Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } إلى قوله : { ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } . " سبحان " عند الخليل وسيبويه منصوب على المصدر ، إلا أنه لا ينصرف لأنه معرفة في آخر [ ه ] زائدتان . وحكى سيبويه : أن من العرب من ينكره فيصرفه . وقال أبو عبيدة : هو منصوب على النداء . وقال بعضهم . هو موضوع موضع المصدر فنصب لوقوعه موقعه ، فهو موضع تسبيح . والتسبيح : يكون [ بمعنى الصلاة ، ومنه قوله تعالى في يونس : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } [ الصافات : 143 ] أي : من المصلين . وفي لغة لبعض أهل [ اليمن ] ، يستعملونه في معنى الاستثناء ، ومنه قوله : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } [ القلم : 28 ] أي : تستثنون إذا أقسمتم { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [ القلم : 17 ] ولم يستثنوا . فإنما ذكر [ هم ] بتركهم الاستثناء . ويستعمل في معنى النور . ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه … " ، أي نور وجهه . ومعنى " سبحان الله " : براءة الله من السوء . كذلك فسره النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن معنى التسبيح . وروي عنه أنه " سئل عن معنى سبحان [ الله ] ، فقال : تنزيه لله من كل سوء " وسئل عنها علي [ رضي الله عنه ] فقال : هي كلمة رضيها الله لنفسه . وعنه أيضاً أنه قال : هي كلمة أحبها الله ورضيها لنفسه فأحب أن تقال . ومعنى المسجد الحرام [ أي ] : المسجد الممنوع من الصيد فيه ، لأن الحرم ممنع . والحرم كله مسجد . عن أم هانئ أنها قالت : ما أسري برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلا وهو [ في بيتي ] . وقيل : إنما أسري به من المسجد . عن قتادة عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة [ وهو رجل من قومه ، قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " بينا [ أنا ] عند البيت بين النائم واليقظان ، إذ سمعت قائلاً يقول أحد الثلاثة : فأوتيت بطست من ذهب فيه ماء زمزم ، قال : فشرح صدري فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم [ ثم ] أعيد مكانه ثم خشى إيماناً وحكمة ، ثم أتيت بدابة بيضاء يقال لها البراق ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع خطوه أقصى طرفه ، فحملت عليه . ثم انطلقنا حتى / [ أ ] تيت السماء الدنيا " ثم ذكر الحديث بطوله قال ابن شهاب ، أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به على البراق وهي دابة إبراهيم خليل الرحمن التي كان يزور عليها البيت الحرام يقع حافرها موقع طرفها . قال : فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية فنفرت العير ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء فأتي بقدحين : قدح خمر ، وقدح لبن ، فأخذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قدح اللبن ، فقال له جبريل [ صلى الله عليه وسلم ] : هديت إلى الفطرة لو أخذت قدح الخمر [ لـ ] ـغوت أمتك . [ و ] قال ابن شهاب : فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لقي هنالك إبراهيم وموسى وعيسى ، فنعتهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . فقال : أما موسى فَضَرْب ، رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة . وأما عيسى [ فهو ] فهو رجل أحمر كأنه خرج من ديماس وأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي . وأما إبراهيم فإنه أشبه ولده به . فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قريشاً أنه أُسريَ به ، قال عبد الله : فارتد ناس كثير بعدما أسلموا ، فأتى أبو بكر الصديق [ رضي الله عنه ] فقيل له : صاحبكم يزعم أنه أُسريَ به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة . قال أبو بكر : [ أ ] و قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فاشهد [ وا ] إن كان كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة ؟ فقال إني أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء . قال أبو سلمة : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : : لما كذبتني قريش قمت فمثل الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه " . وقال أبو العالية : " جاء جبريل [ إلى النبي ] صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل فقال جبريل لميكائيل إيتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه وأشرح له صدره . فشق عن بطنه فغسله ثلاث مرات ، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسس من ماء زمزم فشرح صدره ، ونزع ما كان فيه من غل ، وملاه حلماً وإيماناً وعلماً ويقيناً وإسلاماً ، وختم بين كتفيه بخاتم النبوءة ، ثم أتاه بدابة فحمل عليه ، كل خطوة [ منها ] منتهى بصره ، فسار وسار معه جبريل . فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد [ كما كان ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا ؟ قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله ، تضاعف لهم الحسنة بسبع مائة ضعف ، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين . ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما أرضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال من هؤلاء يا جبريل ؟ [ فقال ] هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة . ثم أتى على قوم على إقبالهم رقاع وعلى إدبارهم رقاع ، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع / والزقوم ، ورضف جهنم ، وحجارتها ، فقال : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئاً وما الله بظلام للعبيد . ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ، ولحم نيء في قدر خبيث ، فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويدعون النضيج الطيب ، فقال : من هؤلاء يا جبريل ؟ [ قال ] : هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ، والمرأة تكون عند الرجل [ الطيب ] فتأتي رجلاً خبيثاً فتبيت معه حتى تصبح ، قال : ثم أتى على خشبة من الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا حرقته فقال : ما هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } . ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها ، قال من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الرجل من أمتك تكون عليه آمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يزيد عليها . ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء ، قال : من هؤلاء [ يا جبريل ؟ قال : هؤلاء ] خطباء الفتنة . ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع ، قال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها . ثم أتى على واد فوجد ريحاً طيبة باردة ، وريح المسك وسمع صوتاً . فقال : يا جبريل ما هذه الريح الطيبة الباردة وريح المسك ؟ وما هذا الصوت ؟ فقال : هذا صوت الجنة تقول : يا رب ايتني ما وعدتني فقد كثر زخرفي ، واستبرقي ، وحريري ، وسندسي ، وعبقريي ، ولؤلؤي [ ومرجاني ] ، وفضتي ، وذهبي ، وأكوابي ، وصحافي ، وأباريقي ، وفواكهي ، وعسلي ، ولبني ، وخمري فأين ما وعدتني ؟ فقال : لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحاً ولم يشرك بي ، ولم يتخذ من دوني أنداداً ، ومن خشيني فهو آمن ، ومن سألني أعطيته ، ومن أقرضني جزيته ، ومن توكل عليّ كفيته ، إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد ، وقد أفلح المؤمنون ، وتبارك الله أحسن الخالقين . قالت : قد رضيت . ثم أتى على واد فسمع صوتاً منكراً ووجد ريحاً منتنة فقال : ما هذا يا جبريل ؟ وما هذا الصوت ؟ فقال : هذا صوت جهنم ، تقول : يا رب ، ايتني ما وعدتني ، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي . [ وقد ] بعد قعري ، واشتد حري ، فأتني ما وعدتني ، فقال لها : لك كل مشرك ومشركة ، وكافر وكافرة ، وكل خبيث وخبيثة ، وكل جبار / لا يؤمن بيوم الحساب ، قالت : قد رضيت " ثم أتى بحديث الإسراء بطوله ، وفيه اختلاف بين الرواة . فمذهب من قدمنا ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم [ أسرى ] بجسمه وعليه أكثر الناس . وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال : كانت رؤيا من الله صادقة : وروي ذلك عن عائشة أيضاً [ رضي الله عنها ] . واستدل الحسن على صحة ذلك بقوله { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } [ الإسراء : 60 ] فالوحي يأتي للأنبياء في [ النوم ] وفي اليقظة ودليل ذلك قول إبراهيم [ صلى الله عليه وسلم ] : { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي [ أَذْبَحُكَ ] } [ الصافات : 102 ] ثم مضى لذلك ليفعل ما أمر به في النوم . والاختيار عند أهل النظر : أن يكون أسرى الله [ عز وجل ] بجسمه وليست برؤيا في المنام . والدليل على صحة ذلك : أنها لو كانت رؤيا رآها في منامه لم يكن في ذلك دليل ولا حجة على نبوته ، لأن كل إنسان يرى أنه ببلد بعيد وهو في بلد آخر . فقد يرى الإنسان أنه في الصين و [ هو ] . بقانة ، وبينهما سيرة نحو السنتين وأكثر . وقد قال الله [ تعالى ] : { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } ولم يقل : بروح عبده ، فلا يتعدى ما قاله الله [ عز وجل ] إلى غيره إلا بدليل قاطع . وقوله : { إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا } يعني مسجد بيت المقدس . وقوله : { بَارَكْنَا حَوْلَهُ } . أي : جعلنا حوله البَركَة لسكانه في معايشهم وكثرة ثمارهم وطيبها . وقيل معناه : أن الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى كلهم كانوا ببيت المقدس فمعنى البركة فيه أنه طهر من الشرك وبوعد منه وخص بالأنبياء . وقوله : { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } . أي : أسري بمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] لكي يرى من آيات الله [ عز وجل ] وعجائبه [ سبحانه ] وذلك ما رآه [ في ] طريقه مما ذكرنا بعضه . وروي : أن أهل مكة قالوا للنبي عليه السلام : إن لنا في طريق الشام إبلاً ، فأخبرنا خبرها ومتى تقدم . فأخبرهم أنها تقدم عليهم في يوم سماه لهم مع شروق الشمس ، وأنه فقد منها جمل أورق فخرجوا في ذلك اليوم فقال أحدهم : هذه الشمس قد أشرقت وقال : هذه الإبل قد [ أقبلت ] . وقوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } معناه السميع لما يقول هؤلاء المشركون من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك . البصير بما يعملون . لا يخفى عليه شيء من ذلك . وكسرت " إن " في قوله : " إنه " لأن معنى الكلام : قل يا محمد سبحان الذي أسرى بعبده ، وقل [ يا محمد ] إنه هو . ويروى : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلم قريشاً بالإسراء كذبوه ، وقالوا له : نسألك عن عير لنا ، هل رأيتها في الطريق ؟ فقال : نعم . فقالوا : أين ؟ قال : مررت على عير بني فلان بالرواح ، قد أضلوا ناقة لهم ، وهم في طلبها . فمررت على [ ر ] حالهم وليس بها منهم أحد . فوجدت في إناء من آنيتهم ماء فشربته / فسلوهم إذا رجعوا هل وجدوا الماء [ في ] الإناء أم لا ؟ فقالوا : هذه آية . قال : ومررت على عير بني فلان فنفرت مني الإبل فانكسر منها جمل أحمر عليه أبناء فلان . فقالوا : هذه آية أخرى . [ قال ومررت على عير بني فلان ] بالتنعيم حين انشق الفجر . قالوا : فإن كنت صادقاً ، فإنها تقدم الآن . قال أجل . قالوا : فحدثنا بعدتها ، وأحمالها ، ومن فيها . قال : كنت مشغولاً عنها . فمثل ذلك لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال هي منحدرة من الثنية يقدمها جمل أورق عدتها كذا وكذا ، وأحمالها كذا وكذا ، فيها فلان وفلان ، يسمي الرهط الذين فيها ، وخرج رهط من قريش يسعون إلى الثنية فإذا هم بها حين انحدرت على ما [ وصفها ] لهم [ النبي ] صلى الله عليه وسلم " . وأخبار الإسراء كثيرة مختلفة الألفاظ ، منها المطول ، ومنها المختصر ، والمعاني متقاربة ، فاقتصرنا على ما ذكرنا اختصاراً .