولهُ { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } . تقديرهُ : إنْ كُنتم خرَجتُم جِهَاداً مُجاهدِين في طاعتي وسُنَّتي ومتَّبعين مَرضَاتِي ، فلا تتَّخذونَهم أولياءَ ، وقولهُ تعالى : { جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } منصُوبان لأنَّهما مفعولٌ لَهما . وقوله تعالى : { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } ؛ أي تُخفون مَودَّتَهم ، { وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } ؛ وأنا أعلمُ بما تُضمِرُون في صُدوركم ، وما تُظهرِون بأَلسِنَتِكُم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } ؛ يعني الإسرارَ وإلقاءَ المودَّة إليهم ، { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } ؛ أي فقد أخطأَ طريقَ الهدى ، والمعنى : ومَن يفعل منكم يا معشرَ المؤمنين ما فعلَ حاطبُ ، فقد أخطأَ طريقَ الحقِّ والهدى .