Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 17-17)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( مَعْنَاهُ : أنَّ إبْلِيْسَ قَالَ : لآتِيَنَّهُمْ مِنْ قِبَلِ آخِرَتِهِمْ ؛ فَلأُخْبرَنَّهُمْ أنَّهُ لاَ جَنَّةَ وَلاَ نَارَ ، وَلاَ بَعْثَ وَلاَ حِسَابَ ) . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } ؛ أي مِنْ قِبَلِ دُنياهم ؛ فَلآمُرَنَّهُمْ بجَمْعِ المالِ مخافةَ الفقرِ وأن لا يؤدوا حقَّهُ ، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } ؛ أي مِنْ قِبَلِ دِينهم فَأُبَيِّنَ لَهم ضَلالَتهُم ، وإنْ كانُوا على هُدًى شَبَّهْتُهُ عليهم حتى أُخرِِجَهم منهُ ، { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } ؛ أي مِنْ قِبَلِ اللَّذاتِ والشَّهواتِ فأُزَيِّنُهَا لَهم ، { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } ؛ لِنِعْمَتِكَ . وقال السُّدِّيُّ : ( مَعْنَى : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أرَادَ الدُّنْيَا أُغْوِيْهِمْ إلَيْهَا ، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } فمِنَ الآخِرَةِ أشَكِّكُهُمْ فِيْهَا وأبعِدُها عَلَيْهِم ، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } قَالَ : الْحَقُّ أُشَكِّكُهُمْ فِيْهِ ، { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } قالَ : الْبَاطِلُ أُخْفِيْهِ عَلَيْهِمْ وأُرَغِّبُهُمْ فِيْهِ ) . وَقِيْلَ : أرادَ بقولِه { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من جهةِ الحسنات أغْفَلَهُمْ عنها ، { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } يعني من جهةِ السيِّئات ، فإنَّ الحسناتِ تُضَاف إلى اليمينِ ، والسيِّئاتِ تُضافُ إلى الشمالِ . وَقِيلَ : معنى الايةِ : ثم لأَحْتَالَنَّ في إغوائِهم من كلِّ وجهٍ . قال قتادةُ : ( أتَاكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، غَيْرَ أنَّهُ لاَ يَسْتَطِيْعُ أنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَحْمَةِ رَبكَ ، إنَّمَا تَأْتِيْكَ الرَّحْمَةُ مِنْ فَوْقِكَ ) . وقال شقيقُ بنُ إبراهيمَ : ( مَا مِنْ صَبَاحٍ إلاَّ قَعَدَ لِي الشَّيْطَانُ عَلَى أرْبَعَةِ مَرَاصِدَ : مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ، وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِيْنِي ، وَعَنْ شِمَالِي . أمَّا مَا بَيْنَ يَدَيَّ ؛ فيَقُولُ لِي : لاَ تَحْزَنْ فإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيْمٌ ، فَأَقُولُ : ذلِكَ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى . وَأمَّا مِنْ خَلْفِي ؛ فَيُخَوِّفُنِي الضَّيْعَةَ عَلَى ذُرِّيَّتِي وَمَنْ خَلْفِي ، فَأَقُولُ : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللهِ رزْقُهَا . وأمَّا مِنْ قِبَلِ يَمِيْنِي ؛ فَيَأْتِيَنِي مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ ، فَأَقُولُ : وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . وأمَّا مِنْ قِبَلِ شِمَالِي ؛ فَيَأْتِيْنِي مِنَ اللَّذاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، فأَقُولُ : وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) . وإنَّما ذكرَ ( مِنْ ) في قولهِ : { مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } وذكرَ ( عَنْ ) في قولهِ : { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } لأن القدَّامَ والخلفَ يكونُ لابتداءِ الغاية ، والغايةُ تذكرُ بحرفِ ( مِنْ ) . وأمَّا جهةُ اليمينِ والشمال فإنَّها تكون للانحرافِ ، فذكرَها بـ ( عَنْ ) . فإن قِيْلَ : مِنْ أينَ عَلِمَ إبليسُ أنه لا يكونُ أكثرُهم شاكرينَ ؛ أي أكْثَرُ الناسِ شاكرينَ ؟ قِيْلَ : إنَّهُ ظَنَّ بهم ظَنّاً ، فوافقَ ظَنُّهُ مَظْنُونَهُ ، كما قالَ تعالَى : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } [ سبأ : 20 ] . وإنَّما ظَنَّ ذلكَ ؛ لأنه لَمَّا تَمَكَّنَ من اسْتِزْلاَلِ آدمَ وحوَّاء ؛ عَلِمَ أنَّ أولادَهما أضعفُ منهما ، فيكون تَمَكُّنُهُ منهم أكثرُ .