Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 6-8)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } ؛ ألم تعلم كيفَ صنعَ ربُّكَ بعادٍ وكيف أهلكَهم ، { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } ، وأما إرَمَ فهو صفةٌ لعادٍ ، وهي عَادَان : عادٌ الأُولى وهي إرَمَ ، وعادٌ الآخرة . ولم يُصْرَفْ إرَمَ ؛ لأنَّها اسمٌ للقبيلةِ ، وكان إرمَ أبا عادين فنُسبوا إلى أبيهم . وَقِيْلَ : إن إرمَ كانت قبيلةً من عادٍ وكان فيهم الملكُ ، { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } أي القامَات الطِّوالِ والقوَى الشدائد ، يقال رجلٌ مَعْمَدٌ ورجل عَمدَانٌ إذا كان طَويلاً قويّاً ، قال ابنُ عباس : ( ( كَانَتْ قَامَةُ الرَّجُلِ مِنْهُمْ أرْبَعُمِائَةِ ذِرَاعٍ ، لَمْ يُخْلَقْ مِثلُهُمْ فِي زَمَانِهِمْ قُوَّةً وَخَلْقاً ) ) . ويقال : إنه اسمُ مدينةِ ذات العماد والذهب والفضَّة ، بناها شدَّادُ بن عاد . والقولُ الأول أقربُ إلى ظاهرِ الآية ؛ لأنَّ الغرضَ بهذه الآية زجرُ الكفَّار ، وكان اللهُ بيَّن بإهلاكِهم مع قوَّتِهم أنه على إهلاك هؤلاء الكفار أقدرُ . وقصَّة مدينة إرم ذات العماد ما روَى وهبُ بن منبه عن عبدِالله بن قُلابة : أنه خرجَ في طلب إبلٍ له شرَدت . فبينما هو في صحَارى عدَن ، إذ وقع على مدينةٍ في تلك الفَلَوات ، عليها حصنٌ وحولَ الحصنِ قصورٌ كثيرة وأعلامٌ طِوَال . فلما دنَا منها ظنَّ أن فيها أحداً يسألهُ عن إبله ، فلم يرَ خارجاً ولا داخلاً ، فنَزل عن دابَّته وعقلَها ، وسلَّ سيفَهُ ودخلَ من باب الحصنِ ، فلما خلفَ الحصنَ وراءه إذ هو ببابَين عظيمين وخشبُهما من أطيب عود ، والبابان مرصَّعان بالياقوتِ الأبيض والأحمر ، ففتحَ أحدهما فإذا هو بمدينةٍ فيها قصورٌ ، كلُّ قصر تحته أعمدَةٌ من زبرجد وياقوتٍ ، وفوق كلِّ قصر منها غُرَف ، وفوقَ الغرف غرفٌ مبنيَّة بالذهب والفضة واللؤلؤِ والياقوت ، ومصاريعُ تلك الغرف من أطيب عود مرصَّعة بالياقوتِ الأبيض والأحمر ، والغرفُ مفروشةٌ كلُّها باللؤلؤ والمسكِ والزعفران . ثم نظرَ في الأزقَّة فإذا في كلِّ زُقاق شجرٌ مثمر ، وتحتَ الأشجار أنْهار مطَّردة ماؤُها في مجاري من فضَّة . فقال الرجلُ : هذه هي الجنَّة التي وصفَها اللهُ تعالى في كتابهِ ، فحملَ معه من لُؤلؤِها ومِسكِها وزعفرانِها ؛ ورجعَ إلى اليمنِ وأعلمَ الناس بأمرهِ . فبلغَ معاويةَ فأحضرَهُ وسألَ كعبَ الأحبار : هل في الدُّنيا مدينةٌ من ذهب وفضَّة ؟ قال : نعم ، قال أخبرني مَن بنَاها ؟ قال : بناها شدَّادُ بن عاد ، واسمُ المدينةِ إرَمُ ذاتُ العمادِ ، وهي التي لم يُخلَقْ مثلُها في البلادِ . قال معاويةُ : فحدِّثني بحديثِها . قال : يا معاويةُ إنَّ رجُلاً من عادٍ الأُولى كان له إبنان : شدَّاد وشديدُ ، كان قد قهرَ البلاد وأخذها عُنوةً ، وليس هو من قومِ هود ، وإنما عادٌ هو من ذريَّته ، فأقامَ شدَّادُ وشديد ما شاءَ الله أن يُقيما ، ثم ماتَ شديد وبقي شدَّاد ، فملَكَ وحده وتدانَتْ له ملوكُ الأرضِ ، وكان وَلِعاً بقراءة الكُتب . فلمَّا مرَّ فيها بذكرِ الجنَّة ، دعَتْهُ نفسهُ إلى بناءِ مثلها عُتُوّاً على اللهِ تعالى ، فأمرَ ببناءِ هذه المدينة المذكورةِ ، فأمَّر على صَنَعَتِها مائة أميرٍ ، مع كل أميرٍ ألفٌ من الأعوانِ ، وكتبَ إلى كلِّ ملكٍ في الدنيا أن يجمعَ له ما في بلادهِ من الجواهرِ ، وكانت تحت يدهِ مائتانِ وستُّون ملِكاً . قال معاويةُ : كم أقامَ في مدَّة بنائِها ؟ قال : أقَامُوا ثلاثَمِائةِ سَنةٍ في بنائِها وعمارتِها . قال : فكم كان عمرُ شدَّاد ؟ قال : سبعُمائة سَنة ، وإنما سَمَّاها اللهُ ذاتُ العمادِ ؛ لأجل الأعمِدة التي تحتَها من الزبرجد والياقوتِ . قال كعبٌ : فلما فرَغُوا من بنائها أعلَمُوا شدَّاداً بذلك فقال لَهم : انطَلِقوا واجعلوا فيها حِصناً واجعلوا حولَهُ ألفَ قصرٍ ، عند كلِّ قصرٍ ألفَ علَمٍ حتى أجعلَ في كلِّ قصر وَزيراً من وُزرائي . فرجَعُوا فعملوا تلك القصور والأعلام والحصُون ، ثم أتَوهُ فأخبروهُ بفراغِ ذلك ، فأمرَ الوُزَراء أن يتهيَّأُوا بالنقلةِ إليها ، وأمرَ جُندَهُ ونساءَهُ وخدَمهُ أن يتجهَّزُوا ، فأقَامُوا في جهازهم عشرَ سنين . ثم سارَ الملكُ بجيشٍ لا يُحصِي عدَدهم إلاّ اللهُ ، فلما صارَ إليها ، ليسكُنَها وبلغَ إلى أن صارَ بينه وبينها مسيرةَ يومٍ وليلة ، بعثَ الله عليهم جَميعاً هو وجنودهُ ووزراؤه صيحةً عظيمة من السَّماء فهلَكُوا ولم يبقَ منهم أحدٌ ، ولم يدخل شدَّاد ولا أحدٌ من قومهِ تلك المدينةَ ، ولم يقدر أحدٌ على دخولِها إلى يومِ القيامة ، وسيدخلُها رجلٌ من المسلمين في زمانِكَ ولا يبلغُها أحدٌ غيره أبداً . قال معاويةُ : فهل تقدرُ أن تصِفَهُ يا أبا إسحاق ؟ قال : نعم ؛ هو رجلٌ أحمر قصير ، على حاجبهِ خالٌ وعلى عُنقه خالٌ ، يخرج في طلب إبلٍ له فيقعُ على تلك المدينةِ ، فيدخُلها ويحمل شيئاً مما فيها ، وكان الرجلُ حينئذ مختفياً عند معاويةَ ، فقام ليذهبَ ، فالتفتَ كعبٌ التفاتةً فرآهُ ، فقال : هو هذا يا أميرَ المؤمنين . فقال له معاويةُ : لقد فضَّلَكَ الله يا كعبُ على غيركَ من العُلماء . فقال : يا أميرَ المؤمنين ما خلقَ الله شيئاً في الدُّنيا إلاَّ وقد فسَّرَهُ في التَّوراة لعَبدهِ موسى عليه السلام .