Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 105, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } إلى آخرها . قوله : { أَلَمْ تَرَ } : تكون بمعنى التعجب ، وتكون بمعنى التفخيم ، وبمعنى التهويل والتعظيم . والمعنى : ألم تر يا محمد بعين قلبك كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؟ ! وهو مَلك اليمن [ أبرهة ] الحبشي ، وكان تحت يد النجاشي ، أتى مع جنده إلى بيت الله الحرام ليخربه ، وكان سبب إتيانه ما ذكره ابن إسحاق وغيره في حكاية طويلة أنا أذكر معناها ، على اختصار إن شاء الله . وذلك أن أبرهة بنى [ لملك الحبشة ] كنيسة بصنعاء ، وكان نصرانياً ، وسمّاها القليس ، وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة أني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة ، ووصفها ومدحها ( له ) وقال : إني لست بمنته حتى أصرف إليها حاج العرب ، فبلغ ذلك العرب من قول أبرهة ، فغضب رجل من العرب لذلك ، فذهب حتى أتى الكنيسة فأحدث فيها ثم رجع إلى قومه ، فأخبر أبرهة بذلك ، فقال : من صنع هذا ؟ ! فقيل له : صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي يحج إليه بمكة . فغضب عند ذلك أبرهة وحلف [ ليَسيرن ] إلى البيت وليهدمنه . ثم إن أبرهة وجه رجلاً من العرب يدعو العرب لحج الكنيسة التي بنى أبرهة ، فقتلته [ العرب ] ، فبلغ ذلك أبرهة فزاده غيظاً [ وحنقاً ] على البيت وعلى من قتل رسوله من العرب ، فحلف ليغزون قاتلي رسوله ، - قيل : هم بنو كنانة - ، وحلف لَيَهدِمَنَّ البيت . ثم تأهب ( مع ) الحبشان وخرج ( [ لهدم ] البيت وغزو بني كنانة . وخرج ) معهم بالفيل ، فاجتمع عليه بعض العرب لتقاتله وترده عن مذهبه ومراده فهزمهم أبرهة وأسَرَ رَئِسَهم - واسمه ذو نفر - فأراد قتله ثم تركه [ وثقفه ] معه ، ثم خرج إليه نفيل بن حبيب [ الختعمي ] في قبيلتي ختعم ، فقاتله فهزمه أبرهة وأسره وعفا عنه ولم يقتله . فلما مر بالطائف ، خرج إليه مسعود بن معتبٍ في رجال ثقيف وطلبوا منه السّلم ، فأعطاهم السلام ووجهوا معه أبا رغال ، [ فخرج معه أبو رغال ] حتى أنزله المغمس ، ثم مات أبو رغال بالمغمس فدفن هناك ، فالعرب ترجم قبره من ذلك الوقت إلى الآن . ثم إن أبرهة وجه بخيل إلى نحو مكة ، [ فاستاقت ] له أموال أهل مكة . وكان لعبد المطلب ( فيها ) [ مائتا ] بعير ، وكان سيد قريش ( يومئذ ) . فهمت قريش ومن يقرب منهم من العرب [ بقتال ] أبرهة ، ثم علموا أنهم لا طاقة / لهم به ، فتركوا [ ذلك ] . ثم إن أبرهة وجه إلى مكة يقول [ لرئيسها ] : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم البيت ، فإن لم تعرضوا دونه [ لي ] بحرب فلا حاجة لي بدمائكم . وأمره أن يأتيه [ بالرئيس ] إن كان لا يريد حَربه ، ( فأتى [ الرئيس ] ، وسأل عن [ رئيس ] القوم فدل على عبد المطلب ، فبلغه الرسالة ، فقال عبد المطلب : والله ، ما نريد حربه ) ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم عليه السلام ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن لم يحل بينه وبينه ، فهو الله ما عندنا من دفع عنه . فقال الرسول لعبد المطلب : ( انطلق إلى أبرهة ، فإنه قد أمرني أن نأتي بك ، فانطلق معه عبد المطلب ) ومعه بعض بنيه ، فلما أتى عبد المطلب ( العسكر ، سأل عن ذي نفر - وكان له صديقاً - فسأله عبد المطلب ) عن [ رأي ] - أو أمر - [ يشير به ] ، فما وجَدَ عنده فرجاً ، واعتذر إليه بأنه مثقف محبوس ، لكنه قال لعبد المطلب إن سائِس