Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 36-36)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ؛ معناهُ : إن عِدَّة الشُّهور التي تتعلَّقُ بها الأحكامُ من الحجِّ والعُمرة والزكاةِ والأعياد وغيرها اثنَا عشرَ شهراً على منازِل العُمرة ، تارةً يكون الحجُّ والصومُ في الشِّتاء ، وتارةًّ في الصيفِ على اعتبار الأهِلَّة . وقوله تعالى : { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } يعني اللَّوحَ المحفوظَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } إنَّما قال ذلِكَ ؛ لأن اللهَ تعالى أجرَى الشمسَ والقمر في السَّماوات يوم خلَقَ السماواتِ والأرض . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ؛ واحدٌ فَرْدٌ وهو رَجَبْ وثلاثةُ سُرْدٌ متتابعةٌ ، وهي ذو القعدة وذو الحجَّة والمحرَّم ، سماها حُرُماً لعِظَمِ انتهاكِ حُرْمَتها ، كما خُصَّ الْحَرَمُ بمثلِ ذلك ، وكانت العربُ تُعظِّمُها وتحرِّمُ القتالَ فيها حتى أن الرجلَ لو لَقِيَ قاتلَ أبيهِ أو أخيه فيها لم يُهجِْهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ؛ أي في أشهرِ الْحُرُمِ بالعملِ بالمعصية وتركِ الطاعة . وَقِيْلَ : باستحلال القتلِ والغَارَةِ . وَقِِيْلَ : معناهُ : ولا تجعلوا حَلاَلها حَراماً ، ولا حرَامها حَلاَلاً ، والذنبُ والظلم فيهن أعظمُ من الظلم فيما سواهنَّ . ويقالُ : معناه : فلا تظلِمُوا في الاثني عشرِ الشهر أنُفسَكم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي ذلك الحسابُ المستقيم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } ويجوزُ أن يكون الكافَّة راجعةً إلى المسلمينَ ؛ أي قاتِلُوا جميعاً ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } أي كما يُقاتِلونَكم أي جميعاً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } ؛ أي معهم بالنُّصرة . واختلفَ العلماءُ في حُرمةِ القتالِ في الأشهُرِ الْحُرُمِ ، فقالَ بعضُهم : لا يجوزُ القتال فيها والغارةُ لأن اللهَ سَمَّاها حُرُماً فيكون قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } دَليلاً على جواز القتال فيها على وجهِ الدَّفع . وذهبَ أبو حنيفةَ وأصحابهُ إلى أن القتالَ فيها جائزٌ ، والمرادُ بقوله : { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } تعظيمُ انتهاكِ حُرمَتِها بالظلمِ والفساد فيها ، وتعظيمُ ثواب الطاعة التي يفعلُ فيها . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } يدلُّ على أنَّ اللهَ أخرجَ هذه الأشهرَ الحرم من أن تكون حُرماً . وفي باب الجهادِ دليلاً تقديراً آخر أن أحدَ الجهاد داخلٌ تحت قوله : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } وكان اللهُ تعالى مَيَّزَ الجهادَ من الظلمِ الذي هو إقدامٌ على النُّفوس والأموالِ ، وقوله تعالى : { كَآفَّةً } منصوبٌ على الحالِ . قال قتادةُ وعطاء : ( كَانَ الْقِتَالُ كَثِيراً فِي الأشْهُرِ الْحُرُمِ ، ثُمَّ نُسِخَ وَأحِلَّ فِيْهِ بقَوْلِهِ : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } يَِعْنِي فِيْهنَّ وَفِي غَيْرِهِنَّ ) . وقال الزهريُّ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّمُ الْقِتَالَ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، مِمَّا أنْزَلَ اللهُ مِنْ تَحْرِيمِ ذلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ بَرَاءَةُ ، وَأحِلَّ قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ ) . وقال سفيانُ الثوريُّ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْقِتَالِ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، قَالَ : ( لاَ بَأْسَ بالْقِتالِ فِيهِنَّ وَفِي غَيْرِهِنَّ ؛ لأَنََّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم غَزَا هَوَازنَ وَحُنَيْياً وَثقِيفاً بالطَّائِفِ وَحَاصَرَهُمْ فِي الشَّوَّالِ وَبَعْضِ ذِي الْقِعْدَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أنَّ حُرْمَةَ الْقِتَالِ فِيْهَا مَنْسُوخٌ ) .