Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 8-9)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } ؛ أي وَزْنُ الأعمالِ يومَ القيامة الحقُّ ؛ فلا يُنْقَصُ من إحسانِ مُحْسِنٍ ؛ ولا يُزَادُ على إساءَةِ مُسِيْءٍ . وقال مجاهدُ : ( مَعْنَاهُ : وَالْقَضَاءُ يَوْمَئِذٍ الْعَدْلُ ) . قولهُ : { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } ؛ أي مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ على سيِّئاتِه فأولئكَ همُ الظَّافِرُونَ بالمرادِ ، { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } أي رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ على حسناتهِ ، { فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم } عَمَواْ حَظَّ أنفسِهم ، { بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } ؛ أي بما كانوا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَجْحَدُونَ . فَالْخُسْرَانُ : ذهَابُ رَأسِ الْمَالِ ؛ ورأسُ مالِ الإنسان نفسُه ؛ فإذا هَلَكَ بسوءِ عمله فقد خَسِرَ نفسَه . وقد تكلَّموا في ذِكْرِ الموازينِ يومَ القيامة ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( تُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فِي مِيْزَانٍ لَهُ لِسَانٌ وَكَفَّتَان تُوضَعُ فِيْهِ أعْمَالُهُمْ ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنَ فَيُؤْتَى بعَمَلِهِ فِي أحْسَنِ صُورَةٍ ؛ فَيُوضَعُ فِي كَفَّةِ الْمِيْزَانِ ؛ فَتَثْقُلُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ ؛ فَيُوضَعُ عَمَلُهُ فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ مَنَازلهِ ؛ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : إلْحَقْ بعَمَلِكَ ؛ فَيَأْتِي مَنَازِلَهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَعْرِفُهَا بَعمَلِه . وَأمَّا الْكَافِرُ ؛ فَيُؤْتَى بعَمَلِهِ فِي أقْبَحِ صُورَةٍ ؛ فَيُوضَعُ فِي كَفَّةِ الْمِيْزَانِ ؛ فَيَخِفُّ - وَالْبَاطِلُ خَفِيْفٌ - ثُمَّ يُرْفَعُ فَيُوضَعُ فِي النَّارِ ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : إلْحَقْ بَعَمِلكَ ؛ فَيَلْحَقُ فَيَأْتِي مَنَازِلَهُ فِي النَّار ) . وَقِيْلَ : إنَّ المرادَ بالعملِ في هذا الخبرِ أنَّ الله يجعلُ للحسناتِ صورةً حسَنةً ؛ وللسيِّئاتِ صورةً قبيحةً ، إلاَّ أن عَيْنَ الأعمالِ تُوزَنُ ؛ لأنَّ الأعمال أعراضٌ مُنْقَضِيَةٌ لا تُعَادُ . وقال ابنُ عمر : ( يُؤْتَى بصُحُفِ الطَّاعَاتِ وَصُحُفِ الْمَعَاصِي ، فُتُوزَنُ الصُّحُفُ ) . وعن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ : " يُؤْتَى بالْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى الْمِيْزَانِ ، ثُمَّ يُؤْتَى بتِسْعَةٍ وَتِسْعِيْنَ سِجِلاً ؛ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَدَّ الْبَصَرِ ؛ فِيْهَا خَطَايَاهُ وَذُنُوبُهُ ؛ فَتُوضَعُ فِي كَفَّةِ الْمِيزَانِ ، ثُمَّ تُخْرَجُ بطَاقَةً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ بمِقْدَار أنْمُلَةٍ ؛ فِيْهَا شَهَادَةُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ فَتُوضَعُ فِي الْكَفَّةِ الأُخْرَى . فَيَقُولُ الْعَبْدُ : يا رَب ؛ مَا تَزِنُ هَذِهِ الْبطَاقَةُ مَعَ هَذِه الصَّحَائِفِ ؟ ! فَيَأْمُرُ اللهُ أنْ تُوضَعَ ؛ فإذا وُضِعَتْ فِي الْكَفَّةِ طَاشَتِ الصُّحُفُ وَرَجَحَتِ الْبطَاقَةُ " وقال بعضُهم : يُوزَنُ الإنسانُ ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " يُؤْتَى بالرَّجُلِ الأَكُولِ الشَّرُوب الْعَظِيْمِ فَيُوزَنُ ؛ فَلاَ يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ؛ إقْرَأوا إنْ شِئْتُمْ : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } " وأما ذِكْرُ الموازينِ بلفظ الجماعة ؛ فلأنَّ الميزانَ يشتملُ على الكفَّتين والخيوطِ والشاهدين . فإن قِيْلَ : ما الحكمةُ في وزنِ الأعمال ، واللهُ قادرٌ عالِمٌ بمقدار كلِّ شيء قبلَ خَلْقِهِ إيَّاهُ وبعدَه ؟ قِيْلَ : لإقامةِ الحجَّة عليهم ، ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجاثية : 29 ] فأخبرَ بنسخِ الأعمال وإثباتِها مع عِلْمِهِ بها لِما ذكرنا . وَقِيْلَ : الحكمةُ فيه تعريفِ الله العبادَ ما لَهم عندهُ من جزاءٍ على الخير والشرِّ . وَقِيْلَ : جعلهُ الله علامةً للسعادة والشقاوَةِ . وَقِيْلَ : لامتحانِ الله عبادَهُ بالإيْمان به في الدُّنيا .