Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 74-74)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( نَزَلَتْ فِي عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَي وَالْجَلاَّسِ بْنِ سُوَيدٍ وَعَامِرِ ابْنِ النُّعْمَانِ وَغَيْرِهِمْ ، كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ بتَبُوكَ وَسَمَّاهُمْ رجْساً ، فَقَالَ الْجَلاَّسُ : لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقّاً عَلَى إخْوَانِنَا فَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ ، فَسَمِعَهُ عَامِرُ بْنُ قَيْسِ ، فَقَالَ : أجَلْ وَاللهِ إنَّ مُحَمَّداً لَصَادِقٌ وَلأَنْتُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ . فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ أخْبَرَهُ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ بِمَا قَالَ الْجَلاَّسُ ، فَقَالَ الْجَلاَّسُ : يَكْذِبُ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ ! فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ أنْ يَحْلِفَانِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَحَلَفَا جَمِيعاً ، فَرَفَعَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أنْزِلْ عَلَى نَبيِّكَ وَبَيِّنِ الصَّادِقَ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " آمِينَ " فََأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةِ ) . ومعناها : يحلِفان المنافقون باللهِ ما تكلَّموا بكَلِمةِ الكُفرِ ولقد تكلَّموا بها وأظهَرُوا الكفرَ بعدَ إظهارِهم الإسلامَ . وَقِيْلَ : كفَرُوا بقولِهم ذلك بعدَ ما كانوا أسلَمُوا على زَعمِهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } ؛ أي قصَدُوا إلى ما لم يَصِلوا إلى ذلك ، والْهَمُّ بالشَّيءِ في اللُّغَة : مقاربته دون الوقُوعِ فيه ، قِيْلَ : إنَّهم كانوا هَمُّوا بقتلِ الذي أنكرَ عليهم قولَهم . وَقِيْلَ : معنى الآية : أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ إلى غزوةِ بَني الْمُصْطَلِقِ ، وقد جَمَعُوا له ليُقاتِلوا ، فالتَقَوا على مائِهم فهزَمَهم اللهُ وسَبَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبناءَهم ونساءَهم ورجعَ ، فلما نَزَلَ مَنْزِلاً في الطريقِ اختصمَ رجلٌ من أصحاب عبدِالله بن أبَيٍّ ورجلٌ من المخلصِينَ غَفَّاري يقالُ له جَهْجَاهُ ، فلطمَ الغفاريُّ صاحبَ عبدِاللهِ بن أُبَي ، فغضبَ عبدُالله وقالَ : مَا صَحِبْنَا مُحَمَّداً إلاَّ لِتُلْطَمَ ، ثم نظرَ إلى أصحابهِ قال : لقد أمرتُكم أن تكفُّوا طعامَكم عن هذا الرجلِ ومَن معه حتى يتفرَّقوا فلم يفعلوا ، واللهِ لئن رجَعنا إلى المدينةِ ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ، فقال الغفاريُّ : أتَقُولُ مِثْلَ هَذا ؟ ! وَاللهِ لَئِنْ شِئْتُ لأَلْطُمَنَّكَ ، قال عبدُاللهِ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ! فقال زيدُ بن أرقم وكان غُلاماً حديثَ السنِّ : يَا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّ رَسُولِهِ ، أتَقُولُ هَذا ؟ ! وَاللهِ لأُبَلِّغَنَّ رسُولَ اللهِ مَا قُلْتَ . ثم انطلقَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأعلمَهُ وعنده عمرُ رضي الله عنه ، فقال عمرُ : يَا رَسُولَ اللهِ مُرْ عَبَّادَ بْنَ قَشٍّ فَيَقْتُلَهُ ، فَقَالَ : " يَا عُمَرُ إذاً يُحَدِّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصْحَابَهُ " فبلغَ عبدَالله بن أُبَي ما قالَ زيدُ بن أرقم ، فمشَى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعه أشرافُ الأنصار يصَدِّقونه ويكذِّبون زيداً ويقولون : يُخْشَى أنْ يَكُونَ زيْدٌ قَدْ وَهِمَ ، وكان أبنُ أُبَيٍّ يحلفُ باللهِ ما قالَ ذلك ، فقالَ أُسَيْدُ : يَا رَسُولَ اللهِ ارْفِقْ بعَبْدِاللهِ ، فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالَى بكَ وَإنَّ قَوْمَهُ لَيُتَوِّجُونَهُ ، فَهُوَ يَرَى أنَّكَ سَلَبْتَهُ مُلْكاً عَظِيماً . فَسَاءَ رَسُولَ اللهِ يَوْمَهُ ذلِكَ حَتَّى أمْسَى ، وَلَيْلَتَهُ حَتَّى أصْبَحَ وَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِ ابْنِ أُبَيٍّ { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } وَنَزَلَ { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } . وقولهُ تعالى : { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } ؛ معناهُ : وما طَعَنُوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ إلاَّ أنْ أغنَاهم اللهُ من فضلهِ وأغناهم رسولهُ ، وذلك أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه سلم قَدِمَ إلى المدينةِ وكان أهلُها من شدَّة العيشِ لا يركبون الخيلَ ، ولا يحوزُونَ الغنيمةَ ، فلما قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ استغنَوا . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } ؛ أي إنْ يتُوبوا من النِّفاق يكن خيراً لَهم في الدُّنيا والآخرة ، { وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } وإنْ يُعرِضوا عن التوبةِ يُعذِبْهمُ اللهُ في الدنيا بالقتلِ ، ويقالُ بإظهارِ حالهم في الآخرةِ بالنارِ ، { وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ؛ أي وما لَهم في الأرضِ مِن حافظٍ يحفَظُهم ، ولا دافعٍ يدفعُ عنهم عذابَ اللهِ ، قال ابنُ عبَّاس : ( فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْجَلاَسُ بْنُ سُوَيدٍ : يَا رَسُولَ اللهِ أسْمَعُ اللهَ قَدْ عَرَضَ عَلَيَّ التَّوْبَةَ ، صَدَقَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ فِيْمَا قَالَ لَكَ ، وأَنَا اسْتَغْفِرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأتُوبُ إلَيْهِ . فَقَبلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ ) .