Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 128-129)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } . أي : خاضعين لأمرك ، مستسلمين لك ، لا نشرك معك في الطاعة أحداً ، فالمسلم الذي قد استسلم لأمر الله [ عز وجل ] . والمؤمن هو الذي أظهر القبول لأمر الله سبحانه فأضمر مثل ذلك . فأما قوله : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [ الحجرات : 14 ] . فمعناه ولكن قولوا : خضعنا وأظهرنا الإسلام . فالمسلم على ضربين : مسلم أظهر مثل ما أضمر / فهذا مؤمن مسلم ، ومسلم يظهر غير ما يبطن ، فهذا غير مؤمن . إنما هو مستسلم في الظاهر ولذلك قال لهم : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 14 ] أي : إنما أظهرتم الإسلام خشية القتل ، ولم يدخل في قلوبكم منه شيء . وقوله في الدعاء : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } . دخول " مِنْ " يدل على التخصيص لبعض الذرية ، لأن الله تعالى قد أعلم إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن من ذريته من لا يناله عهده لظلمه وفجوره . فخص إبراهيم عليه السلام بدعوته ، ولم يعم لما تقدم عنده من الخبر عن الله تعالى . والأمة هنا عني بها الجماعة . وتكون الأمة الإمام كقوله في إبراهيم صلى الله عليه وسلم { كَانَ أُمَّةً } [ النحل : 120 ] ، أي : إماما يقتدى به . وتكون الأمة السنين كقوله : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ } [ هود : 8 ] ، أي : إلى سنين . وتكون الأمة الملة كقوله : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [ الزخرف : 22 ] . أي : على ملة ودين . وقيل : الأمة هنا محمد وأمته صلى الله عليه وسلم . [ قوله ] / { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ } . يعني [ محمداً عليه السلام ] . وقول إبراهيم وإسماعيل : { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } يدل على أن الإسلام والإيمان سواء ، إذ لم يسألا إلا أعلى الرتب وأشرف المنازل ، وهو الإيمان الذي هو الإسلام . [ قال ] مالك : " لما وقف إبراهيم على المقام أوحى الله إلى الجبال أن تأخري عنه ، فتأخرت حتى أراه موضع المناسك وهو قوله : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ } إلى قوله : { لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . معناه أظهر لأعيننا مكان المناسك ان جعلته من رؤية العين . وقيل : معناه عَلِّمناها وعَرِّفناها . والمناسك : مناسك الحج ومعالمه . وقال قتادة : " فأراهما / الله مناسكهما بالطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة والإفاضة من عرفات ، ومن جمع ، ورمي الجمار حتى أكمل لهما الدين " . / قال السدي : " لما فرغ إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى محمد من بنيان البيت ، أمره الله [ أن ] ينادي ، فقال : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } [ الحج : 27 ] ، فنادى بين أخشبي مكة : يا أيها الناس ، إن الله يأمركم أن تحجوا بيته . قال : فوقرت في قلب كل مؤمن ، فأجابه كل شيء سمعه من جبل أو شجر أو دابة : لبيك ، لبيك - أجابوه بالتلبية - : لبيك اللهم لبيك ، فأتاه من أتاه . وأمره الله عز وجل أن يخرج إلى عرفات ، ونعتها الله له فخرج . فلما بلغ الشجرة عند العقبة ، استقبله الشيطان يرده ، فرماه بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، فطار اللعين فوقع على الجمرة الثانية [ أيضاً فصده ] ، فرماه وكبّر فطار اللعين فوقع على الجمرة الثالثة فرماه وكبّر . فلما رأى أنه لا يطيقه انطلق حتى أتى ذا المجاز ، ولم يدر إبراهيم صلى الله عليه وسلم أين يذهب فلما أتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذا المجاز لم يعرفه فجازه ، فسمي ذا المجاز . ثم انطلق ، حتى وقع بعرفات فلما نظر إليها إبراهيم صلى الله عليه وسلم عرف النعت ، فقال : قد عرفت ، فسمى ذلك المكان عرفات . فوقف إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعرفات حتى إذا أمسى ازدلف بجمع ، فسميت المزدلفة . فوقف بجمع ثم أقبل حتى أتى الشيطان حيث لقيه أولاً