Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 102-102)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ } الآية . قوله : { وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } . يجو أن تكون " ما " نافية فيحسن الابتداء بها . وأن تكون بمعنى " الذي " أي : واتبعوا الذي أنزل على الملكين ، فلا يبتدأ بها . وقيل : " ما " في موضع نصب بـ " يعلمونَ " ، أي : ويعلمون ما أنزل على الملكين فيتعلمون أي فهم يتعلمون . وقال الفراء : هو معطوف على { يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ / ٱلسِّحْرَ } { فَيَتَعَلَّمُونَ } وأجاز أن يكون مردوداً على قوله : { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } على إضمار تقديره . " فيأتون فيتعلمون " . ويجوز أن يكون مردوداً على { فَلاَ تَكْفُرْ } لأن معناه : " فلا تتعلم السحر " . فيكون تقديره : " فلا تتعلم فيأتون فيتعلمون " . قوله : { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } . أي : في حين ملكه ، " فعلى " بمعنى " في " كما وقعت " في " بمعنى " على " في قوله : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] أي على : جذوع النخل . ومعنى " تَتْلُو " تقرأ ، وقيل : تروي . قوله : { لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } . " من " بمعنى " الذي " ، وأجاز الفراء أن تكون للشرط ولا يجوز ذلك عند البصريين . والضمير في { وَٱتَّبَعُواْ } يعود على اليهود الذين وصفهم الله قبل ، بنبذ الكتاب والكفر والجحود وغير ذلك ، وهم اليهود الذين هم بحضرة رسول الله [ عليه السلام ] لأنهم تركوا كتابهم واتبعوا السحر . { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } : أي : على عهده . قال السدي : " كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتسمع ما أُخْبِرَ به الملائكة مما يحدث في الأرض / من موت أو جدب أو غير ذلك فيخبرون به الكهنة ، فتحدث الكهنة الناس ويزيدون فيه مع كل كلمة سبعين كلمة من الكذب . فاكتتب الناس ذلك في الكتب ، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب . فجمع سليمان تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ، ولم يكن أحد من الشياطين يدنو من كرسيه إلا احترق . وانتهى الناس عن إضافة الغيب إلى الشياطين . فلما مات سليمان صلى الله عليه وسلم وانقرض العلماء ، تمثل الشيطان في صورة الإنسان ، وأتى نفراً من بني إسرائيل فقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً ؟ قالوا : نعم . قال : فاحفروا تحت الكرسي . وذهب معهم فأراهم المكان فحفروا ، فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال : إن سليمان إنما كان يملك الجن والإنس والطير بهذا السحر . ثم ذهب عنهم ، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحراً ، فطلب بنو إسرائيل السحر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم خاصموه / بها ، فأنزل الله عز وجل : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ } " . وقال الربيع في خبر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : " أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن السحر فقال لهم النبي [ عليه السلام ] : إِنِّما عَمَدَتِ الشَّيَاطِينُ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ إِلَى السِّحْرِ وَالكَهَانَةِ فَوَضَعَتْهُ فِي كُتُبٍ وَدَفَنَتْه تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ اسْتَخْرَجُوا الكُتُبَ وَخَدَعُوا بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاتَّبَعوهَا " . وقال ابن جريج : " عني بذلك اليهود الذين كانوا على عهد سليمان " . وقال ابن إسحاق : " إنما كتبت الشياطين ما كتبت حين علمت بموت سليمان صلى الله عليه وسلم ؛ / كتبت : من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا وكذا . فكتبوا أصنافاً وختموا عليه وعنونوا : هذا ما كتب آصف بن برخيا الصِّديق للملك سليمان بن داود . ثم دفنوه تحت الكرسي . فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل واتبعته ، / وقالوا : ما ملك سليمان إلا بهذا . فأفشوا السحر في الناس ، فليس السحر في أحد أكثر منه في اليهود . وقد سحروا النبي صلى الله عليه وسلم " . وبابل : موضع يقال الملكان فيه في سرب من الأرض معلقين في ضوء كضوء النهار . وقيل : إنما سمي بابلاً لأن الألسنة فيه تبلبلت ، وافترقت الأمم من ذلك المكان في الآفاق لاختلاف ألسنتها . وقيل : إن ذلك إنما كان على عهد فرعون إذ جمع الناس لبنيان الصرح ، ومن ذلك الوقت لا تدع الريح بنياناً يبلغ ذراعاً إلا دمرته . وقال ابن عباس : " إن سليمان لما ذهب ملكه ارتد فئام من الناس من الجن والإنس وأحدثوا سحراً ، واتبعوا الشهوات . فلما رجع سليمان إلى ملكه ، أخذ تلك الكتب ودفنها . فلما مات ظهرت الإنس والجن على تلك الكتب ، وقالوا : هذا كتاب من عند الله أخفاه عنا سليمان فجعلوه ديناً " . ومعنى { تَتْلُواْ } : تحدث وتروي وتتكلم . وقيل : معناه تتبع . قوله : { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } . أي : في ملكه وعهده . قال ابن عباس : " كان سبب محنة سليمان صلى الله عليه وسلم أن أهل امرأة له يقال لها جرادة اختصموا إليه مع خصماء لهم / فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحداً . وكان سليمان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يقضي حاجة أعطى خاتمه لجرادة ، فلما أراد الله منه ما أراد جاء الشيطان يوماً في صورة سليمان إلى جرادة فقال : هاتي الخاتم . فأخذه فلبسه فدانت له الشياطين والجن والإنس . فلما جاءها سليمان يطلب الخاتم ، قالت له : كذبت لست سليمان فعرف سليمان أنه ابتلي ، فعند ذلك كتبت الشياطين سحراً ودفنوه تحت الكرسي ، وأخرجوه بعد موته ، فضل الناس به ، وتبرأ كثير منهم من سليمان صلى الله عليه وسلم . قوله : { وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } . " ما " في موضع نصب عطفاً على " ما " في قوله : { وَٱتَّبَعُواْ مَا } . وإن شئت عطفاً على السحر أي : { يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } . وقيل : ما جحد قاله ابن عباس / . أي لم ينزل على الملكين السحر . ومعنى { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } أي يخبرانه بالسحر ليتجنبه ولئلا يقع فيه وهو لا يدري فيقولان : " السحر هو كذا وكذا ، فاجتنبه فإنه كفر " . وتقدير قول من جعل " ما " . [ نفيا أن يكون في ] الكلام تقديم وتأخير على ترتيب : " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ، وما كفر سليمان ، وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمان الناس السحر ببابل هاروت وماروت " . وقيل : يعني بالملكين هنا : جبريل وميكائيل عليهما السلام ، لأن سحرة اليهود تزعم أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل ، فأكذبهم الله بذلك وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ، وأن تعلم الناس ذلك ببابل وأن الذي يعلمه رجلان اسمهما هاروت وماروت . فهو رد على الشياطين . وقيل : الذي يتعلمه من الناس هاروت وماروت . فهو رد على الناس . وقال قتادة والزهري عن عبد الله : " كانا ملكين أهبطا إلى الأرض للحكم بين الناس فحاكمت إليهما امرأة فحافا ، فأتيا ينهضان إلى السماء فلم [ يقدرا ، وخُيّرا ] بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا فكانا يعلمان الناس السحر ، فأخذ عليهما ألا يعلما أحداً حتى يقولا : { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } . وذكر ابن الأعرابي في " الياقوتة " أن معنى " يُعَلِّمَان " : " يُعْلِمانِ " مخففاً . قال : والعرب تقول : " تعلم مني " أي : اعلم . قال : ومعناه : أن الساحر يأتي الملكين فيقول : أخبراني عما نهى الله عنه [ فننتهي عنه ] ، فيقولان : نهى عن الزنا ، فيقول : وما الزنا ؟ فيصفانه له . ويقولان : نهى عن اللواط ويصفانه . ونهى عن السحر ويصفانه له / لينتهي عنه ، فينصرف ويخالف ويكفر . فالمعنى : وما يعلمان من أحد حتى يقولا : { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ [ فَلاَ تَكْفُرْ ] } " أي : اختبار من الله فلا تكفر ، فتعمل بما ينهاك عن العمل به . وروي عن ابن عباس في قصة الملكين : " أن الله تعالى أطلع الملائكة على أعمال بني آدم ، فقالوا : يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقته بيدك ، و [ أسجدت له ] ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شيء يعملون بالخطايا . فقال الرب لهم : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم . قالوا : سبحانك ، ما كان ينبغي لنا . قال : فأمروا أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض ، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض وأحل لهما كل شيء إلا الشرك والسرقة والزنا وشرب الخمر ، وقتل النفس . قال : فما أشهرا حتى عرض لهما بامرأة ، قد قسم لها / بنصف الحسن ، فلما أبصراها تعرضا لها ، قالت : لا ، إلا أن تشركا بالله شيئاً / ، وتشربا الخمر وتقتلا النفس ، وتسجدا لهذا الصنم . قالا : ما كنا لنشرك بالله شيئاً . فقال أحدهما للآخر : ارجع إليها . فقالت : لا ، إلا أن تشربا الخمر ، فشربا حتى ثملا ، ودخل عليهما سائل فقتلاه . فلما وقعا فيما وقعا من الشر ، أفرج الله لملائكة السماء لينظروا إليهما فقالوا : سبحانك أنت أعلم . فأوحى الله تعالى [ إلى سليمان ] بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا " . وروي عن ابن عباس أنه قال : " نزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس ، وكانت الملائكة من قبل يستغفرون للذين آمنوا : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } [ غافر : 7 ] فلما وقع الملكان في الخطيئة استغفروا لمن في الأرض " . وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال : " كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس ، فلما أراداها قالت : لا ، إلا أن تعلماني الكلام الذي إذا تكلم به عرج إلى السماء . فعلماها فعرجت إلى السماء ، فمسخت كوكباً " . قال كعب : " والله ما أمسيا في الأرض من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا فعل جميع ما نهيا عنه " . وقال السدي / : " إن هاروت وماروت طعنا في بني آدم وأحكامهم . فقيل لهما : إني أعطيت بني آدم عشراً من الشهوات فيها يعصون . فقالا : لو أعطينا تلك الشهوات ونزلنا لحكمنا بالعدل . فأعطيا ذلك ، ونزلا ببابل . فكانا يحكمان إلى المساء ، ثم يصعدان ، فإذا أصبحا نزلا . فأتتهما امرأة تخاصم زوجها فأعجبهما حسنها [ فكلماها في نفسها ] ، فقالت : لا ، حتى تقضيا لي على زوجي ، فحكما لها عليه ، ووعدتهما قرية خربة فأتياها . فلما أرادا منها الحاجة ، قالت : لا ، حتى تخبراني بأي كلام تصعدان إلى السماء ، وبأي كلام تنزلان ، فأخبراها ، [ فتكلمت فصعدت وأنساها الله ] الاسم الذي تنزل به ، فبقيت مكانها وجعلها الله تعالى كوكباً وهي الزهرة . فخُيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا " . وكان ابن عمر يلعن الزهرة . رواه نافع عنه . وكل هذه الأخبار تدل على أن " ما " في قوله : { وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } ليست بنفي . وروى ابن وهب أن خالد بن أبي عمران ذُكر عنده هاروت وماروت أنهما يعلمان السحر ، فقال : " ننزههما عن هذا " . فقرأ بعض القوم { وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } فقال خالد : لم ينزل / عليهما . وقرأ الحسن " المَلِكَيْنِ " بكسر اللام ، وقال : " هاروت وماروت علجان من أهل بابل ، وكذلك قرأه عبد الرحمن بن أبزى ، لكنه قال : " هما داود وسليمان " . قال السدي : " إذا أتى الملكين أَحَدٌ يتعلم السحر يقولان له : " لا تكفر إنما نحن فتنة " . فإذا أبى قالا له : " إئت هذا الرماد فبل فيه . فإذا بال عليه خرج منه نور ساطع فيسطع حتى يدخل السماء ، فذلك الإيمان . ثم أقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه فذلك غضب الله . فإذا أخبرهما بما رأى وبما / فعل علماه " . / ومعنى { إِنَّمَا نَحْنُ [ فِتْنَةٌ ] } : أي اختبار وابتلاء . وروي أن الله جل ذكره أخذ على هاروت وماروت الميثاق ألا [ يعلما