Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 6-8)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قولهُ تعالى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ؛ أي سواءٌ عليهم الاستغفارُ وتركهُ ، { لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } ؛ لإبطانِهم الكفرَ . وهذا في قومٍ مَخصُوصِينَ عَلِمَ اللهُ أنَّهم لا يُؤمنون فلم يستغفِرْ لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } . " وذلك : أنَّ أصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا نُزُولاً عَلَى الْمَاءِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، إذْ وَقَعَ بَيْنَ غُلاَمٍ لِعُمَرَ رضي الله عنه مِنْ بَنِي غِفَارٍ يَقُالُ لَهُ : جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ يَقُودُ لِعُمَرَ فَرَسَهُ وَبَيْنَ غُلاَمٍ لِعَبْدِاللهِ بْنِ أبي سَلُولٍ يُقَالُ لَهُ : سِنَانُ الْجُهَنِيُّ ، فَأَقْبَلَ جَهْجَاهُ يَقُودُ فَرَسَ عُمَرَ فَازْدَحَمَ هُوَ وَسِنَان عَلَى الْمَاءِ فَاقْتَتَلاَ ، فَصَرَخَ سِنَانُ : يَا مَعْشَرَ الأَنْصَار ، وَصَرَخَ الْغِفَاريُّ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ . فَاشْتَبَكَ النَّاسُ وَعَلَتِ الأَصْوَاتُ . فَقَالَ عبْدُاللهِ بْنُ أبَيٍّ : مَا أدْخَلْنَا هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فِي دِيَارنَا إلاَّ لِيَرْكَبُوا أعْنَاقَنَا ، وَاللهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إلاَّ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ! أمَا وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذلَّ ، يَعْنِي الأَعَزَّ نَفْسَهُ وَالأَذلَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ! ثُمَّ أقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ : هَذا مَا فَعَلْتُمُوهُ لِنَفْسِكُمْ أحْلَلْتُمُوهُمْ بلاَدَكُمْ ، قَاسَمْتُمُوهُمْ أمْوَالَكُمْ ، أمَا وَاللهِ لَوْ أمْسَكْتُمْ طَعَامَكُمْ وَمَنَعْتُمْ أصْحَابَ هَذا الرَّجُلِ الطَّعَامَ لَتَفَرَّقُوا عَنْهُ وَرَجَعُوا إلَى عَشَائِرِهِمْ ، وَتَحَوَّلُوا عَنْ بلاَدِهِمْ ، فَلاَ تُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْفَضُّوا ؛ أيْ يَتَفَرَّقُوا مِنْ حَوْلِ مُحَمَّدٍ . فَسَمِعَ زَيْدُ بْنُ أرْقَمَ كَلاَمَهُ ، فَقَالَ : وَاللهِ أنْتَ الذلِيلُ الْبَغِيضُ ، الْقَلِيلُ الْمَبْغُوضُ فِي قَوْمِكَ ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فِي عَزِّ الرَّحْمَنِ وَعِزَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : ثُمَّ ذهَبَ زَيْدٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأخْبَرَهُ بذلِكَ وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب رضي الله عنه فَقَالَ : دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَهُ يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذْ تَرْعَدُ لَهُ أنْفٌ كَثِيرٍ بيَثْرِبَ . فَقَالَ عُمَرُ : فَإنْ كَرِهْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَمُرْ سَعِدَ بْنَ مُعَاذٍ أوْ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ أوْ عَبَّادَ بْنَ بشْرٍ فَلْيَقْتُلُوهُ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إذا تَحَدَّثَ النَّاسُ أنَّ مُحَّمَداً يَقْتُلُ أصْحَابَهُ ؟ لاَ وَلَكِنِ أذِّنْ بالرَّحِيلِ " وَذلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يُرْتَحَلُ فِيْهَا ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ ، فَأَرْسَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : " أنْتَ صَاحِبُ هَذا الْكَلاَمِ الَّذِي بَلَغَنِي ؟ " فَقَالَ : وَالَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا قُلْتُ شَيْئاً مِنْ ذلِكَ ، وَإنَّ زَيْداً لَكَاذِبٌ . وَكَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي قَوْمِهِ شَرِيفاً عَظِيماً ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الأَنْصَار : يَا رَسُولَ اللهِ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيٍّ ، لاَ تُصَدِّقْ عَلَيْهِ كَلاَمَ صَبيٍّ مِنْ غِلْمَانِ الأَنْصَار ، عَسَى أنْ يَكُونَ هَذا الصَّبيُّ وَهِمَ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ ، فَعَذرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم . وَفَشَتِ الْمَلامَةُ مِنَ الأَنْصَار لِزَيْدٍ وَكَذبُوهُ ، فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ : مَا أرَدْتَ يَا وَلَد إلاَّ أنْ كَذبَكَ رَسُولُ اللهِ وَالنَّاسُ وَمَقَتُوكَ . وََكَانَ زَيْدٌ يُسَايرُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَحَى بَعْدَ ذلِكَ أنْ يَدْنُو مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . وَبَلَغَ وَلَدَ عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَيٍّ مَا كَانَ مِنْ أمْرِ أبيهِ ، فَأَتَى إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ بَلَغَنِي أنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَيٍّ لِمَا بَلَغَكَ عَنْهُ ، فَإنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَمُرْنِي فَأَنَا أحْمِلْ إلَيْكَ دُأبَتَهُ ، وَإنِّي أخْشَى أنْ تَأْمُرَ بهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ ، فَلاَ تَدَعُنِي نَفْسِي أنْ أنْظُرَ إلَى قَاتِلِهِ يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ ، فَأَخَافُ أنْ أقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ مُؤْمِناً بكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النَّارَ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " بَلْ تَرْفُقُ بهِ وَتُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا " . وَكَذلِكَ جَاءَ أُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ كُنْتَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يُمْشَى فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ : " أوَمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكَ ؟ زَعَمَ أنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذلَّ " فَقَالَ أُسَيْدُ : بَلْ أنْتَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ تُخْرِجُهُ إنْ شِئْتَ ، هُوَ وَاللهِ الذلِيلُ وَأنْتََ الْعَزِيزُ ، فَوَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ جَاءَ اللهُ بكَ ، وَإنَّ قَوْمَهُ لَيَنْظُمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتوِّجُوهُ ، فَهُوَ يَرَى أنَّكَ سَلَبْتَهُ مُلْكَهُ . ثم سارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى وافَى المدينةَ ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } الآية إلى قولهِ : { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ؛ فَأَخَذ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأُذُنِ زَيْدٍ فَقَالَ : " يَا زَيْدُ إنَّ اللهَ صَدَّقَكَ " . وَكَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ أُبَيٍّ بقُرْب الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا أرَادَ أنْ يَدْخُلَهَا جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُاللهِ حَتَّى أنَاخَ عَلَى مَجَامِعِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَمَنَعَ أبَاهُ أنْ يَدْخُلَهَا ، فَقَالَ لَهُ : مَا لكَ ؟ قَالَ : وَيْلَكَ ! وَاللهِ لاَ تَدْخُلُهَا أبَداً إلاَّ أنْ يَأْذنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلِتَعْلَمَنَّ الْيَوْمَ مَنِ الأَعَزُّ وَمَنِ الأَذلُّ . فَشَكَا عَبْدُاللهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا مَنَعَ ابْنَهُ ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " أنْ دَعْهُ يَدْخُلُ " فَقَالَ : أمَّا إذا جَاءَ أمْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنَعَمْ . فَلَبثَ بَعْدَ أنْ دَخَلَ أيَّاماً قَلاَئِلَ ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي هو الرزَّاقُ لهؤلاءِ المهاجرِين لاَ هُوَ ؛ لأنَّ خزائنَ السَّماوات والأرضِ المطرَ والنباتَ ، وهما للهِ فلا يقدرُ أحدٌ أن يُعطِي شيئاً إلاَّ بإذنهِ ولا يمنعهُ شيئاً وبمشيئتهِ { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } إنما أمرهُ إذا أرادَ شيئاً أنْ يقول له كُنْ فيكونُ . وقال الجنيدُ : ( خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ الْغَيْبُ ، وَخَزَائِنُ الأَرْضِ الْقُلُوبُ ، وَهُوَ عَلاَّمُ الْغُيُوب مُقَلِّبُ الْقُلُوب ) . وقال رجلٌ لحاتم الأصَمّ : ( من أين تأكل ؟ فقال : { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ } يعني مِن هذه الغَزوَةِ وهي غزوةُ بني الْمُصْطَلِقِ حيٌّ من هُذيلٍ ، { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } قد ذكرنا قائلَ هذه المقالة وهو عبدُالله بن أُبَي . قِيْلَ : إنَّ إبنَهُ عبدُالله قَالَ لَهُ : أنْتَ وَاللهِ الأَذَلُّ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأَعَزُّ . وكان عبدُالله بن أُبَي يعني بالأعزِّ نفسَهُ ، فردَّ اللهُ عليه فقال : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } ؛ فعزَّةُ الله تعالى بقَهرهِ لخلقهِ ، ولرَسُولهِ بإظهار دينهِ على الأديان كلِّها ، وعزَّةُ المؤمنين نَصرهُ إيَّاهم على أعدائِهم فهم ظَاهِرُونَ . وقولهُ تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ؛ ولو عَلِمُوا ما قالوا هذه المقالةَ .