فرماه بسبع حصيات ، سبع حصيات ، ثم أقام بمنى حتى فرغ من الحج " . وقيل : المناسك المذابح . فالمعنى على هذا : وأرنا كيف ننسك لك يا رب نسائكنا ، فنذبحها لك . قال عطاء : " مناسكنا ذبحنا " . وعنه : " مذابحنا " . وكذلك قال مجاهد . وقيل : مناسكنا متعبداتنا . ومنه قيل للعابد ناسك . / قال ابن عباس : " لما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم : " { رَبَّنَا وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } ، أتاه [ جبريل صلى الله عليه وسلم ] وعلى محمد بهذا الحجر من الجنة الذي يقال له المقام - وهو ياقوتة بيضاء - فأقامه عليه . ثم رفعه إلى السماء حتى أشرف به على البلاد كلها . فأراه أعلام الحرم وجميع مناسك الحج كلها / عرفات ، والمزدلفة ، ومنى ، وجميع المناسك . ثم قال له : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } . وواحد المناسك منسك مثل " مسجد " . / وقيل : منسك وكان يجب أن يكون على " مَنْسُك " بالضم لأنه من " فَعَلَ يَفْعُلُ " إلا أنه ليس في الكلام " مَفْعُلُ " . وقيل : المنسك الموضع الذي ينسك فيه لله عز وجل ، ويتقرب فيه إليه سبحانه بما يرضيه من الأعمال الصالحة . وأصله الموضع الذي يعتاده الإنسان يفعل فيه الخير ، ولذلك [ قيل : مناسك الحج لأنها مواضع ] قد اعتادها الناس لفعل الخير . ثم قال : { وَتُبْ عَلَيْنَآ } . التوبة الرجوع من مكروه إلى محبوب ، فتوبة العبد / إلى ربه رجوعه مما هو عليه من المكروه بالندم عليه والإقلاع عنه والعزم على ترك العمود فيه . وتوبة الرب سبحانه على عبده عوده عليه بالعفو عنه عن جرمه وذنبه . - فإن قيل : وهل كانت لهما ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربهما التوبة ؟ . - فالجواب : أنه ليس أحد من خلق الله عز وجل إلا وله من العمل فيما بينه وبين ربه عز وجل ما يجب عليه الإنابة [ منه والتوبة ، فخصا ] الموضع الذي كانا فيه بالدعاء ليستجاب لهما على طريق التبرك به ، وليكون دعاؤهما في ذلك المكان سُنة لمن بعدهما ، وليتخذ الناس بعدهما تلك البقعة موضع تنصل من الذنوب ورجوع عن المكروه . وقيل : عَنَيا بقولهما : { وَتُبْ عَلَيْنَآ } : وتب على الظلمة من ذريتنا الذين أعلمتنا أن منهم ظالماً . وقوله : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } . معناه إنك أنت العائد في الفضل على عبادك ، المتفضل بالغفران لذنوبهم ، الرحيم بهم . ثم قال : { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } . هذه دعوة إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وكان النبي [ عليه السلام يقول ] : " أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْراهيمَ وَبُشْرَى عِيسَى " . قال قتادة : " [ فأجاب ] الله دعوتهما ، فبعث الله فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم " قال الربيع : / " فقيل لإبراهيم : قد استجيب لك ، وهو في آخر الزمان " . وقوله : { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ } . من نعت الرسول . أي : يقرأ عليهم كتابك ، وكذلك { وَيُعَلِّمُهُمُ } { وَيُزَكِّيهِمْ } ، كله من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم . والكتاب القرآن . قال قتادة : " الحكمة : السنة " . وقال ابن وهب : " قلت لمالك : ما الحكمة ؟ فقال : المعرفة في الدين والفقه فيه والاتباع له " . وقال ابن زيد : " الحكمة . العقل في الدين " . ومعنى { وَيُزَكِّيهِمْ } : ويطهرهم من الشرك بك ويكثرهم بطاعتهم لك . ثم قال : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } . أي : أنت القوي الذي لا يعجزه شيء المنيع الغالب . وأصل العزة المنع والغلبة ، والعرب / تقول : " مَنْ [ عزّ بَزّ ] " ، أي : من غلب استلب . وقولهم : " أَدَامَ اللهُ عِزَّكَ " ، أي : غلبتك وظفرك . والحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل . وقال الطبري : " الحكيم ذو الحكمة " . وقيل : " الحكيم الحاكم " . وقيل : " الحكيم : معناه المحكم ، أي المحكم ما خلق " . وقال ابن عباس : " العليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته " .