Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-175)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقولهُ تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } ؛ قال ابنُ عبَّاس وابنُ مسعودٍ : ( نَزَلَتْ فِي بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَا ) ، قال مجاهدُ : ( وَيُقَالُ لَهُمْ : بَلْعَمُ بْنُ بَاعِر ) ، وقال مقاتلُ : ( وَيُقَالُ لَهُ أيْضاً : بَلْعَامُ ، وكان عابداً من عُبَّاد بني إسرائيلَ ، وكان في المدينةِ التي قصدَها موسى عليه السلام ، وكان أهلُ تلك المدينةِ كُفَّاراً ، وكان عندَهُ اسمُ الله الأعظم ، فسألَهُ ملِكُهم أن يدعوَ على مُوسَى بالاسمِ الأعظمِ ليدفعَهُ عن تلك المدينةِ ، فقال لَهم : دِينهُ ودِيني واحدٌ ، وهذا شيءٌ لا يكون ، فكيف ادعُو عليهِ وهو نبيُّ الله ، ومعه الملائكةُ والمؤمنون ، وأنا أعلمُ مِن الله ما أعلمُ ، وإني إنْ فعلتُ ذلك ذهبَتْ دُنياي وآخرَتِي ، فلم يزالُوا به يفتنونَهُ بالمالِ والهدايا حتى فَتَنُوهُ فَافْتَتَنَ . فرَكِبَ أتَاناً له متوجِّهاً إلى جبلٍ ليدعُوَ عليه ، فما سارَ على الأتَانِ إلاَّ قليلاً فرَبَضَتْ فَنزل عنها ، فضربَها حتى كادَ يُهلِكُها ، فقامَتْ فرَكِبَها فرَبَضَتْ ، فضرَبَها فأنطقَها اللهُ تعالى ، فقالت : يا بَلْعَمُ ويحَكَ أين تذهبُ ؟ ألاَ ترَى إلى هؤلاءِ الملائكة أمَامِي تردُّني عن وجهي ؟ فكيف تريدُ أنْ تذهبَ لتدعوَ على نبيِّ الله عليه السلام وعلى المؤمنين ؟ فخلَّى سبيلَها ، وانطلقَ حتى أتى إلى الجبل وحين وصل إلى الجبلِ ، وجعل يدعُو فكان لا يدعُو بسُوءٍ إلاَّ صرفَ اللهُ لسانَهُ إلى موسَى ، فقال له قومهُ : يا بلعمُ ! إنَّما أنتَ تدعو علينا وتدعُو لهم ؟ فقالَ : هذا واللهِ الذي أملِكهُ ، وأنطقَ اللهُ به لسانِي . ثم امتدَّ لسانهُ حتى بلغَ صدرَهُ ، فقالَ لَهم : قد ذهبَ منِّي الآنَ الدُّنيا والآخرةَ فلم يَبْقَ إلا المكرُ والحيلة ، فسَأَمكُرُ لكم وأحتالُ ، حَلُّوا النساءَ وزيِّنُوهُنَّ وأعطوهن الطّيبَ ، وأرسلُوهنِ إلى العسكرِ ومُرُوهُنَّ لا تمنعُ امرأةٌ نفسَها من رجلٍ أرادَها ، فإنَّهم إنْ زَنى منهم رجلٌ واحد كُفِيتُمُوهُمْ ، ففعَلُوا . فلما دخلَ النساءُ العسكرَ مرَّتِ امرأةٌ منهم برجُلٍ من عُظماءِ بني إسرائيل ، فقامَ إليها فأخذها بيدهِ حين أعجبتْهُ بحُسنِها ، ثم أقبلَ بها إلى موسَى وقالَ له : إني لأَظُنُّكَ أنْ تقولَ هذه حرامٌ ؟ قالَ : نَعَمْ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْكَ لاَ تَقْرَبْهَا ، قال : فواللهِ لا نطيعُكَ في هذا ! ثم دخلَ بها قُبَّتَهُ فوقعَ عليها ، فأرسلَ اللهُ على بني إسرائيل الطاعونَ في الوقتِ . وكان فِنْحَاصُ بن العيزرا صاحبَ أمرِ مُوسَى ، وكان رجُلاً له بسطَةٌ في الْخَلْقِ وقوَةٌ في البطشِ ، وكان غائباً حين صنعَ ذلك الرجلُ بالمرأةِ ما صنعَ ، فجاء والطاعونُ يَحُوسُ في بني إسرائيلَ ، فأُخبرَ الخبرَ ، فأخذ حَرْبَتَهُ وكانت مِن حديدٍ كلُّها ، ثم دخلَ عليه القبَّة ، فوجدَهما متضاجِعَين فدَقَّهُما بحربتهِ حتى انتظَمَهما بها جميعاً ، فخرجَ بهما يحملُهما بالحربةِ رافعاً بهما إلى السَّماء ، والحربةُ قد أخذها بذراعهِ واعتمدَ بمِرفَقِهِ وأسندَ الحربةَ إلى لِحيته وجعلَ يقولُ : اللَّهُمَّ هكذا نفعلُ بمَن يعصِيكَ ، فرُفِعَ الطاعونُ من حينئذٍ عنهم فحُسِبَ مَن هَلَكَ من بني إسرائيلَ في ذلك الطاعونِ ، فوجدُوهم سَبعِينَ ألفاً في ساعَةٍ من نَهارٍ وهو ما بين أنْ زَنَى ذلك الرجلُ بها إلى أن قُتِلَ . وقال مقاتلُ : دعَا بَلْعَمُ على موسَى وقومهِ بالاسمِ الأعظم أن لا يدخُلَ المدينةَ ، فاستُجِيبَ له ووقعَ موسى وقومه في التِّيهِ بدعائهِ عليه ، فقال : يا رب بأَيِّ ذنبٍ وقَعنا في التِّيه ؟ قال : بدُعاءِ بَلْعَمَ ، قال : يا رب فكما سمعتَ دعاءَهُ فاسمع دُعائي عليه ، فدعَا موسى أن انْزَعْ عنه الاسمَ الأعظم والإيمان ، فَسَلَخَهُ اللهُ مما كان عليه ، ونَزَعَ عنه المعرفةَ ، فخرجت منه كحمامَةٍ بيضاءَ ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } . إلا أنَّ في هذا ما يمنعُ صحَّته ولا يجوزُ أن يستجابَ دعاؤَهُ . ورُوي عن عبدِالله بن عمران : أنَّ الآيةَ نزلت في أُمَيَّةَ بن أبي الصَّلتِ الثقفيِّ ، وهو رجلٌ كان في وقتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وكان قد أتاهُ الله العلمَ والحكمةَ ، وله أشْعَارٌ في الموتِ والبعث ، وكان قد عَلِمَ أنَّ الله يبعثُ نبيّاً في وقتهِ ، وكان يرجُو أن يكون ذلكَ النبيَّ ، فلما بعثَ اللهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم ورأى من أمرهِ ما رأى ، عَزَمَ أنْ لا يؤمنَ به حَسَداً لهُ ، ومعنى الآيةِ : واقرَأ يا مُحَمَّدُ خَبَرَ الذي آتيناهُ عِلْمَ آياتِنا وفَهْمَ معانيها فصارَ عالِماً بها . والنَّبَأُ : الخبرُ عن أمرٍ عظيم ، وقولهُ تعالى : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } أي خرجَ من العلمِ بها إلى الجهلِ ، ومن الْهُدَى إلى الضلالةِ ، كما يقالُ : انسَلَخَتِ الْحَيَّةُ من جِلدِها . وقولهُ تعالى : { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } ؛ أي أتْبَعَهُ بالتَّزْيينِ لذلك الضَّلال ، ويقالُ : معنى أتْبَعَهُ : أدْرَكَهُ ، يقال : أتْبَعْتُ القومَ إذا لحقتُهم ، وتَبعْتهُمْ إذا سِرْتَ إليهم . وقولهُ تعالى : { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } ؛ أي كان في عِلْمِ اللهِ أن يكون في ذلك الوقتِ من الغَاوِينَ ، وَقِيْلَ : صارَ مِن الضَّالِّين . والغَيُّ يُذكر بمعنى الهلاكِ ، ويُذكر بمعنى الْخَيْبَةِ .