Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 102-103)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً } ؛ أي في المدينة قَومٌ آخَرون أقَرُّوا بذنوبهم ، خَلطوا عَملاً صالحاً بعملٍ سيِّء ؛ أي تخلَّفوا عن الغزو ثم تابوا ، ويقال : خرَجُوا إلى الجهادِ مرَّةً وتخلَّفوا مرة ، فجمَعُوا بين العملِ الصالح والعمل السيِّء ، كما يقالُ : خَلَطَ الدنانيرَ والدراهمَ ؛ أي جمعَها ، وخلطَ الماء واللَّبنَ ؛ أي أحدَهما بالآخرِ . وقولهُ تعالى : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ؛ أي يتجاوزَ عنهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } ؛ لِمَا سلفَ من ذُنوبهم { رَّحِيمٌ } ؛ بهم إذ قََبلَ توبتَهم . وإنما ذكرَ لفظ ( عَسَى ) ؛ ليكون الإنسانُ بين الطمعِ والإشفاق ، فيكون أبعدَ من الاتِّكالِ والإهمالِ . قال ابنُ عبَّاس : " نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي لُبَابَةَ بْنِ الْمُنْذِر وأوْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَوَدِيعَةَ ابْنِ حُذامٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَكَانُوا عَشْرَةَ أنْفُسٍ ، تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ مَا أنْزَلَ الله عِنِ الْمُتَخَلّفِينَ نَدِمُوا عَلَى صَنِيعِهِمْ ، فَرَبَطَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أنْفُسَهُمْ عَلَى سَوَاري الْمَسْجِدِ ، وَأقْسَمُواْ أنْ لاَ يَحُلُّوا أنْفُسَهُمْ حَتَّى يَكُونَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم الَّذي يَحُلُّهُمْ ، وَكَانُوا لاَ يَخْرُجُونَ إلاَّ لِحَاجَةٍ لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا . وَكَانُواْ عَلَى ذلِكَ حَتَّى قَدِمَ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَأُخْبرَ بأَمْرِهِم ، فَقَالَ : صلى الله عليه وسلم : " وَأنَا لاَ أحُلُّهُمْ حَتَّى أؤْمَرَ بهِمْ " فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فَعَرَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ( عَسَى ) مِنَ اللهِ وَاجِبةٌ ، وَأمَرَ بحَلِّهِمْ وَانْطَلَقُواْ إلَيْهِ ، وَقَالُواْ : هَذِهِ أمْوَالُنَا الَّتِي خَلَّفَتْنَا عَنْكَ ، فَخُذْهَا فَتَصَدَّقْ بهَا عَنَّا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا أُمِرْتُ فِيْهَا بشَيْءٍ " فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : قَوْلُهُ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ؛ ظاهرُ الآية يقتضي رجوعَ الكنايةِ في قولهِ : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي المذكُورين ، وقيلَ : وهمُ الذين اعترَفُوا بذنوبهم ، إلاَّ أنَّ كُلَّ حُكمٍ حَكَمَ اللهُ ورسولهُ في شخصٍ مِن عبادهِ ، فذلك الحكمُ لازمٌ في سائرِ الأشخاصِ ، إلاَّ ما قامَ دليلٌ التخصيصِ به . وَقِيْلَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } ابتداءٌ ذُكِرَ لجميعِ المسلمين لدلالةِ الحال على ذلك وإنْ لم يتقدَّم ذكرُ المسلمين كقوله تعَالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] يعني القُرْآنَ . ومعنى الآية : تُطهِّرُهم عن الذنوب وتُزَكِّيهم بها ؛ أي تُصلِحُ أعمالَهم . وَقِيْلَ : معناهُ : تُطهِّرُهم أنتَ بها من دَنَسِ الذُّنوب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } ؛ أي استغفِرْ لهم وَادْعُ لَهم ، { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ } ؛ أي إنَّ دعاءَكَ واستغفارَكَ طمأنينةٌ ، { لَّهُمْ } ؛ في أنَّ الله يقبَّلُ توبتَهم ، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } ؛ بمقالتِهم ، { عَلِيمٌ } ؛ بنِيَّاتِهِمْ وثوابهم .