الفيل [ لي ] صديق ، [ فسأرسل إليه وأوصيه ] بك وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه في ما تريد ، ويشفع لك عنده إن قدر . ثم بعث ذو نفر إلى سائِس الفيل فأوصاه بما وَعَدَ بِه عبد المطلب ، ففعل سائس الفيل ذلك ، واستأذن له على أبرهة ( وعظمه في عين أبرهة ) ومدحه ، فأذن له أبرهة ، - وكان عبد المطلب رجلاً وسيماً عظيماً - ، فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه ، وكان أمر أن يجلس تحته وكره أن تراه الحبشة [ يجلسه ] [ معه ] على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره وجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له : ما حاجتك إلى الملك ؟ فقال له عبد المطلب : حاجتي أن يَرد علي مائتي بعير ، فلما قالها الترجمان لأبرهة ، قال أبرهة للترجمان : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم زهدتُ فيك حين كلمتني . [ أتكلمني ] في مائتي بعير أخذتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك وجئت لأهدمه فلا تكلمني فيه ؟ ! فقال له عبد المطلب : ( إني [ أنا ] رب الإبل ، وإنّ للبيْت رباً سيمنعه ، فقال أبرهة : ما كان ليمنع مني ، قال له عبد المطلب : أنت وذاك ، ارْدُدْ علي إبلي ، فرد عليه إبله وانصرف عبد المطلب إلى قريش ، فحذرهم وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعب الجبال والشعاب تخوفاً عليهم من الحبش . ثم قام عبد المطلب وأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده . فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة : @ يَا رَبِّ أَرْجو لَهم سِواكَا فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا إِنّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا إِنّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا @@ ثم ذهب عبد المطلب ومن معه من قريش إلى شعب الجبال يتحرزون فيها وينتظرون ما أبرهة فاعل . فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة [ وهيأ ] فيله وعبر جيشه وهو مجمع على هدم البيت والانصراف إلى اليمن . فلما وجهوا الفيل - واسمه : مَحْمود - أقبل نفيل بن حبيب [ الختعمي ] حتى قام إلى جنب الفيل ( وأخذ بأذنه ) وقال : أبرك محمود وارجع راشداً من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل وهرب نُفَيل حتى اصعد في الجبل ، فضربوا الفيل ليقوم فأبى ، ثم وجهوه راجعاً إلى اليمن فقام [ يُهَرول ] ، ووجهوه إلى الشّام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فَبَرَك ، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ، قيل : ( كانت ) مثل الخطاطيف ، أرسلها عليهم من البحر ، مع كل طير ثلاثة أحجار ، حجَر في منقاره وحجران في رجليه ، كل حجر مثل الحمص أو العدس ، [ لا تصيب أحداً منهم ] إلا هلك . ولم [ تصبهم ] كلهم ، بل أصابت من شاء الله منهم ، فخرجوا هاربين [ يبتدرون ] الطريق الذي منه جاؤوا يسألون عن نُفَيْل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته : @ أَيْنَ المَفَرُّ والإِلَهُ الغَالِبْ والأَشْرَمُ المَغْلوبْ غير الغَالِبْ @@ فهربوا يتساقطون ويهلكون في كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، فخرجوا به [ معهم ] [ تسقط ] أنامله أنملة أنملة ، كلما سقطت [ منها ] / أنملة أتبعتها مدة بقيح / ، ودم حتى قدموا صنعاء وهو مثل فرخ الطير ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه . وأول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب من ذلك العام ، وهو أول ما رئي ( من ) الشجر [ المر ] مثل الحنظل والحرمل والعُشَر ، فذلك قوله تعالى : { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } ، أي : [ أدحضه ] ومحقه . ثم قال تعالى : { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } . أي : متفرقة يتبع بعضها بعضاً من نواح شتى . و { وَأَرْسَلَ } معطوف على معنى { أَلَمْ يَجْعَلْ } ، لأن معناه : جعل كيدهم وأرْسَلَ . قال ابن عباس : { أَبَابِيلَ } : " يتبع بعضها بعضاً " . وقال الحسن : هي " [ الكثيرة ] . وهو قول قتادة . وقال غيره : هي المتفرقة . وقال مجاهد : متتابعة مجتمعة . وقال الضحاك : متتابعة بعضها في أثر بعض . وقال ابن زيد : " الأبابيل : المختلفة تأتي مِن [ هاهنا وهاهنا ] ، أتتهم من كل مكان " . وقيل : إنها ( كانت ) بيضاً . وقيل : كانت سوداً . وقيل : كانت خضراء لها خراطيم الطير وأكف الكلاب ، وهذا قول ابن عباس . وعنه [ أنها ] كانت خضراء خرجت من البحر ، لها رؤوس كرؤوس السِّباع . وقال عبيد بن عمير : هي طير [ سود ] بحرية في أظفارها [ ومناقيرها ] الحجارة . وقال ابن جبير : " هي طير خضراء لها مناقير صفر تختلف عليهم " . قال الكسائي : سمعت [ بعض ] النحويين يقولون : واحد الأبابيل : إبَّوْل ، مثل عِجَّوْل وعَجَاجِيل . وقال الرواسي : واحدها : أبالة . وحكى الفراء ( إبالة مخففاً ) . وحكى أيضاً إيبالة مثل دينار ودنانير . وقال المبرد : واحدها : إبّيل ، [ مثل ] سكين . وقال أبو عبيدة : لم نر أحداً يجعل لها واحداً . - وقوله تعالى : { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } . قال ابن عباس : " { مِّن سِجِّيلٍ } : من طين " ، وكذا قال عكرمة ، كانت ترميهم بحجارة معها ، فإذا أصابت أحدهم خرج به الجدري ، ( وكان أول يوم رُئي فيه الجدري ) . قال أبو الكنود : " كانت دون الحِمَّصة وفوق العدسة " . قال أبو صالح : رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب حجارة منها ، فرأيتها [ سوداً ] مخطّطَة بحمرة . قال قتادة : كانت لا تصيب شيئاً إلاّ هشمته . وقال ابن زيد : { مِّن سِجِّيلٍ } من الشقاء الدنيا ، اسمها : سجيل ، وهي التي أنزل الله على قوم لوط . وأنكر الطبري ( أن يكون ) اسم السماء سجيلاً . وقيل : سِجّيلٍ : ( فعِّيل ) من السَّجْلِ ، وهو الدلو . وقال أبو إسحاق : سجيل مما كتب عليهم أن يعذّبوا به ، مشتق من السجل وهو الكتاب . ثم قال تعالى : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } . أي : فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدواب [ فراثته ] ويبس وتفرقت أجزاؤه ، فَشبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي [ حلت ] ( بهم ) [ بتفرق ] أجزاء [ الروث ] الذي حدث من أكل الزرع . وقال مجاهد : { كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } " كورق الحنطة " . وقال قتادة : " هو التبن " . وقال ابن زيد : هو [ ورق ] الزرع [ وورق ] البقل إذا أكلته البهائم وراثته . قال ابن عباس : هو قشر البُر ، يعني الغلاف الذي يكون فوق حبة القمح . فمعنى { مَّأْكُولٍ } : قد أكل ما فيه من الحب . وروي أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما في بطنه [ فيبقى ] كقشر الحبة إذا بقا بعد خروج الحبة منه ، فالتقدير : مَأكول ما فيه ، أو مأكول حَبّهُ . ومن جعله الروث بعينه لم يقدر حذفاً ، [ لأن ] المعنى : فجعلهم كورق قد أكلته الدواب وراثته .