Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 51-52)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } ؛ اختلَفُوا في ذلكَ ، قال بعضُهم : كان عادةِ العرب أنَّهم إذا حَسَدُوا إنساناً تجوَّعُوا ثلاثةَ أيَّام ، ثم خرَجُوا عليه فقالوا لَهُ : ما أحْسَنَكَ ؛ ما أجْمَلَكَ ؛ ما كذا وكذا ليُصِيبوهُ بأَعيُنهم ، فتوَاطَؤا على أنْ يفعلوا ذلك بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فدفعَ اللهُ عنه كيدَهم وشرَّهم . وَقِيْلَ : إن العينَ كان في بني إسرائيل أشدَّ ، حتى أنَّ الناقةَ السمينة والبقرةَ السَّمينة كانت تَمُرُّ بأحدِهم ، فيُعَاينُوها ثم يقولُ : يا جاريةُ خُذِي الزَّنبيلَ والدرهمَ واذهَبي ائْتِنَا بلحمٍ مِن هذه ، فما يبرحُ أن تُنحَرَ من سَاعَتِها . قال الكلبيُّ : ( كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَب يَمْكُثُ لاَ يَأْكُلُ يَوْمَيْنِ أوْ ثَلاَثَة ، ثُمَّ يَرْفَعُ جَانِبَ خِبَائِهِ فَتَمُرُّ بهِ الإبلُ ، فَيَقُولُ فِيْهَا مَا يُعْجِبُهُ ، فَمَا تَذْهَبُ إلاَّ قَرِيباً حَتَّى تَسْقُطَ لِوَقْتِهَا ، فَسَأَلَ الْكُفَّارُ هَذا الرَّجُلَ أنْ يُصِيبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعَيْنِهِ وَيَفْعَلَ بهِ مِثْلَ ذلِكَ ، فَأجَابَهُمْ إلَى ذلِكَ ، فَعَصَمَ اللهُ تَعَالَى نَبيَّهُ وَحَفِظَهُ عَنْهُمْ ، وَأنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ ) . ورُوي أنَّ الكفارَ كانوا يَقصِدُون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُصِيبوهُ بالعينِ ، وكانوا ينظُرون إليه نظرَ أشدّ يَداً بالعينِ ، وقال الزجَّاجُ : ( مَعْنَى الآيَةِ : أنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا مِنْ شِدَّةِ بُغْضِهِمْ لِرَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُونَ إلَيْهِ نَظَرَ الْبَغْضَاءِ ) ، والمعنى : تكادُ الكفَّارُ بنظرِهم إليكَ أنْ يصرَعُوكَ . وقرأ نافعُ ( لِيَزْلِقُونَكَ ) بفتحِ الياء ، يقالُ : زَلَقَ هو وَزَلَقْتُهُ ، مثلُ حَزَنْتَهُ وحَزَنَ هُوَ ، وقرأ الباقون ( لِيُزْلِقُونَكَ ) من أزْلَقَهُ من موضعهِ إذا نَحَّاهُ ، وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ : " الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ " وقال : " إنَّ الْعَيْنَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ ، وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ " وَقِيْلَ : معنى الآيةِ : وإن يكادُ الذين كفَرُوا من شدَّة إبغاضِهم وعداوتِهم لكَ يُسقِطُونَكَ وَيصرِفُونَكَ عمَّا أنتَ عليه من تبليغِ الرِّسالةِ ويُزِيلونَكَ عن المقامِ الذي أقامكَ اللهُ فيه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } ؛ أي لما أعيَتهُم الحيلةُ عن صرفِ الناس عنكَ نسبُوكَ إلى الجنونِ مع علمِهم بخلاف ذلك . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ } يعني القرآنَ ، وذلك أنَّهم كانوا يكرَهُون القرآنَ أشدَّ الكراهةِ ، فيُحِدُّونَ النظرَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين يتلوهُ بالبغضاءِ ، وكانوا يَنسِبُونَهُ إلى الجنونِ إذا سَمعوهُ يقرأ القرآنَ ، فقال اللهُ تعالى : { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } ؛ أي ما القرآنُ الذي يقرؤهُ عليهم إلاَّ عِظَةٌ للخلائقِ كلِّهم .