Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 60-60)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالى : { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } ؛ قال ابنُ عبَّاس والحسن وجابر بن زيد والزهريُّ ومجاهد : ( الْفَقِيرُ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لاَ يَسْأَلُ النَّاسَ ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ ) . ومعنى الآية : إنَّما الصدقاتُ لهؤلاءِ المذكورين لا للمنافقين . قال ابنُ عبَّاس : ( الْفُقَرَاءُ هُمْ أصْحَابُ الصُّفَّةِ ، صُفَّةُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانُوا نَحْوَ أرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَازِلُ فِي الْمَدِينَةِ وَلاَ عَشَائِرُ ، فَأَوَوْا إلَى صُفَّةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ، يَلْتَمِسُونَ الرِّزْقَ بالنَّهَارِ وَيَأْوُونَ إلَيْهِ باللَّيْلِ ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أتَاهُمْ بهِ إذا أمْسَواْ ) . قالَ : ( وَالْمَسَاكِينُ هُمُ الطَّوَّافُونَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ ) . فعلى هذا المسكين أفقرُ من الفقيرِ ، ومن الدليلِ على ذلك أنَّ الله قالَ : { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 273 ] ثم قال : { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ } [ البقرة : 273 ] ، ومعلومٌ أن الجاهلَ بحالِ الفقير لا يحسبهُ غَنيّاً إلاَّ وله ظاهرٌ جميل ويدهُ حَسَنةٌ ، وقال تعالى : { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } [ البلد : 16 ] . قيل في التفسير : الذي قد لَصَقَ بالتُّراب وهو جائعٌ عارٍ ليس بينه وبين التراب شيءٌ يَقيه . وقال أبو العبَّاس ثعلب : ( حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أهْلِ اللُّغَةِ أنَّهُ قَالَ : قُلْتُ لأَعْرَابيٍّ : أفَقيرٌ أنْتَ ؟ قَالَ : لاَ ؛ بَلْ مِسْكِينٌ . وأنشدَ الأعرابيُّ : @ أمَّا الْفَقِيرُ الَّتِي كَانَتْ حُلُوبَتُهُ وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ @@ فَسَمَّاهُ فَقِيراً مَعَ وُجُودِ الْحُلُوبَةِ ) . وقال محمَّد بن مَسلمة : ( الْفَقِيرُ الَّذِي لاَ مِلْكَ لَهُ ) قال : ( وَكُلُّ شَيْءٍ مُحْتَاجٍ إلَى شَيْءٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ ) ، واحتجَّ مَن قال : إن الفقيرَ أفقرُ من المسكينِ بقوله تعالى : { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ } [ الكهف : 79 ] فأضافَ السفينةَ إليهم ، وهذا لا دلالةَ فيه لأنه رُوي أنَّهم كانوا فيها أُجَراءَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } ، يعني السُّعَاةَ الذين يجلِبون الصَّدقَةَ ، ويتوَلَّون قبضَها من أهِلها ، يُعطون منها سواءٌ كانوا أغنياءَ أم فقراء ، واختلَفُوا في قَدْر ما يُعطَون ، قال الضحَّاك : ( يُعْطَوْنَ الثُّمُنَ مِنَ الصَّدَقَةِ ) ، وقال مجاهدُ : ( يَأْكُلُ الْعُمَّالُ مِنَ السَّهْمِ الثَّامِنِ ) ، وقال عبدُالله بن عمرِو بن العاص : ( يُعْطَوْنَ عَلَى قَدْرِ عَمَالَتِهِمْ ) ، وقال الأعمشُ : ( يُعْطَونَ بقَدْرِ أُجُور أمْثَالِهِمْ وَإنْ كَانَ أكْثَرَ مِنَ الثُّمُنِ ) ، وقال مالكُ وأهلُ العراقِ : ( إنَّمَا ذلِكَ لِلإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ يُعْطِيهِمُ الإمَامُ قَدْرَ مَا رَأى ) ، وعن ابنِ عمر : ( يُعْطَوْنَ بقَدْرِ عَمَلِهِمْ ) ، وعند الشافعيِّ : ( يُعْطَوْنَ ثُمُنَ الصَّدَقَاتِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } ؛ هم قومٌ كان يُعطيهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتأَلَِّفُهم على الإسلامِ ، كانوا رُؤساءَ في كلِّ قبيلةٍ ، منهم أبو سُفيان بن حربٍ من بني أُمَيَّة ، والأقرعُ بن حَابسٍ ، وعقبةُ بن حصن الفزَّاري وغيرُهما من بني عامرِ بن لُؤي ، والحارثُ بن هشامِ المخزوميُّ ، وسهيلُ بن عمرو الجمحيُّ من بني أسَدٍ ، والعباسُ بن المرداسِ من بني سُليم ، فلما توُفِّيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جاءَ المؤلَّفة قلوبُهم إلى أبي بكرٍ وطلَبُوا منه سَهمَهم ، فأمَرَهم أن يكتبُوا كِتَاباً ، فجَاؤُا بالكتاب إلى عُمر رضي الله عنه ليشهدَ ، فقال عمر : إيْشُ هَذَا ؟ قَالُوا : سَهْمُنَا ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] إنَّ الإسْلاَمَ أجَلُّ أنْ يُرْسَى عَلَيْهِ . ثم أخذَ عمرُ كتابَهم ومَزَّقَهُ وقالَ : إنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ يُعطيكُمْ يَتَأَلَّفُكُمْ عَلَى الإِسْلاَمِ ، فَالْيَوْمَ فَقَدْ أعَزَّ اللهُ الإسْلاَمَ ، فَإنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإسْلاَمِ وَإلاَّ فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ . فَرَجَعُوا إلَى أبي بَكْرٍ وَقَالُواْ : أنْتَ الْخَلِِيفَةُ أمْ هُوَ ؟ ! فَقَالَ : هُوَ إنْ شَاءَ ! فَبَطَلَ سَهْمُهُمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَفِي ٱلرِّقَابِ } ؛ معناهُ عندَ أكثرِ الناس في فِكَاكِ الرِّقَاب وهم الْمُكَاتَبُونَ ، وذهبَ مالكٌ إلى أنَّهم رقابٌ يُبتَاعُونَ من الزَّكاة ويُعتَقُونَ ، فيكون ولاؤُهم لجميعِ المسلمين دون المعتِقين ، قال : ( وَلاَ يُعْطَى الْمُكَاتَبُ مِنَ الزَّكَاةِ وَلاَ مِنَ الْكَفَّارَاتِ شَيْئاً ) . وقد رُوي " أنَّ رجُلاً جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ : عَلِّمْنِي عَمَلاً يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : " فُكَّ الرَّقَبَةَ وَأعْتِقِ النَّسْمَةَ " قَالَ : أوَلَيْسَا سَوَاءً ؟ قَالَ : " لاَ ؛ فَكُّ الرَّقَبَةِ أنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا " ، فاقتضَى قوله تعالى { وَفِي ٱلرِّقَابِ } المعوضة في العِتْقِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْغَارِمِينَ } ؛ يعني الْمَدْيُونِينَ الذين لا يكون لهم فضلٌ نصاب على الدَّين ؛ لأنَّ المالَ وإنْ كان في أيدِيهم فهو مستحَقُّ أيدِيهم ، وقال مجاهدُ والزهري : ( إنَّمَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِلْمَدْيُونِينَ إذا كَانَ الدِّيْنُ قَدْ لَحِقَهُ بغَيْرِ إسْرَافٍ وَلاَ مَعْصِيَةٍ ) ، وقال قتادةُ : ( الْغَارِمُونَ هُمْ قَوْمٌ لَحِقَهُمْ دُيُونٌ فِي غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلاَ فَسَادٍ ) ، وعن مجاهدٍ : ( أنَّ الْغَارِمَ مَنِ احْتَرَقَ بَيْتُهُ ، أوْ ذهَبَ السَّيْلُ بمَالِهِ ، أوْ أدَانَ عَلَى عِيَالِهِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ؛ أرادَ به المجاهدِين إذا انقطَعُوا عن أزوادِهم وراحِلَتِهم ، وقال أبو يوسف : ( هُمُ الْفُقَرَاءُ الْغُزَاةُ ) ، وأما إذا كان الغازِي غنِيّاً اختلَفُوا فيه ، فقال أبو حنيفةَ وأبو يوسف ومحمَّد : ( لاَ يُعْطَى الْغَازِي الْغَنِيُّ ) ، وقال الشافعيُّ ومالك : ( يُعْطَى الْغَازِي الْغَنِيُّ ) وحُجَّتُهما قوله عليه السلام : " لاَ تَحِلُ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ : رَجُلٌ عَمِلَ عَلَيْهَا ، وَرَجُلٌ اشْتَرَاهَا بمَالِهِ ، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فأََهْدَى