Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 112-112)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقولهُ تعالى : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } ؛ في الآيةِ قَولان : أحدُهما : أن قوله { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ } رُفِعَ بالابتداء ، كأنهُ قال : التائبون العابدون … إلى آخر الآيةِ لَهم الجنةُ أيضاً ؛ أي مَن قعدَ عن الجهادِ غيرَ مُؤَازِرِ ولا قاصدٍ تركه ، وهو على هذه الصِّفة في هذهِ الآية فله الجنَّة . والقولُ الثاني : أنّ قولَهُ { ٱلتَّائِبُونَ } يدلُّ على المقاتِلين ، كأنه قال : المقاتِلُون التائبون العابدون ، ويجوزُ أنْ يكون قولهُ : { ٱلتَّائِبُونَ } رفعاً على المدحِ ، أي هم التائبون من الشِّرك والذُّنوب ، المطيعون للهِ { ٱلْحَامِدُونَ } الذين يحمَدون اللهَ تعالى على كلِّ حالٍ ، { ٱلسَّائِحُونَ } الصَّائِمُونَ . كما رُوي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سِيَِاحَةُ أُمَّتِي الصَّوْمُ " وإنما سُمي الصَّائم سَائحاً تشبيهاً بالسائحِ في الأرض ؛ لأن السائحَ ممنوعٌ من الشَّهوات ، فكذلك الصائمُ . قال الحسنُ : ( أرَادَ السَّائِحينَ صَوَّامِي شَهْرِ رَمَضَانَ ) ، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى عليه وسلم : " السَّائِحُونَ الصَّائِمُونَ " وسُئل سعيدُ بن جبير عن السائحين فقالَ : ( هُمُ الصَّائِمُونَ ) ، وقال الشاعرُ : @ بَرّاً يُصَلِّي لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ يَظَلُّ كَثِيرَ الذِّكْرِ للهِ سَائِحاً @@ أي صائماً . وقال الحسنُ أيضاً : ( السَّائِحُونَ الَّذِينَ يَصُومُونَ عَنِ الْحَلاَلِ وأَمْسَكُواْ عَنِ الْحَرَامِ ، وَهَاهُنَا وَاللهِ أقْوَامٌ رَأيْنَاهُمْ يَصُومُونَ عَنِ الْحَلاَلِ ، وَلاَ يُمْسِكُونَ عَنِ الْحَرَامِ ، وَاللهُ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ ) ، وقال عطاءُ : ( السَّائِحُونَ هُمُ الْغُزَاةُ وَالْمُجَاهِدُونَ ) . وسئل عكرمةُ عن قولِه تعالى : { ٱلسَّائِحُونَ } فقال : ( طَلَبَة الْعِلْمِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ } أي الذين يؤَدُّون ما فرضَ اللهُ عليهم من الرُّكوع والسجودِ المفروضة ، وقولهُ تعالى : { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي الآمِرون بالإيمانِ والنَّاهون عن الشِّرك . وَقِيْلَ : معناهُ : الآمِرُون بكلِّ معروفٍ ، والناهون عن كلِّ منكرٍ . وإنما ذُكر الناهون بالواو وبخلاف ما سبقَ ؛ لأن النهيَ عن المنكرِ لا يكادُ يُذْكَرُ إلا وهو مقرونٌ بالأمرِ بالمعروف ، فدخلَ الواوُ ليدُلَّ على المقارنةِ . والمعروفُ : هو السُّنة ، والمنكرُ : هو البدْعَةُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } ؛ عُطِفَ على ما تقدَّم . وَقِِيْلَ : المرادُ بهم جميعُ المذكورين من أوَّل الآيةِ إلى هذا الموضع ، وهذه الصِّفة من أتَمَّ ما يكون من المبالغةِ في وصفِ العباد بطاعتهِ لله ، والقيامِ بأوامره والانتهاءِ عن زواجرهِ ؛ لأن اللهَ تعالى بيَّن حدودَهُ في الأمرِ والنهي وفي ما نَدَبَ إليه فرغَّب فيه أو خيَّر فيه ، وبيَّن ما هو الأَولى في مجرَى طاعةِ الله تعالى ، فإذا قامَ العبدُ بفرائضِ الله وانتهَى إلى ما أرادَ الله منه كان من الحافظِين لحدودِ الله ، كما رُوي عن خلفِ بن أيُّوب : أنَّهُ أمَرَ امْرَأَتَهُ أنْ تُمْسِكَ إرْضَاعَ وَلَدِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَقَالَ : قَدْ تَمَّتْ لَهُ سَنَتَانِ ، قِيْلَ لَهُ : لَوْ تَرَكْتَهَا حَتَّى تُرْضِعَهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ، قَالَ : فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ؛ أي بشِّرهُم بالجنةِ .