Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 25-25)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } ؛ وذلك أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ من مكَّة بَعْدَ مَا فَتَحَها ، وَكَانَ انْفِتَاحُها فِي بَقِيَّةِ أيَّامِ رَمَضَانَ ، فَمَكَثَ بهَا حَتَّى دَخَلَ شَوَّالُ مُتَوَجِّهاً إلَى حُنَينٍ ، وَبَعَثَ رَجُلاً مِنْ بَنِي سُلَيمٍ عَيْناً لَهُ يُقَالُ لَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أبِي حَدْرَدَ ، فَأَتَى حُنَيناً فَكَانَ بَيْنَهُمْ يَسْمَعُ أخْبَارَهُم ، فَسَمِعَ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ لأَصْحَابهِ : أنْتُمُ الْيَوْمَ أرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ ، فَإذا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ فَاحْمِلُواْ عَلَيهِمْ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، فَوَاللهِ لاَ تَضْرِبُونَ بأَرْبَعَةِ آلاَفِ سَيْفٍ شَيْئاً إلاَّ أفْرَجَ لَكُمْ . وَكَانَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ عَلَى هَوَازن ، وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلِ عَلَى ثَقِيفٍ ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أبي حَدْرَدَ حَتَّى أتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بمَقَالَتِهِمْ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَجِّهاً إلَيهِمْ فِي عَشْرَةِ آلاَفِ رَجُلٍ ، كذا قال الكلبيُّ . وقال مقاتلُ : ( كَانُوا أحَدَ عَشَرَ ألْفاً وَخَمْسَمِائَةٍ ) ، وقال قتادةُ : " خَرَجَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى حُنَينٍ لِقِتَالِ هَوَازنَ وَثَقِيف فِي اثْنَي عَشَرَ ألْفاً مِنَ المُهَاجِرينَ وَالأَنْصَار ، وَألْفَيْنِ مِنَ الطُّلَقَاءِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلاَمةَ : يَا رَسُولَ اللهِ لاَ نُغْلَبُ الْيَومَ مِنْ قِلَّةٍ ، فَسَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَتُهُ وَابْتَلَى اللهُ الْمُسْلِمِينَ بذَلِكَ ، فَلَمَّا الْتَقَواْ حَمَلَ الْعَدُوُّ عَلَيهِمْ حَمْلَةَ وَاحِدٍ ، فَلَمْ يَقُومُواْ لَهُمْ حَلْبَ الشَّاةِ أنِ انْكَشَفُواْ وَتَبعَهُمُ الْقَوْمُ فِي أدْبَارِهِمْ . وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَأبُو سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ يَقُودُ بهِ ، وَالْعَبَّاسُ أخَذَ بالثَّغْرِ ، وَحَوْلَ رَسُولِ اللهِ يَوْمَئِذٍ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَانْهَزَمَ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ ، فَجَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُرَكِّضُ بَغْلَتَهُ نَحْوَ الْكُفَّارِ لا يَأْلُ ، وَكَانَتْ بَغْلَتُهُ شَهْبَاءَ وَهُوَ يُنَادِي : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَيَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ إلَيَّ ، أيْنَ أصْحَابُ الصُّفَّةِ " أيْ أصْحَابُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَكَانَ الْعَبَّاسُ يُنَادِي : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، أيْنَ الَّذِينَ بَايَعُواْ تَحْتَ الشَّجْرَةِ ، يَا مَعْشرَ الَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُواْ ، هَلُمُّواْ فَإنَّ هَذَا رَسُولُ اللهِ . وَكَانَ الْعَبَّاسُ صَيِّتاً جَهُوريَّ الصَّوْتِ ، يُروَي أنَّهُ مِنْ شِدَّةِ صَوْتِهِ أنَّهُ أُغِيرَ يَوْماً عَلَى مَكَّةَ فَنَادَى وَاصُبْحَاهُ ، فَأَسْقَطَتْ كُلُّ حَامِلٍ سَمِعَتْ صَوْتَهُ . فَلَمَّا صَاحَ بالْمُسْلِمِينَ عَطَفُواْ حِينَ سَمِعُواْ صَوْتَهُ عَطْفَةَ الْبَقَرِ علَى أوْلاَدِهَا ، وَقَالَ : لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ، وَجَاؤُا عُنُقاً وَاحِداً لِنَصْرِ دِينِ اللهِ ، وَأقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَأظْهَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ ، وَحَمِيَ الْوَطِيسُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ يَتَطَاوَلُ إلَى قِتَالِهمْ ، ثُمَّ أَخَذَ كَفّاً مِنَ الْحَصَى فَرَمَاهُمْ بهِ وَقَالَ : " شَاهَتِ الْوُجُوهُ ، انْهَزَمُواْ وَرَب الْكَعْبَةِ " فَوَاللهِ مَا زَالَ أمْرُهُمْ مُدْبراً وَجَدُّهُمْ كَلِيلاً ، وَهَرَبَ حِينَئِذٍ آمِرُهُمْ مَالِكُ بْنُ عُوْفٍ " . وقال أبي اسحاق : " قُلْتُ لِلْبَرَاءِ : هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ مُوَلِّياً ؟ قَالَ : لاَ وَالَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ ، مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دُبُراً قَطُّ ، وَلَقَدْ رَأيْتُهُ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءَ يَرْكُضُ نَحْوَ الْكُفَّارِ وَهُوَ يَقُولُ : " أنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ ، أنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ " ثُمَّ قَالَ لِلعَبَّاسِ : " نَادِ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَار ، يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ " فَعَطَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مُسْرِعِينَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْمُشْرِكِينَ وَنَصَرَ الْمُسْلِمِينَ " . قال سعيدُ بن جُبير : ( أمَدَّ اللهُ نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم بخَمْسَةِ آلاَفِ ملَكٍ ) ، وقال الحسن ومجاهدُ : ( كَانوُا ثَمَانِيَةَ آلاَفٍ ) ، قال قتادةُ : ( كَانُوا سِتَّةَ عَشَرَ ألْفاً ) ، وقال سعيدُ بن جبير : " حَدَّثنِي رَجُلٌ كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ، قَالَ : لَمَّا الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَأصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقِفْ لَنَا حَلْبَ شَاةٍ ، فَلَمَّا كَشَفْنَاهُمْ جَعَلْنَا نَسُوقُهُمْ حَتَّى انْتَهَيْنَا إلَى صَاحِب الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ - يعني - النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَقَّانَا رَجالٌ بيضُ الثِّيَاب حِسَانُ الْوُجُوهِ ، فَقَالُواْ : شَاهَتِ الْوُجُوهُ ارْجِعُوا ، فَرَجَعْنَا وَرَكِبُواْ أكْتَافَنَا فَكَانَتْ ايَّاهَا " يَعِنْي الْمَلاَئِكَةَ . ورُوي أن الملائكةَ قاتَلت يومئذ ، في الخبر : أنَّ رُجلاً من بني نَضْرِ بن معاوية قال للمؤمنين وهو في أيدِيهم : أينَ الخيلُ البُلْقُ ؟ والرجالُ عليهم الثياب البيضُ ؟ ما كنَّا نراكم فيهم إلاَّ كهَيئةِ الشَّامة ، وما كان قتلُنا إلا بأيدِيهم ، فأخبَرُوا بذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال : " تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ " . قالَ : " فلما هربَ أميرُ المشركين مالكُ بن عوف انْهزمَ المشركون وولُّوا مُدْبرِين ، وانطلقَ المسلمون حتى أتَوا أوْطَاساً بها عيالُ المشركين وأموالُهم ، فبعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين رجُلاً من الأشعريِّين أمَّرَهُ عليهم يقالُ له أبو عامرٍ ، فسارَ معهم إلى أوطَاس فقاتلَ أهلَها حتى هزمَهم اللهُ وسبَى المسلمون عيالَ المشركين ، وهربَ مالك ابن عوفٍ حتى أتَى إلى الطائفِ فتحصَّنَ بها ، وأُخِذَ مالهُ وأهله في مَن أُخِذَ ، وقُتِلَ أبو عامر رضي الله عنه . ثم أتَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الطائفَ فحاصرَهم بقيَّة ذلك الشهرِ ، فلما دخلَ ذو القعدةِ وهو شهرٌ حرام لا يحلُّ فيه القتالُ ، رجعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى الْجُعْرَانَةِ فأحرمَ منها بعُمرةٍ ، وقسَّم بها السَّبيَ والمالَ وغنائمَ حُنَين وأوطاس . وتألَّفَ أناسٌ منهم أبو سُفيان بن حربٍ ، وسهلُ بن عمرو ، والأقرعُ بن حابس ، فأعطَاهُم وجعلَ يُعطي الرجلَ منهم الخمسينَ والمائة من الإبلِ ، فقالَ طائفةٌ من الأنصارِ : مَنَّ الرجلُ وآثرَ قَوْمَهُ بالعُجب ، إنَّ أسيافَنا تقطرُ من دمائِهم وغنائمُنا تُرَدُّ عليهم . فبلغَ ذلك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجمعَهم وقالَ : " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ ؟ " فَقَالُوا : هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ ، وَكَانُوا يَكْذِبُونَ ، فَقَالَ : " ألَمْ تَكُونُوا ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بي ؟ وَكُنْتُمْ أذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللهُ بي ؟ وَكُنْتُمْ وَكُنْتُمْ ؟ " . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : ائْذَنْ لِي أتَكَلَّمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " تَكَلَّمْ " قَالَ : أمَّا قوْلُكَ " كُنْتُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بي " بحَقٍّ كُنَّا كَذِلِكَ ، وَأمَّا قَوْلُكَ : " كُنْتُمْ أذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللهُ بي " فَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ أنَّهُ مَا كَانَ حَيٌّ مِنْ أحْيَاءِ الْعَرَب أمْنَعَ لِمَا وَرَاءَ ظُهُورهِمْ مِنَّا ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا سَعْدُ أتَدْري مَنْ تُكَلِّمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا عُمَرُ أُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فََقَالَ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَوْ سَلَكَتِ الأنْصَارُ وَادِياً وَسَلَكَتِ النَّاسُ وَادِياً لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنْصَار ، الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي ، فَاقْبَلُواْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وتَجَاوَزُواْ عَنْ مُسِيئِهِمْ " ثُمَّ قالَ : " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أمَا تَرْضَوْنَ أنْ يَنْقَلِبَ النَّاسُ بالشَّاةِ وَالإبلِ وَتَنْقَلِبُونَ برَسُولِ اللهِ إلَى بُيُوتِكُمْ ؟ " قَالُواْ : بَلَى رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ ، وَاللهِ مَا قُلْنَا ذَلِكَ إلاَّ مَحَبَّةً للهِ وَلِرَسُولِهِ ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذُرَانِكُمْ " . فلما قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قامَ خطيباً فقال : " أمَّا خَطِيبُ الأَنْصَار ؛ وَلَوْ قَالَ : كُنْتَ طَرِيداً فَآوَيْنَاكَ ، وَكُنْتَ خَائِفاً فآمَنَّاكَ ، وَكُنْتَ مَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ ، وَكُنْتَ وَكُنْتَ ، لَكَانَ قَدْ صَدقَ " فَبَكَتِ الأَنْصَارُ " ، وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن أفتتحَ عامَّة الشام . َقَوْلُهُ تَعَالَى : { فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } أي لقد أعانَكم اللهُ على أعدائِكم في مواضعَ كثيرةٍ من قتالِ بدرٍ وحرب بني قُريظة والنَّضير وحُنَين وفتحِ مكة . قولهُ : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } أي وأعانَكم يومَ حُنين ، وحُنَينُ : اسمُ وادٍ بين مكَّة والطائف ، وأُضِيفَ اليومُ إلى حُنين لوقوعِ الحرب يومئذٍ بها . وقولهُ تعالى : { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } إذ سرَّتكُم ، والإعجابُ هو السُّرورُ والتعجُّبُ ، فلم تُغْنِ عنكم كَثرَتُكم شيئاً ولا دفعت عنكم سوءاً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } ؛ أي ضاقَتْ عليكم الأرضُ مع سِعَتها من خوفِ العدوِّ ، فلم تجدوا موضِعاً للفرار إليه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } ؛ أي أعرَضتُم مُنهَزمِين لا تَلْوُونَ على أحدٍ . والإدبارُ الذَّهابُ إلى الخلفِ .