إلَيْهِ جَارُهُ ، وَفِي سَبيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبيلِ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } ؛ هو المسافرُ المنقطع عن مالهِ ، سُمِّي بذلك لملازمتهِ السَّبيل ، كما يقالُ : ابنُ الغَنِيِّ وابنُ الفقِيرِ ، قال مجاهدُ والزهري : ( لاِبْنِ السَّبيلِ حَقٌّ فِي الزَّكَاةِ وَإنْ كَانَ غَنِيّاً ) قال قتادةُ : ( ابْنُ السَّبيلِ هُوَ الضَّيْفُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } ؛ أي فَرَضَ اللهُ هذه الأشياءَ فريضةً ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } ؛ بمصالحِ عباده ، { حَكِيمٌ } ؛ في أفعالهِ . والفَرْضُ في ذكرِ الأصناف في هذه الآية بيانُ أنه لا يجوزُ إخراج الصَّدقة منهم إلى غيرِهم ؛ لأن الحاجةَ في جميعِ الأصناف المذكورين في هذه الآيةِ موجودةٌ ، ولأن مَن عليه الزكاةُ إذا حَمَلَ الزكاةَ بنفسهِ إلى الإمامِ لم يكن لأحدٍ مِن العمَّال في ذلك نصيبٌ . وقال الشافعيُّ : ( تُقْسَمُ الصَّدَقَةُ عَلَى الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الآيَةِ ، إلاَّ أنْ يُفْقََدَ صِنْفٌ فَيُقْسَمُ عَلَى الْبَاقِينَ ) . وَقِيْلَ : يقسمُ على أصلهِ على سبعةِ أصنافٍ ؛ لأن المؤلَّفة قد سقَطُوا ، قال : ( وَيُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الثَّمَانِيَةِ ثُلُثَهُ مِنْ أهْلِ كُلِّ صِنْفٍ ، فَإنْ أعْطَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ ثُلُثَ سَهْمٍ ) . واختلف العلماءُ في المقدارِ الذي إذا ملكَهُ رجلٌ دخلَ في حدِّ الغِنَى ، وخرجَ من حدِّ الفقرِ ، قال بعضُهم : إذا كان عندَ أهلهِ قوتُ يومِهم ، واستدلَّ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " " مَنْ سَأَلَ عَنْ ظَهْرِ غِنَى ، فَإنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا ظَهْرُ الْغِنَى ؟ قَالَ : " أنْ تَعْلَمَ أنَّ عِنْدَ أهْلِهِ مَا يُعَيِّشُهُمْ وَيُغَدِّيهِمْ " " . وقال بعضُهم : اذا مَلَكَ أربعين دِرْهماً أو عِدْلَها من الذَّهب ، واستدلَّ بما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَعِنْدَهُ أوْقِيَّةٌ أوْ عِدْلُهَا مِنَ الذَّهَب فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافاً " ، وكانت الأُوْقِيَّةُ يومئذٍ أربعِين درهماً . وقال بعضُهم : إذا مَلَكَ خَمسين درهماً أو عِدْلَهَا من الذهب لِمَا رُوي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " " لاَ يَسْأَلُ عَبْدٌ مَسْأَلَةً وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي وَجْهِهِ كُدُوحٌ أوْ خُدُوشٌ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا غِنَاهُ ؟ قَالَ : " خَمْسُونَ دِرْهَماً ، أوْ عِدْلُهَا مِنَ الذَّهَب " " . والصحيحُ : أنَّ مَن مَلَكَ مِائَتي درهمٍ أو عِدْلِها من فرضٍ أو غيرهِ فاضِلاً عن ما يحتاجُ إليه مِن مسكَنٍ وخادمٍ وأتَانٍ وفَرَسٍ ، لم تَحِلَّ له الصدقةُ لقولهِ عليه السلام : " إنِّي أُمِرْتُ أنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أغْنِيَائِكُمْ وَأرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ " فجعلَ الناسَ فريقين ، ولا خلاف أن الذي يملِكُ مِائَتي درهمٍ يكون غنيّاً ، فوجبَ أن لا يكون داخِلاً في الفُقَراء ، ولو كان الاعتبارُ بالضَّرورة لكان الذي له غداءٌ دون العَشَاءِ أو عَشَاءٌ دون الغَدَاءِ لا تحلُّ له الصدقةُ ، وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ " والفرَسُ في الكثيرِ الأحوال يُساوي اكثرَ من أربعين دِرْهماً .