Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 12-12)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } ؛ أي مَا مَنَعَكَ أنْ تسْجُدَ ، و ( لاَ ) زائدةٌ في الكلام كما في قولهِ تعالى : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [ الحديد : 29 ] أي لِيَعْلَمَ أهلُ الكتاب . وَقِيْلَ : معناهُ : ما دَعَاكَ إلى أنْ لا تَسجُدَ ، وقد عَلِمَ اللهُ ما مَنَعَهُ من السجود ، ولكن مسألتُهُ إياه تَوْبيْخٌ لهُ وإظهارٌ أنه مُعَانِدٌ رَكِبَ المعصيةَ . وعن يحيَى بنِ ثعلب أنه قال : ( كَانَ بَعْضُهُمْ يَكْرَهُ أنْ لاَ وَيَقُولُ : تَقْدِيْرُهُ : مَنْ قَالَ لَكَ لاَ تَسجُدْ ؟ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ؛ ليسَ هذا الجوابُ عمَّا سَألَهُ تعالى من جهةِ اللفظ ؛ لأن هذا الجوابَ جوابُ : أيُّكما خَيْرٌ ؟ إلاَّ أن هذا جوابٌ من جهةِ المعنى ، فإن معناهُ : إنَّما مَنَعَنِي من السجودِ إلا أنِّي كنتُ أفضلَ منه . وكان هذا القولُ من اللَّعِيْنِ تَجْهِيْلاً منهُ بخَالِقِهِ ؛ كأن قال : إنَّكَ فضَّلْتَ الظُّلْمَةَ على النُّور وليسَ ذلكَ من الحكمةِ . فأعلَمَ اللهُ تعالى أنهُ صَاغِرٌ بهذا القولِ ، وليس الأمرُ على ما قاله الْمَلْعُونُ ؛ لأنهُ رأى أنَّ جوهرَ النار أفضلُ من جوهرِ الطِّينِ في المنفعةِ ، وليس كذلكَ لأن عَامَّةَ الثِّمَار والحبوب والفواكه من الطِّينِ ، وكذلك الملابسُ كلُّها لا تخرجُ إلا من الطِّين ، وعمارةُ الأرضِ من الطين ، وهو موضعُ القَرَار عليهِ لا استغناءَ عنهُ في حالٍ من الأحوال . وأما النَّارُ فهي لِلْخَرَاب ، وإنْ كان فيها بعضُ المنافعِ . قال ابنُ عبَّاس : ( أوَّلُ مَنْ قَاسَ فَأْخْطَأَ الْقِيَاسَ إبْلِيْسُ لَعَنَهُ اللهُ ، فَمَنْ قَاسَ الدِّيْنَ بتَبَعٍ مِنْ رَأيهِ قَرَنَهُ اللهُ مَعَ إبْلِيْسَ ) . وكان قياسُ إبليسَ أنه قال : النارُ خيرٌ وأفضلُ وأصفَى وأنورَ من الطِّين . وقال ابنُ سيرينَ : ( أوَّلُ مَنْ قَاسَ إبْلِيْسُ ، وَمَا عُبدتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إلاَّ بالْمَقَاييْسِ ) . وَقَدْ أخْطَأَ عَدُوُّ اللهِ حِيْنَ فَضَّلَ النَّارَ عَلَى الطِّيْنِ ، بَلِ الطِّيْنُ أفْضَلُ مِنَ النَّارِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ؛ أحْسَنُهَا : إنَّ جَوْهَرَ الطِّيْنَ السُّكُونُ وَالْوَقَارُ وَالْحَيَاءُ وَالصَّبْرُ وَالْحُلْمُ ، وَذلِكَ هُوَ الدَّاعِي لآدَمَ بَعْدَ السَّعَادَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إلَى التَّوْبَةِ وَالتَّوَاضُعِ ، فأَوْرَثَهُ الْمَغْفِرَةَ وَالاجْتِبَاءَ والْهِدَايَةَ وَالتَّوْبَةَ . وَمِنْ جَوْهَرِ النَّار الْخِفَّةُ والطَّيْشُ وَالحِدَّةُ وَالارْتِفَاعُ وَالاضْطِرَابُ ، وَذلِكَ هُوَ الدَّاعِي لإِبْلِيْسَ بَعْدَ الشَّقَاوَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إلَى الاسْتِكْبَار وَالإصْرَار ، فأَوْرَثَهُ الْعَذابَ وَالْهَلاَكَ وَاللَّعْنَةَ وَالشَّقَاءَ . وَالثَّانِي : أنَّ الطِّينَ سَبَبٌ لِجَمْعِ الأَشْيَاءِ ، وَالنَّارُ سَبَبٌ لِتَفَرُّقِهَا . وَالثَّالِثُ : أنَّ الْخَبَرَ نَاطِقٌ بَأَنَّ تُرَابَ الْجَنَّةِ مِسْكٌ أذفَرُ ، وَلَمْ يَنْطِقِ الْخَبَرُ أنَّ فِي الجَنَّةِ نَاراً وَفِي النَّار تراباً . وَالرَّابعُ : أنَّ النَّارَ سَبَبُ عَذاب اللهِ تَعَالَى لأَعْدَائِهِ ، وَلَيْسَ التُّرَابُ لِلْعَذاب . وَالْخَامِسُ : أنَّ التُّرَابَ مُسْتَغْنٍ عَنِ النَّارِ ، وَالنَّارُ تَخْرُجُ إلَى الْمَكَانِ وَمَكَانُهَا التُّرَابُ ) .