Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 17-21)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } ؛ أي سيُباعَدُ عنها التقيُّ ، { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } ؛ أي لم يفعَلْ مجازاةً لبرٍّ أسدِيَ إليه ولا لمثابةِ الدُّنيا ، ولكن أعطى ما أعطَى لطلب ثواب الله ورضاهُ ، ولسوفَ يُعطيهِ اللهُ في الآخرة من الثواب حتى يرضَى . قِيْلَ : إنَّ قولَهُ { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } إلى آخرِ السُّورة نزَلت في أبي بكرٍ رضي الله عنه ، حدَّثَنا هشامُ بنُ عروة عن أبيهِ : ( ( أنَّ أبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أعْتَقَ سَبْعَةً ، كُلُّهُمْ كَانُوا يُعَذبُونَ فِي اللهِ تَعَالَى ، وَهُمْ : بلاَلُ ؛ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ شَهِدَ بَدْراً وَأُحُداً وَقُتِلَ يَوْمَ بئْرِ مَعُونَةَ شَهِيداً . وأمُّ عُمَيس وَزَنِيرَةَ ، فَأُصِيبَ بَصَرُهَا حِينَ أعْتَقَهَا ، فَقَالَتْ قُرَيْشُ : مَا أذْهَبَ بَصَرَهَا إلاَّ اللاَّتُ وَالْعُزَّى ! فَقَالَتْ : كَذبُوا وَثَبَّتَها اللهُ ، فَرَدَّ اللهُ بَصَرَهَا . وَأعْتَقَ النَّهْدِيَّةَ وَابْنَتَهَا ، وَكَانَتَا لاِمْرَأةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّار ، وَمَرَّ بجَاريَةِ بَنِي مُؤَمَّلٍ حَيّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب يُعَذِّبُهَا لِتَرْكِ الإسْلاَمِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ ، فَاشْتَرَاهَا أبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهَا . فَأَمَّا بلاَلٌ فَكَانَ لِبَعْضِ بَنِي جَمْحٍ مُوَلَّداً مِنْ مُوَلَّدِيهِمْ وَهُوَ بلاَلُ بْنُ رَبَاح ، وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ حَمَامَةٌ ، وَكَانَ صَادِقَ الإسْلاَمِ طَاهِرَ الْقَلْب ، وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْجَمْحِيُّ يُخْرِجُهُ إذا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ فَيَطْرَحُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ ، ثُمَّ يَأْمُرُ بالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ ، فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرهِ ، وَيُقَالُ لَهُ : لاَ تَزَالُ هَكَذا حَتَّى تَمُوتَ أوْ تَكْفُرَ بمُحَمَّدٍ وَتَعْبُدَ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ، فَيَقُولُ وَهُوَ فِي ذلِكَ الْبَلاَءِ : أحَدٌ أحَدٌ . فَمَرَّ بهِ أبُو بَكْرٍ يَوْماً وَهُمْ يَصْنَعُونَ بهِ ذلِكَ ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ : ( ألاَ تَتَّقِي اللهَ فِي هَذا الْمِسْكِينِ ؟ حَتَّى مَتَى ؟ ) فَقَالَ : أنْتَ أفْسَدْتَهُ فَأَنْقِذْهُ مِمَّا تَرَى . فَقَالَ أبُو بَكْرٍ : ( عِنْدِي غُلاَمٌ أسْوَدُ أجْلَدَ مِنْهُ ، وَأقْوَى عَلَى دِينِكَ أُعْطِيكَهُ بهِ ) . قَالَ : قَدْ قَبلْتُ ، قَالَ : ( هُوَ لَكَ ) . فَأَعْطَاهُ أبُو بَكْرٍ غُلاَمَهُ ذلِكَ وَأخَذَ بلاَلاً فَأَعْتَقَهُ . فَقَالُواْ : لَوْ أبَيْتَ أنْ تَشْتَرِيَهُ إلاَّ بأُوْقِيَّةِ لَمَا مَنَعْنَاكَ . فَقَالَ أبُو بَكْرٍ : ( وَلَوْ أبَيْتُمْ إلاَّ بمِائَةِ أُوْقِيَّةٍ لأَخَذْتُهُ ) . وَأمَّا النَّهْدِيَّةُ وَابْنَتُهَا فَكَانَتَا لامْرَأةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّار ، مَرَّ بهِمَا أبُو بَكْرٍ وَهُمَا يَطْحَنَانِ ، وَسَيِّدَتُهُمَا تَقُولُ : وَاللهِ لاَ أُعْتِقُكُمَا أبَداً ، فَقَالَ لَهَا أبُو بَكْرٍ : ( يَا أُمَّ فُلاَنٍ خَلِّ عَنْهُمَا ) ، فَقَالَتْ : بَلْ أنْتَ خَلِّ عَنْهُمَا ، أنْتَ أفْسَدْتَهُمَا ، فَقَالَ : ( بكَمْ هُمَا ؟ ) قَالَتْ : بكَذا وَكَذا ، قَالَ : ( أخَذْتُهُمَا بذلِكَ وَهُمَا حُرَّتَانِ للهِ تَعَالَى ) ثُمَّ قَالَ لَهُمَا : ( قُومَا وَارْبَعَا لَهَا طَحِينَهَا ) ، قَالَتَا : ألاَ نَفْرَغُ مِنْ طَحِينهَا وَنَرُدُّهُ إليَهَا ؟ قَالَ : ( ذلِكَ إلَيْكُمَا إنْ شَئْتُمَا ) . فَقَالَ أبُو قُحَافَةَ لأَبي بَكْرٍ : ( يَا بُنَيَّ إنِّي أرَاكَ تُعْتِقُ رقَاباً ضِعَافاً ، فَلَوْ أنَّكَ أعْتَقْتَ رجَالاً جِلاَداً يَمْنَعُونَكَ وَيُقَوِّمُونَ دُونَكَ ؟ ) فَقَالَ أبُو بَكْرٍ : ( يَا أبَهْ إنِّي إنَّمَا أُريدُ اللهَ ) ، فَنَزَلَ فِيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ . … } ؛ إلَى قَوْلِهِ : { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } إلَى آخِرِ السُّورَةِ ) ) . وعن سعيدِ بن المسيَّب قال : ( ( بَلَغَنِي أنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ قَالَ لأَبي بَكْرٍ حِينَ طَلَبَ مِنْهُ أنْ يُعْطِيَهُ بلاَلاً قَالَ لَهُ : لاَ أبيعُهُ مِنْكَ إلاَّ بغُلاَمِكَ مِنْطَاس ، وَكَانَ مُشْرِكاً ، فَرَاوَدَهُ أبُو بَكْرٍ عَلَى الإسْلاَمِ فَأَبَى ، وَكَانَ لِمِنْطَاسَ عَشْرَةُ آلاَفِ دِينَاراً وَمَوَاشٍ وَجَوَارٍ . فَرَاوَدَهُ أبُو بَكْرٍ عَلَى الإسْلاَمِ ، وَيَكُونُ مَالُهُ لَهُ فَأَبَى ، فَأَبْغَضَهُ أبُو بَكْرٍ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أُمَيَّةُ ذلِكَ بَاعَهُ مِنْهُ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا فَعَلَ أبُو بَكْرٍ ذلِكَ لِبلاَلٍ إلاَّ لَيَدٍ كَانَتْ لِبلاَلَ عِنْدَهُ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } ) ) { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } ؛ بثواب الله في العُقبى عِوَضاً عمَّا فعلَ في الدُّنيا .