Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 89-93)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } إلى قوله : { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } . أي : ولقد بينا للناس في هذا القرآن من كل مثل تذكيراً لهم واحتجاجاً عليهم وتنبيهاً لهم على الحق { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } أي إلا جحوداً للحق . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } . أي : قال المشركون من قومك يا محمد لن نصدقك حتى تفجر لنا من أرضنا هذه عيناً تنبع بالماء لنا . قاله مجاهد وقتادة . { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ } أي بأرضنا هذه { [ فَتُفَجِّرَ ٱلأَ ] نْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } أي : خلال النخيل والكروم أي بينها في أصولها . { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } أي : قطعاً . لأنه جمع كسفة وهي القطعة . ومن قرأ بإسكان السين أراد قطعة واحدة . ويحتمل أن يكون مسكناً من الفتح فيكون معناه مثل معنى قراءة من فتح السين . ثم قال : { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } . أي : قبيلا [ قبيلا ] ، كل قبيلة على حدتها قاله مجاهد . وقال قتادة " قبيلاً " أي : نعاينهم : يقابلونا . ونقابلهم . وقاله ابن جريج . وقال القتبي : " قبيلاً " [ أي ] ضميناً . أي يضمنون لنا إتيانك بذلك . وهو أحد قولي أبي إسحاق . يقال قد تقبل بهذا ، أي تكفل به . ثم قال : { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } . أي من ذهب ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . قال مجاهد : كنا لا ندري ما الزخرف حتى قرأنا [ ه ] في مصحف ابن مسعود " أو يكون لك بيت من ذهب " . وأصل الزخرف في اللغة الزينة ومنه قوله : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } [ يونس : 24 ] أي أخذت كمال زينتها ولا شيء أحسن في البيت من زينة الذهب . ثم قال : { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ } . أي : تصعد في درج السماء . ولهذا الإضمار ، أتى بـ " في " ولو لم يكن ثم إضمار لكان " إلى السماء " ففي : يدل على المحذوف . أي أو ترقي في سلم إلى السماء . ثم قالوا : { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ } . أي : لن نؤمن بك إذا صعدت إلى السماء { حَتَّى / تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } . منشوراً : أي : كتاباً من عند الله عز وجل يأمرنا فيه باتباعك والإيمان بك . قال مجاهد : " كتاباً نقرؤه " أي : من رب العالمين ، تصبح عند رأس كل رجل صحيفة يقرؤها . ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام : قل لهم يا محمد : { سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } . أي : قل لهم براءة لله من سوء ما تقولون ، وتعظيماً له من [ أن ] يؤتى به وبملائكته أن يكون له سبيل إلى شيء من ذلك هل أنا إلا بشر أي : عبد من عبيده من بني آدم فكيف أقدر على ما تكلفوني . وقوله : " رسولاً " أي : أرسلت لأبلغكم عن الله أمره ونهيه . وكان هذا الكلام فيما رُوِيَ : جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ملأ [ من ] قريش اجتمعوا للمناظرة فتكلموا بما نصه الله عز وجل في هذه الآية عنهم . وذكر ابن عباس في ذلك : خبراً طويلاً معناه : أنهم اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة وبعثوا في النبي عليه السلام فأتاهم طمعاً أن يكونوا قد ظهر لهم اتباعه فعذلوه وأكثروا في اللوم والعتب [ وطولوا ] . قالوا له : إنك فرقت جمعنا ، وعيبت ديننا ، وسفهت أحلامنا ، وما بقي قبيح إلا جئته فينا ، أو كما قالوا ، ثم قالوا [ له ] : إن كنت تحب مالاً جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن أردت الشرف سودناك علينا . وإن أردت الملك ، ملكناك علينا … في كلام طويل عاتبوه به وعددوا عليه فيه ، ووعدوه ، واستنزلوه ، طمعاً أن يميل إليهم . ثم قالوا له : فإن لم تفعل ما قلنا لك فاسأل ربك يبعث ملكاً يصدقك بما تقول ، أو فاسأله أن يجعل لك جنة وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي . فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه . فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قولهم ، وقال : " إنما أنا بشر بعثت إليكم نذيراً لتؤمنوا بالله وكتابه " فقالوا له فاسقط السماء علينا ، كما زعمت ، إن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك " ، ثم أطالوا الكلام معه ، وقالوا [ له ] إنما يعلمك ما جئت به رجل باليمامة يقال له الرحمن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً ، وادّعوا أنهم يعبدون الملائكة ، وهن بنات الله - تعالى الله عن ذلك - فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام [ معه ] ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، وهو عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، فقال له : يا محمد أعَرَض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم من العذاب فوالله لا أؤمن بك أبداً ، حتى تتخذ إلى السماء سلماً ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة ، معك أربعة أملاك يشهدون لك إنك ما تقول حق وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك . وهذا معنى قوله : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ / بِأَيْدِيهِمْ } [ الأنعام : 7 ] الآية . وروى أن عبد الله بن [ أبي ] أمية قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لن نؤمن لك حتى تنزل علي كتاباً من السماء فيه من الله رب العالمين إلى ابن أمية ، إني قد أرسلت محمداً [ نبياً ] فآمن به وصدقه . والله لو أتيتني بهذا الكتاب ما آمنت بك ولا صدقتك ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً لما فاته مما كان طمع به من إيمان قومه حين دعوه .