أحداً ] السحر حتى يقولا له : " إنما نحن فتنة فلا تكفر بفعل السحر " . وهذا يدل على قتل الساحر إذا سحر وظفر به من غير استتابة ، لأنه شيء يخفيه فلا يُعلم بصحة توبته منه لو تاب . ويقال : إنهم كانا يعلمان من السحر ما يفرق به بين الزوجين خاصة كما ذكر الله . وقوله : { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . أي : بعلمه وقضائه لا بأمره لأن الله سبحانه لا يأمر بالفحشاء ، فلا تقع الفحشاء من فاعلها ، إلا بعلم الله وقضائه وقدره . هذا مذهب أهل السنة والجماعة . وتعليمهم السحر هو فتنة أختبر بها الخلق . وقيل : هو تعليم إنذار منه وتحذير منه ، لا تعليم دعاء له ورغبة في العمل به . قوله : { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . أي : بقضائه المتقدم أنهم يفعلونه ويضرون به . وقيل : معناه بعلم الله . وقوله : { وَلَقَدْ عَلِمُواْ } . قوله : { لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } . أي : لمن استحبه وقبله وعمل به ، ما له في الآخرة من خلاق . / أي : علمت يهود في التوراة أن من اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق . أي : من نصيب وحظ . وقيل : من دين . وقيل : من قوام . وقيل : إن ( علموا ) يراد به الشياطين لأنه لو رد إلى اليهود لكان قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } نفى عنهم العلم ، وقد أخبر أنهم علموا . وقيل : علموا هو للمَلَكَين لأنهم يقولون : لا تكفر ، فقد علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه في الآخرة ، وثُني كما يقال : " الزَّيدان قاموا " . وقال الزجاج : " علموا " : هم علماء اليهود " . وقوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . قيل لهم ذلك لأنهم صاروا في محل من لا علم عنده إذ لم ينتفعوا بعلمهم ، فصاروا بمنزلة الجاهل بهذا الأمر ، فنفى عنهم العلم بعد أن أخبر أنهم علموا من أجل ذلك . وهذا مشابه لقوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ] لأنهم لما لم ينتفعوا بهذه الأعضاء كانوا بمنزلة من عَدِمَها ، فوصفوا بذلك وهم غير صم ولا بكم ولا عمي . { وَشَرَوْاْ } هنا بمعنى باعوا . وتقدير الكلام عند الطبري : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " ، أي : يَعْلَمون أنه يضرهم في الآخرة ولا ينفعهم . يريد به الذين يتعلمون السحر للتفريق بين المرء وزوجه . ثم قال : { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } . يريد به علماء اليهود . فإيجاب العلم لعلماء اليهود ونفيه هو عن الذين يتعلمونه للتفريق . وقتل الساحر عند مالك واجب بهذه الآية إذا سحر بنفسه لأنه كفر لقوله تعالى : { فَلاَ تَكْفُرْ } . والكافر إذا ستر كفره [ قتل إلا أن ] يأتي قبل أن يُعرف به ، فيخبر بما كان سَتَر ، فإن توبته تقبل . ومثله الزنديق عند مالك يقتل إذا قدر عليه ولا يستتاب . فإن أَظْهَره قبل أن يُظهر عليه استتيب ، فإن تاب وإلا قتل . وهو والزنديق سواء . / والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويُسِر الكفر ، فلا تقبل توبته لأنا لا ندري ما في ضميره ، وقد قال تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] . فلا تنفع الساحر ، [ و ] الزنديق توبتهما إذا ظفر بهما ، وتنفعهما إذا أتيا قبل أن يُقدر عليهما ، كما كان هؤلاء تنفعهم توبتهم قبل / إتيان العذاب ، ولا ينفعهم ذلك عند رؤية العذاب . وهو قول عثمان بن عفان ، وابن عمر ، وحفصة ، وجماعة من الصحابة والتابعين . ولا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك ، ولكن يعاقب إلا أن يقتل بسحره فيقتل أو يُحدِث حَدثاً فيؤخذ منه بقدر ذلك . وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : " لا يقتل ساحر أهل العهد إلا أن يدخل بسحره ضرراً لم يعاهد عليه على مسلم " . وكذلك روى ابن القاسم : قال مالك في المرأة تعقد زوجها عن نفسها أو عن غيرها . قال : " ينكل بها ولا تقتل " . وقال الشافعي : " لا يقتل الساحر ولكن يسأل عن سحره ، فإن كان كفراً / استتيب منه ، فإن تاب وإلا قتل ، وكان ماله فيئاً " .