Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 68-68)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ؛ أي لَولاَ حُكمٌ من اللهِ سبقَ في إباحةِ الغنائمِ لَمسَّكُم فيما استبَحتُم قبلَ الإثخانِ عذابٌ عظيم . وَقِيْلَ : لولا كتابٌ مِن الله سبقَ في أهلِ بدر أن يغفرَ اللهُ لَهم ما تقدَّم من ذُنوبهم وما تأخَّرَ . وَقِيْلَ : معناهُ : لولا حكمُ اللهِ في اللَّوحِ المحفوظِ وفي القرآنِ أنه لا يعذِّبُ قوماً حتى يُبيِّن لهم ما يتَّقون لأصابَتْكم عقوبةٌ عظيمة . وعن ابنِ عبَّاس أنه قالَ في هذه الآيةِ : ( وَذلِكَ أنَّهُ لَمَّا قَـتَلَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعِينَ وَأسَرُواْ سَبْعِينَ ، اسْتَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَهُ فِي أمْرِ الأُسَارَى ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : يَا رَسُولَ اللهِ هُمْ قَوْمُكَ ، فَإنْ تَقْتُلْهُمْ يَدْخُلُوا النَّارَ ، وَلَكِنْ فَادِهِمْ فَيَكُونَ الَّذِي تَأْخُذُ مِنْهُمْ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَعَلَّ اللهَ يَُقَلِّبُ قُلُوبَهُمْ . وَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا أعْلَمُ قَوْماً كَانُوا أشَرَّ لِنَبيِّهِمْ مِنْهُمْ فَاقْتُلْهُمْ . فَأَخَذ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسلم برَأي أبي بَكْرٍ ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمَا مَثَلاً فَقالَ : " " مَثَلُ أبي بَكْرٍ مَثَلُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام حَيْثُ قَالَ : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، وَمَثَلُ عُمَرَ مَثَلُ نُوحٍ عليه السلام حَيْثُ قَالَ : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } " ثمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفِدَاءَ عَلَى الأُسَارَى " . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ … } [ الأنفال : 67 ] إلى آخِرِ الآيَتَيْنِ ، " قَالَ عُمَرُ : فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ ، فَقُلْتُ : مَا يُبْكِيكُمَا ؟ ! حَتَّى الأَرْضُ إن وَجَدَتْ بُكَاءً لِبُكَائِكُمَا بَكَتْ مَعَكُمَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " إنَّمَا أبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أصْحَابُكَ مِنْ أخْذِ الْفِدَاءِ " ، ثُمَّ قَرَأَ عليه السلام { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } " . وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ : " لَمَّا جِيءَ بالأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلاَءِ ؟ " فَقَالَ أبُو بَكْرٍ : قَوْمُكَ وَأهْلُكَ اسْتَبقْهُمْ لَعَلَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ، وَخُذْ مِنْهُمْ فِدْيَةً تَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ . وَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ كَذبُوكَ وَأخْرَجُوكَ ، قَدِّمْهُمْ وَاضْرِبْ أعْنَاقَهُمْ ، وَمَكِّنْ عَلِيّاً مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبْ عُنُقَهُ ، وَمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ - بسَبَبٍ لَهُ - فَأَضْرِبْ عُنُقَهُ ، فإنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَةُ الْكُفْرِ . فَسَكَتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ أُنَاسٌ : نَأْخُذُ بقَوْلِ أبي بَكْرٍ ، وَقَالُ نَاسٌ : نَأْخُذُ بقَوْلِ عُمَرَ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ لَيُلَيِّنُ قُلُوبَ رجَالٍ حَتَّى تَكُونَ ألْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ ، وَإنَّ اللهَ لَيَشُدُّ قُلُوبَ رجَالٍ حتَّى تَكُونَ أشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ ، وَإنَّ مَثَلَكَ يَا أبَا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى قَالَ : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ، وَمَثَلَكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ مُوسَى قَالَ : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } ، ثُمَّ قالَ صلى الله عليه وسلم لِلأُسَارَى : " أنْتُمُ الْيَوْمَ عَالَةً فَلاَ يَنْقَلِبَنَّ أحَدٌ إلاَّ بِفِدَاءٍ أوْ ضَرْب عُنُقٍ " ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } أي لولاَ حُكمُ اللهِ في أنه يُحلُّ لهم الفديَةَ التي أخذوها من الأُسارى . وَقِيْلَ : معناه : لولا ما سبقَ لهذه الأُمَّة من الرحمةِ إذا عَمِلُوا الخطايَا ثم عَرَفُوا بما عَمِلوا وتَابُوا ورجَعُوا . قَوْلُهُ تَعَالَى : { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } [ الأنفال : 67 ] مخاطبةٌ لهم لاَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجِلَّت أصحابهُ ، فإنَّ أبا بكرٍ كان مرادهُ إعزازَ الدِّين وهدايةَ الأنصارِ ، ولأنَّ الله قال : { لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ } ولم يقُل فيما عزَمتُم وأسررتُم .