Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-3)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } ؛ وذلك أنَّ السماءَ لم تكن تُحرَسُ فيما بين عيسَى ومُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا ، فلمَّا بعثَ اللهُ مُحَمَّداً نبيَّنا حُرست السماءُ ورُميتِ الشياطين بالشُّهب ، فلم يبقَ صنمٌ إلاّ خرَّ لوجههِ . فقال إبليسُ للجنِّ : لقد حدثَ في الأرضِ حَدَثٌ لم يحدُثْ مثلَهُ ، ولا يكون هذا إلاَّ عند خروجِ نبيٍّ ، ففرَّقَ جُندَهُ في الطلب وأمرَهم أن يضربوا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها ، وبعثَ تسعةَ نفرٍ من أشرافِ جنِّ نصيبين إلى أرضِ تُهامة ، وكان رئيسُهم يسمَّى عمرواً ، فلما انتَهوا إلى بطنِ نخلةَ وجَدُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَائماً يُصلِّي بأصحابهِ صلاةَ الفجرِ . فلمَّا سمِعُوا القرآنَ رقَّت له قلوبُهم ، ودنَا بعضُهم من بعضٍ حُبّاً للقرآنِ حتى كَادُوا يتساقَطون على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم ، وقالُوا : هذا الذي حالَ بينَنا وبين خبرِ السَّماء ، فذلك قَوْلُهُ تَعالَى : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } [ الأحقاف : 29 ] فآمَنُوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ورجَعُوا إلى قومِهم مُنذرين ، ولم يأْتُوا إبليسَ . وقالوا لقَومِهم : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } أي بَليغاً ذا عَجَبٍ يُعجَبُ من بلاغتهِ وحُسنِ نَظْمِهِ ، { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } ؛ أي يَدعُو إلى الصَّواب من التوحيدِ والإيمان ، { فَآمَنَّا بِهِ } ؛ وصدَّقنَا به أنَّهُ مِن عندِ الله ، { وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } ؛ من بعدِ هذا اليومَ ، كما أشركَ إبليسُ . " فاستجابَ لهم جماعةٌ من الجنِّ فجَاءوا بهم إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فأقرَأهُم القرآنَ فآمَنُوا به ، وقالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ الأَرْضَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حِجْلٌ لَيْسَ لَنَا فِيْهِ شَيْءٌ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " لَكُمُ الرَّوْثُ وَكُلُّ أرْضٍ سَبْخَةٍ تَنْزِلُونَ بهَا تَكُونُ مُكَلَّبَةً لَكُمْ ، وَلَكُمُ الْعَظْمُ ، وَكُلُّ عَظْمٍ مَرَرْتُمْ عَلَيْهِ تَجِدُونَ عَلَيْهِ اللَّحْمَ حَيْثُ يَكُونُ " " . ثُم يُكرَهُ أن يُستَنجَى بالعظمِ والرَّوثِ . ثم انصرَفتِ الجنُّ عنه ، فأوحَى اللهُ إليه بهذه الآياتِ لبيان أنَّ الجنَّ لَمَّا ظهرَ لهم الحقُّ اتبعوهُ ، فالإنسُ أولى بذلك لأنَّهم ولدُ آدمَ ، فكان المخالفُ منهم ألْوَمَ . ومعنى الآيةِ : قُل يا مُحَمَّدُ لأهلِ مكَّة : أُوحِيَ إلَيَّ أنه استمعَ إلى القرآنِ طائفةٌ من الجنِّ ، فلمَّا رجَعُوا إلى قومِهم قالُوا : يا قومَنا { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } بعدَ هذا اليومِ ؛ أي لا نتَّبعُ إبليسَ في الشِّركِ ، { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } ؛ هذا من قولِ الجنِّ لقَومِهم ، معطوفٌ على قولهِ { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } وإنَّهُ تعالَى جَدُّ ربنا وعظَمتهُ عن أنْ يتَّخِذ صاحبةً أو ولداً ، وهذا كما يقالُ : فلانٌ أعظمُ وأجَلُّ مِن أن يفعلَ كذا وكذا ، فالْجَدُّ : الْعَظَمَةُ ، وقال الحسنُ : ( مَعْنَى الْجَدِّ فِي هَذِهِ الآيَةِ الْغِنَى ) ومنهُ قولهم في الدُّعاء : " وَلاَ يَنْفَعُ ذا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " أي لا يَنْفَعُ ذا الغِنَى منكَ غناهُ .