Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 40-40)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } ؛ " وذلك أنَّ كفارَ مكَّة لَمَّا أرادُوا قتلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أخبرَهُ جبريلُ بذلك وأمرَهُ بالخروجِ ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ : " نَمْ مَكَانِي عَلَى الْفِرَاشِ " وخرجَ مع أبي بكرٍ رضي الله عنه إلى غار جبَلِ ثَورٍ - وهو جبلٌ بأسفلِ مكَّة - ومشَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على أطرافِ أصَابعهِ حتى حَفِيَتْ ، فلمَّا رآهُ أبو بكرٍ رضي الله عنه وجعلَ يستندُ به حتى أتَى فمَ الغار ، وكان الغارُ مَقرُوناً بالْهَوَامِّ ، فلما أرادَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دخولَ الغارِ قال له أبُو بكرٍ رضي الله عنه : مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أسْتَبْرِئَ الْغَارَ . فدخلَ واستبرأهُ وجعلَ يُسَوِّي الْجُحْرَةَ بثيابهِ خِشيَةَ أن يخرجَ منها شيءٌ يؤذِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فبَقِيَ جُحْرَانِ فوَضَعَ عَقِبَهُ عليهما ثم قال : إنْزِلْ يَا رَسُولَ اللهِ ، فنَزلَ فكانا في الغار ليلتَهما . فدخلَ الكفِّارُ على عِليٍّ رضي الله عنه فقالوا لَهُ : يا عليُّ أين مُحَمَّدٌ ؟ فقالَ : لاَ أدْري أيْنَ ذهَبَ ، فطلبوهُ من الغدِ واستأجَرُوا رجُلاً يقال له كَرْزُ بن علقمةَ الجرَّاح ، فَقَفَا لهما الأثرَ حتى انتهَى بهم إلى جبلِ ثَورٍ ، فقالَ : انتهينا إلى هنا وهذا أثرهُ فما أدري أينَ أخذَ يَميناً أو شمالاً أو صعدَ الجبلَ ، فصَعَدُوا الجبلَ يطلبونَهُ ، وأعمَى اللهُ عليهم مكانَهُ فلم يهتَدُوا إليه . فقامَ رجلٌ منهم يبولُ مستقبلاً رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبَا بكرٍ بعورتهِ ، فقال أبُو بكرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا أرَاهُ إلاَّ قَدْ أبْصَرَنَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم " لَوْ أبْصرَنَا مَا يَسْتَقْبلُنَا بعَوْرَتِهِ " . وأقبلَ شبابُ قريشٍ من كلِّ بطنٍ ، معهم عِصِيُّهم وقِسيُّهم حتى رَأوا بابَ الغار ، وكان صلى الله عليه وسلم مرَّ على ثُمامَةٍ وهي شجرةٌ صغيرة ضعيفة فأمرَ أبا بكرٍ أن يأخُذَها معه ، فلما سارَ إلى باب الغار أمرَهُ أن يجعلَها على باب الغار ، وألْهَمَ اللهُ العنكبوتَ فنسجَتْ حتى ستَرت وجهَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبَهُ ، وبعثَ اللهُ حمامَتين وحشِيَّتين فأقبَلتا حتى وقعتَا على باب الغار بين العنكبوتِ وبين الشجرة ، فلما رأى المشركون الشجرة والحمامةَ ، ونسجَ العنكبوتِ علِمُوا أنْ ليس في الغار أحدٌ ، وكان أبو بكرٍ يقولُ : يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أتِيْنَا وَمَا أنا إلاَّ رجُلٌ وَاحدٌ ، فَإنْ قُتِلْتَ أنْتَ تَهْلَكُ هَذِهِ الأُمَّةُ فَلاَ يُعْبَدُ اللهُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ ، فقال : " لاَ تَحْزَنْ يَا أبَا بَكْرٍ إنَّ اللهَ مَعَنَا " . ثم نزلَ المشركون من الجبلِ ، ولم يقدِرُوا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فمكثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالغارِ ثلاثةَ أيَّامٍ وليالِيهنَّ ، وكان عبدُاللهِ بن أبي بكرٍ يأتِيهما بأخبارِ أهل مكَّة ، فلما أمِنَا طلبَ " القوم " وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بالهجرة إلى المدينةِ ، فاستأجرَ رجُلاً يقالُ له عبدُالله بن أُرَيقِطْ يَهدِيهم الطريقَ إلى المدينةِ فخرجَ بهما إلى المدينةِ ، فسَمِعَ سُراقَةُ بن مالك بن مقسم الكِنَانِي بخرُوجهِ إلى المدينةِ ، فلَبسَ لاَمَتَهُ وركِبَ فرسَهُ يتَّبعُ آثارَهم حتى أدركَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فدعَا عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَاخَتْ قوائمُ فرسهِ ، فقالَ : يَا مُحَمَّدُ أُدْعُ اللهَ أنْ يُطْلِقَ عَلَيَّ فَرَسِي فَأَرْدُّ عَنْكَ مَنْ أرَى مِنْ النَّاسِ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ إنْ كَانَ صَادِقاً فَأطْلِقْ فَرَسَهُ " فرجعَ سُراقة وقَدِمَ أبو بكرٍ رضي الله عنه مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتى أتيَا المدينة " هكذا رُويَ وفي هذا قصَّةٌ طولةٌ . ومعنى الآية : ألاَّ تنصُروا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم في الخروجِ معه إلى تَبُوكِ فاللهُ ينصرهُ كما نصرَهُ إذ أخرجَهُ الكفارُ من مكَّة وهو ثانِيَ اثنينِ ، أي لم يكن معَهُما غيرُهما ، وقولهُ تعالى { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } نُصِبَ على الحالِ ؛ أي وهو أحدُ اثنين . وقولهُ تعالى : { إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } ؛ أرادَ به غارَ ثَوْرٍ حين خرجَا إليه ، والغارُ النُّقْبُ الذي يكونُ في الجبلِ ، وقولهُ تعالى : { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } ؛ معناهُ : إذا يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ : لا تحزَنْ على قََتلِي وذهاب الإسلامِ إنَّ اللهَ يحفَظُنا ويدفعُ شرَّ المشركين عنَّا . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } ؛ أي أنزلَ طُمَأنِينَةً على رسولهِ حتى سَكَنَ واطمأنَّ . ويقالُ : أنزلَ سَكِينَتَهُ على صاحبهِ أبي بكر رضي الله عنه ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لنا سَكَناً ، وقولهُ تعالى : { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } ؛ معناهُ : أعانَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وقَوَّاهُ يومَ بدرٍ والأحزاب وحُنين بجنودٍ لم تُعاينُوهَا وهم الملائكةُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } ؛ أي وجعلَ كلمةَ الشِّركِ مغلوبةً مذمومة ، وجعلَ أهلَها أذِلَّةً أسْفَلِينَ ، وقولهُ تعالى : { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } ؛ أي وجعلَ كلمةَ التوحيدِ هي الكلمةُ العالية الممدُوحَةُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ؛ أي مَنِيعٌ بالنِّقمة ممن عصَاهُ وما حكمَ به من أمرهِ .