Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 30-30)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } ذكَّر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم فعقب ما أنعم الله عليه من النصر والظفر يوم بدر وما كان من مكر المشركين في أمره بمكة فقال : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي اذكر تلك الحالة . قال ابنُ عبَّاس : ( وَذلِكَ أنَّ رُؤَسَاءَ قُرَيشٍ اجْتَمَعُواْ فِي دَار النَّدْوَةِ يَمْكُرُونَ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَيَحْتَالُونَ لَهُ ، مِنْهُمْ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبيعَةَ ؛ وَأَبُو جَهْلٍ ؛ وَأَبُو سُفْيَانَ ؛ وَالنَّضِِرُ بْنُ الْحَارثِ ؛ وَأبُو الْبُحْتُرِيِّ بْنُ هِشَامٍ ؛ وَنَبيهُ وَمُنَبهُ ؛ وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَرَبيعَةُ بْنُ الأَسْودِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبيرٍ عَلَيْهِ ثِيَابُ أطْمَارٍ ، فَجَلَسَ بَيْنَهُمْ فَقَالُواْ : مَا لَكَ يَا شَيْخُ دَخَلْتَ فِي خَلْوَتِنَا بغَيْرِ إذنِنَا ؟ ! فَقَالَ : أنَا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ نَجْدٍ قَدِمْتُ مَكَّةَ ، فَأَرَاكُمْ حَسَنَةً وَجُوهُكُمْ طَيِّبَةً رَوَائِحُكُمْ ، فَأَحْبَبْتُ أنْ أسْمَعَ حَدِيثَكُمْ فَأقْتَبِسَ مِنْكُمْ خَيْراً فَدَخَلْتُ ، وَإنْ كَرِهْتُمْ مَجْلِسِي خَرَجْتُ ، وَمَا جِئْتُكُمْ إلاَّ أنِّي سَمِعْتُ باجْتِمَاعِكُمْ فأَرَدْتُ أنْ أحْضُرَ مَعَكُمْ ، وَلَنْ تَعْدُمُوا مِنِّي رَأياً وَنُصْحاً . فَقَالُوا : هَذا رَجُلٌ لاَ بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ . فَتَكَلَّمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَبَدأَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ : أمَّا أنَا فَأَرَى أنْ تَأْخُذُوا مُحَمَّداً ، فَتَجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ تَسُدُّونَ عَلَيْهِ بَابَهُ ؛ وَتَشُدُّونَ عَلَيْهِ وِثَاقَهُ ؛ وَتَجْعَلُونَ لَهُ كُوَّةً تُدْخِلُونَ عَلَيْهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ، فَيَكُونُ مَحْبُوساً عِنْدَكُمْ إلَى أنْ يَمُوتَ . فَقَالَ إبْلِيسُ : بئْسَ مَا رَأيْتَ ! تَعْمَدُونَ إلَى رَجُلٍ لَهُ فِيكُمْ أهْلُ بَيْتٍ ، وَقَدْ سَمِعَ بهِ مَنْ حَوْلَكُمْ فَتَحْبسُوهُ ، يُوشِكُ أنْ يُقَاتِلَكُمْ أهْلُ بَيْتِهِ وَيُفْسِدُواْ عَلَيْكُمْ جَمَاعَتَكُمْ فَقَالُوا صَدَقَ واللهِ الشَّيْخُ . ثُمَّ تَكَلَّمَ أبُو الْبَخْتَرِيِّ فَقَالَ : أرَى أنْ تَحْمِلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ فَتَشُدُّوا وثَاقَهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تُخْرِجُوهُ مِنْ أرْضِكُمْ حَتَّى يَمُوتَ أوْ يَذْهَبَ حَيْثُ يَشَاءُ . فَقَالَ إبْلِيسُ : بئْسَ الرَّأيِ مَا رَأيْتَ ! تَعْمَدُونَ إلَى رَجُلٍ لَهُ فِيكُمْ أهْلُ بَيْتٍ ، وَقَدْ سَمِعَ بهِ مَنْ حَوْلَكُمْ أفْسَدَ عَلَيْكُمْ جَمَاعَتَكُمْ وَمَعَهُ مِنْكُمْ طَائِفَةٌ ، فَتُخرِجُونَهُ إلَى غَيْرِكُمْ فَيَأْتِيهمْ فَيُفْسِدُ مِنْهُمْ أيْضاً جَمَاعَةً بمَا يَرَونَ مِنْ حَلاَوَةِ كَلاَمِهِ وَطَلاَقَةَ لِسَانِهِ ، وَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْعَرَبُ وَتَسْتَمِعُ إلَى حُسْنِ حَدِيثِهِ ، ثُمَّ لَيَأْتِيَنَّكُمْ بهِمْ فَيُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَيَقْتُلَ أشْرَافَكُمْ . فَقَالُواْ : صَدَقَ واللهِ الشَّيْخُ . فَتَكَلَّمَ أبُو جَهْلٍ فَقَالَ : أرَى أنْ تَجْتَمِعَ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْكُمْ رَجُلٌ يَأْخُذُونَ السُّيُوفَ ، فَيَضْرِبُونَهُ جَمِيعاً ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، فَإذا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا ، فَلاَ يَدْرِي قَوْمُهُ مَنْ يأْخُذُونَ وَلاَ يَقُومُونَ عَلَى حَرْب قُرَيْشٍ كُلِّهَا ، وَإنَّمَا إذا رَأوا ذلِكَ قَبلُوا الدِّيَةَ ، فَتُؤَدِّي قُرَيْشُ دِيَتَهُ وَاسْتَرَحْنَا . فَقَالَ إبْلِيسُ : صَدَقَ واللهِ الشَّابُّ ، وَهُوَ أجْوَدُكُمْ رَأْياً ، الْقَوْلُ قَوْلُهُ لاَ أرَى غَيْرَهُ . فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذلِكَ . فَنَزَلَ جِبرِيلُ عليه السلام فأَخْبَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلِكَ ، وَأَمَرَهُ أنْ لاَ يَبيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبيتُ فِيْهِ ، وَأَمَرَهُ بالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ ) وَكَانَ مِنْ أمْرِ الْغَارِ مَا كَانَ ، فذلك قولهُ { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ } أي ليَحبسُوكَ ، وهو ما قالَهُ عمرُو بن هشام . ويقالُ : معنى ( لِيُثبتُوكَ ) أي يَعْتَدُّوكَ أو يُخرجوك . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ يَقْتُلُوكَ } ظاهرٌ ، وهو ما قالَهُ أبو جهلٍ ، وقوله : { أَوْ يُخْرِجُوكَ } أي مِن بين أظْهُرهم إلى غيرِهم ، وهو ما قاله أبو الْبَحْتَرِيِّ بن هشام . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } ؛ أي يُريدون بكَ الشرَّ والهلاكَ ، { وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } أي يُريد قتْلَهم ببَدرٍ مجازاةً لهم على فعِلهم وسُوءِ صُنعِهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } أي أفضلُ الصَّانِعين وأقوَى المدبرين ؛ لأنه لا يمكرُ إلا بحقٍّ وصوابٍ ، ومكرُهم باطلٌ وظلم .