Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 103-108)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } - إلى قوله - { غَيْرَ مَجْذُوذٍ } : والمعنى : إن في أخذه القرى لعظةً ، وعبرةً / ممن خاف عذاب الآخرة ، وحجة عليه . { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } : أي : يُحشَر الناس كلهم من قبورهم للجزاء فيه . { ( وَذَٰلِكَ يَوْمٌ ) مَّشْهُودٌ } : أي : يشهده الخلق كلهم : أهل السماء ، وأهل الأرض ، وهو يوم القيامة . قال ابن عباس : الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود يومُ القيامة . ثم قال تعالى : { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } : أي : ما نؤخره يوم القيامة عنكم إلا لأجل قد قضيتُهُ ، وعددتُهُ وأحصيتُهُ . فلا يتقدم اليوم ولا يتأخر . ثم قال تعالى : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } : أي : يوم تقوم الساعة ما تكلم نفس إلا بإذن الله ، وهو مثل قوله : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } [ المرسلات : 35 ] . وقد قال في موضع آخر : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 50 ] ، وقال : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } [ النحل : 111 ] ، وقال : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [ الصافات : 24 ] ، وقال : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 39 ] . وهذه الآيات يسأل عنها أهل الإلحاد . فالجواب عن ذلك : أنه تعالى قد أحصى الأعمال ، وعَلِمَها قبل أن تكون ، فلا حاجة ( له ) إلى سؤال أحد عن ذنبه ، ( ليعلم ) ما عنده . فأما قوله : ( إنهم مسئولون ) فإنما هو سؤال توبيخ ، وتقرير ، لا سؤال استخبار . وقوله : { لاَ يَنطِقُونَ } بحجة تجب لهم ، وإنما يتكلمون بذنوبهم ، ويلوم بعضهم بعضاً بعد أن ينطلق لهم الكلام ، فكلامهم بإذنه تعالى في لوم بعضهم بعضاً ، لا في حجة يقيمونها لأنفسهم . { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } : أي : فمن هذه النفوس التي لا تتكلم إلا بإذن الله ، سبحانه ، شقي وسعيد . وذكر ابن الأنباري أنه قد قيل : إن الضمير لأمة محمد ، صلى الله عليه وسلم ، خاصة : أي : فمن هذه الأمة يا محمد شقي ، وسعيد { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ … } { خَالِدِينَ فِيهَا … } { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } : أي : إلا ما شاء الله من ترك خلودهم ، وإخراجهم إلى الجنة بإيمانهم على ما روي في الآثار المشهورة . والأشهر أن الضمير في " فمنهم " يعود على الخلق كلهم ، على كل نفس . { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } : قال ابن عباس : " صوت شديد ، ( وصوت ) ضعيف " . قال أبو العالية : الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدر ، وروي عنه ضد ذلك . قال قتادة : " صوت الكافر في النار صوت الحمار ، أَوَّله زفيرٌ ، وآخره شهيق . وقال أهل اللغة : الزفير مثل : " ابتداء صوت الحمار في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوت الحمار في النهيق " . ( ولما نزلت ) هذه الآية ، قال عمر رضي الله عنه : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا نبي الله فعلام عملنا ؟ : على شيء قد فرغ منه ؟ أم على شيء لم يُفْرَغْ منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على شيء قد فرغ مِنه يا عمر ، وجرت به الأقلام ، ولكن كل مُيَسَّر لما خلق له " . قوله : { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } : أي : وقت دوام ذلك . ومعنى الآية : أبداً ، لأن العرب تقول : لا أكلمك ما دامت السماوات والأرض ، وما اختلف الليل والنهار / . فخوطبوا على ما يعلمون ، ويفهمون بينهم . وقوله : ( { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } ) اختلف في ذلك اختلافاً شديداً . 1 - فمن العلماء من قال : " إلا " للاستثناء ، استثنى به من الزمان ، " فما " على بابها : لما لا يعقل . 2 - ومنهم من قال : " إلا " بمعنى : " سوى " " وما " على بابها للزمان ، فهي في زيادة الخلود . 3 - ومنهم من قال : " إلا " على بابها ، و " ما " بمعنى " من " : جاءت لِمَنْ يعقل ، فهي استثناء من الأشخاص والمعذبين الذين يخرجون من النار من المؤمنين . وسنذكر قول من بلغنا ( قوله ) من العلماء في ذلك . قال قتادة : " الله أعلم بِثَنِيَّاه . ذُكِر لنا أن ناساً يصيبهم سَفَعٌ من النار بذنوب أصابوها ، ثم يدخلهم الله الجنة برحمته يسمون : الجهنميون " . فيكون هذا الاستثناء في أهل التوحيد . ( وقيل : المعنى : إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنه . وذلك في أهل التوحيد ) فهو استثناء من الداخلين النار ، لا من الخلود . " فإلا " على هذين القولين لللاستثناء ، و " ما " بمعنى " من " : استثنى خروج من يدخل النار من المؤمنين . وقيل : " عنى بذلك أهل النار ، وكل من دَخَلَهَا " . وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قال : " ليأتين على جهنم زمان تَخْفِقُ أبوابها ، ليس فيها أحد " . وقال الشعبي : " جهنم أسرع الدارين عمراناً ، وأسرعها خراباً " . وهذان القولان شاذَّان . وقال ابن زيد : هي مشيئته في الزيادة من العذاب ، أو في النقصان ، وقد تبين لنا معنى تبيانه في أهل الجنة بقوله : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } : إنه في الزيادة ، ولم يبين لنا ذلك في أهل النار . وهو محتمل للزيادة والنقص من العذاب . وقوله تعالى : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } [ النبأ : 30 ] ، يدل على أنه في الزيادة . وقال بعض ( أهل ) العربية : وهو استثناءٌ استثناه ، ويفعله ، كقولِك : " لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وعَزْمِك على ضربه " وقال بعضهم : " إلا " هنا : بمعنى سوى . والمعنى : سوى ما شاء الله من الزيادة في الخلود ، وهو اختيار أبي بكر . قال : لأن الله تعالى لا خلف لوعده ، وقد وصل الاستثناء في أهل الجنة بقوله : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } ، ( فدلّ ) على أن الاستثناء إنما هو في زيادة الخلود . " فما " على بابها ، و " إلا " لللاستثناء . وقول آخر ، وهو قول المازني : إنه استثناء إقامتهم ، واحتسابهم ، ما بين الموت والبعث . وهو البرزخ ، إلى أن يصيروا في الجنة . يقول : لم يغيبوا عنها إلا مقدار إقامتهم في البرزخ . " فما " أيضاً على بابها للزمان ، و " إلا " للاستثناء . وقول آخر : وهو أن يكون الاستثناء يراد به من دوام السماوات والأرض في الدنيا . ومعنى : { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } يعني : تعميرهم في الدنيا قبل ذلك . وقيل : الاستثناء واقع على مقامهم في قبورهم . وقيل : إن معنى الاستثناء في أهل الجنة مخصوص في بعضهم . يراد به : قدر بعث من دخل النار من الموحدين إلى أن رحموا ، وأخْرجوا ، وأدخلوا الجنة . وقال ابن زيد : المعنى : " ما دامت الأرض أرضاً ، والسماء سماء " . { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } : أي : لا يمنعه مانع من فعل ما أراد . ( قال أبو محمد مكي ) . وقد أفردنا / كتاباً مفرداً لشرح هذه الآية ، وذكرنا فيها من أقاويل العلماء بضعة عشرة قولاً ، وبيَّنا جواز وقوع " ما " لمن يعقل بياناً شافياً في ذلك الكتاب . وذكرنا في هذا اختصار ما ذكرنا في ذلك الكتاب . ومن قرأ " سعدوا " بالفتح فهي اللغة الجيدة المشهورة . يقال : ما سعد حتى أسعده الله . وإجماعهم على " شقوا " بالفتح يدل على فتح " سعدوا " ، ولو كانت بالضم لقيل : " سعدوا " ، ومن قرأ بالضم فهي مكروهة عند أكثر النحويين ، واحتج الكسائي في الضم بقولهم : " مسعود : ( وهذا ) لا حجة فيه له ، لأن " فيه " محذوفة منه . يقال : مكان مسعود فيه . واحتج الكسائي بقول العرب : " فغر فاه ، وفغر فوه " ، وجبر العظم وجبرته ، ونزحت البئر ونزحتها : فهذا لا يقاس عليه ، إنما يسمع سماعاً . واحتج الكسائي للضم أيضاً ، بأنه كذلك سمعتُ من أصحاب عبد الله يقرؤونها . وكان الكسائي ، وغيره حكوها لغة في " أسعد " : تسقط الألف وتضم السين . كقوله : { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } ، وقال في موضع آخر : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [ الأنبياء : 104 ] ، وقال : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [ إبراهيم : 48 ] . فإن قيل : فما دوام ذلك على هذا ؟ فالجواب إن ابن عباس قال : وقد سأله رجل ، فقال : يا أبا عبد الله من أي شيء خلقت الأشياء ؟ فقال : من خمسة أشياء من نار ، وتراب ، وريح ، وماء ، ودخان . فقال له : ومن أي شيء خلقت هذه الخمسة ؟ فقال : من نور العرش . فقال له : أفرأيت قول الله عز وجل ، { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } ، وقوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [ إبراهيم : 48 ] وقوله : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [ الأنبياء : 104 ] فما دوامها ، وقد فنيتا . فقال ابن عباس : فإذا كان ذلك ، ردتا إلى النور الذي أخذتا منه ، فهما دائمتان لا بد في نور العرش . ومعنى : { غَيْرَ مَجْذُوذٍ } : غير مقطوع ، وقيل : غير منزوع . ( شقي وسعيدٌ ) : وقف . { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } وقف عند أبي حاتم في الموضعين . والوقف على الاستثناء في قصة أهل النار جائز وليس بجائز في قصة أهل الجنة ، لأن بعده " عطاء " منصوب على المصدر ، فما قبله يعمل فيه . فإن نصبته بإضمار فعل وقفت على ما قبله .