Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 18-19)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } ؛ معناهُ : إنه فكَّرَ في أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في احتيالهِ للباطلِ ، وقدَّرَ القولَ فيه ، وَقِيْلَ : معناهُ : تفكر ماذا تقولُ في القرآنِ ؟ وقدَّرَ القولَ في نفسهِ ، وذلك أنه لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ * غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ غافر : 1 - 3 ] قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيباً مِنْهُ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْتِمَاعَهُ إلَى قِرَاءَتِهِ عَادَ إلَى قِرَاءَةِ الآيَةِ ، فَانْطَلَقَ الْوَلِيدُ حَتَّى أتَى مَجْلِسَ قَوْمِهِ بَنِي مَخْزُومَ وَقَالَ : وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ الآنَ كَلاَماً مَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ الإنْسِ وَلاَ مِنْ كَلاَمِ الْجِنِّ ، إنَّ لَهُ لََحَلاَوَةً وَلَطَلاَوَةً ، وَإنَّ أعْلاَهُ لَمُثْمِرٌ وَإنَّ أسْفَلَهُ لِمُغْدِقٌ ، وَإنَّهُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى . ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ ، فَقَالَتْ قُرَيْشُ : صَبَأَ وَاللهِ الْوَلِيدُ ، وَاللهِ لَتَصْبَأَنَّ قُرَيْشٌ كُلُّهَا ، وَكَانَ يُقَالُ لِلْوَلِيدِ رَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ أبُو جَهْلٍ : أنَا أكْفِيكُمُوهُ ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَقَعَدَ إلَى جَنْبهِ حَزِيناً ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ : مَا لِي أرَاكَ حَزِيناً يَا ابْنَ أخِي ؟ قَالَ : وَمَا لِي لاَ أحْزَنُ وَهَذِهِ قُرَيْشُ يَجْمَعُونَ لَكَ نَفَقَةً يُعِينُونَكَ عَلَى كِبَرِ سِنِّكَ ، يَزْعُمُونَ أنَّكَ زَيَّنْتَ كَلاَمَ مُحَمَّدٍ وَتَدْخُلُ إلَيْهِ وَإلَى أبْنِ أبي قُحَافَةَ لِتَنَالَ مِنْ فَضْلِ طَعَامِهِمْ . فَغَضِبَ الْوَلِيدُ وَقَالَ : ألَمْ تَعْلَمْ قُرَيْشٌ أنِّي مِنْ أكْثَرِهِمْ مَالاً وَوَلَداً ؟ وَهَلْ يَشْبَعُ مُحَمَّدٌ وَأصْحَابُهُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى يَكُونَ لَهُمْ فَضْلٌ ؟ ثُمَّ قَامَ مَعَ أبي جَهْلٍ حَتَّى أتَى مَجْلِسَ قَوْمِهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : إنَّ الْمَوْسِمَ قَدْ دَنَا ، وَقَدْ فَشَا أمْرُ هَذا الرَّجُلِ فِي النَّاسِ ، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ لِمَنْ سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُواْ : نَقُولُ إنَّهُ مَجْنُونٌ ؛ قَالَ : إذاً يُخَاطِبُونَهُ فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ غَيْرُ مَجْنُونٍ . فَقَالُواْ : نَقُولُ إنَّهُ شَاعِرٌ ؛ قَالَ : الْعَرَبُ يَعْلَمُونَ الشِّعْرَ وَيَعْلَمُونَ أنَّ الَّذِي جَاءَ بهِ غَيْرُ الشِّعْرِ . فَقَالُواْ : نَقُولُ إنَّهُ كَاهِنٌ ؛ فَقَالَ : إنَّ الْكَاهِنَ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ وَلاَ يَقُولُ فِي كِهَانَتِهِ : إنْ شَاءَ اللهُ ، وَهَذا يَقُولُ فِي كَلاَمِهِ : إنْ شَاءَ اللهُ ، وَقَوْلُهُ لاَ يُشْبهُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : قَدْ صَبَأَ الْوَلِيدُ ، فَإنْ صَبَأَ فَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلاَّ صَبَأَ . فَقِيلَ لَهُ : كَيْفَ تَقُولُ أنْتَ يَا أبَا الْمُغِيرَةَ فِي مُحَمَّدٍ ، فَتَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ ثُمّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ وَقَالَ : مَا هُوَ إلاَّ سَاحِرٌ مَا رَأيْتُمُوهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَوَالِيهِ بسِحْرِهِ ، ألاَ تَرَوْنَ أنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، فَإنَّ الْمَرْأةَ تَكُونُ مَعَنَا وَيَكُونُ زَوْجُهَا مَعَهُ ! فَتَفَرَّقُوا عَلَى هَذا الْقَوْلِ . ومعنى الآية : إنه فكَّرَ لِمُحَمَّدٍ بتُهْمَةٍ يتعلَّقُ بها في تكذيبهِ ، وقدَّرَ لينظُرَ فيما قدَّرهُ أستُقِيمَ له أنْ يقولَهُ أم لا ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } ؛ أي لُعِنَ وعُذِّبَ على أيِّ حالٍ قدَّرَ من الكلامِ ، كما يقالُ : لأَعرِفَنَّهُ كيفَ صَنَعَ إلَيَّ على أيِّ حالةٍ كانت منهُ .