Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 260-260)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } . " إذ " في موضع نصب بمعنى : " واذكر " . وقيل : هو معطوف على ما قبله لأن قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ } : " ألم تر بقلبك يا محمد ، فتذكر الذي حاج ، وتذكر إذ قال إبراهيم " . قال قتادة : " مر إبراهيم عليه السلام على دابة قد تقسمتها السباع والدواب والطير والرياح ، فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى ؟ " . وكذلك قال الضحاك . وقال ابن زيد : " مر إبراهيم بحوت نصفه في [ البر ، ونصفه في البحر ] ، فما كان في البحر فدواب البحر تأكله ، وما كان في البر فدواب البر تأكله . فقال له الخبيث الشيطان / يا إبراهيم : متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فقال إبراهيم : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } ؟ ، ليرى ذلك / عيانا " . ومعنى { لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } : أي ليطمئن إلى ما تَاقَ إليه من العيان لا أنه شك دخل عليه . وقال السدي : " لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً سأل ملك الموت ربه عز وجل أن يأذن له فيبشر إبراهيم عليه السلام بذلك ، فأذن له ، فأتى إبراهيم وليس هو في البيت فدخل داره . وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم أغير الناس يغلق بابه إذا خرج ، فلما جاء وجد في داره رجلاً ثانياً ، فبادر إليه ليأخذه ، / وقال له : من أذن لك أن تدخل داري ؟ فقال له ملك الموت : أذن لي رب هذه الدار فقال إبراهيم : صدقت ، وعرف أنه ملك ، قال له : من أنت ؟ قال : ملك الموت ، جئت أبشرك أن الله قد اتخذك خليلاً ، فحمد الله تعالى ، وقال : يا ملك الموت ، أرني الصورة التي تقبض فيها أنفاس الكفار ، فقال : [ يا إبراهيم ، لا تطيق ] ذلك ، قال : بلى . فعرض عليه فإذا هو برجل [ أسود ينال ] رأسه السماء ، يخرج من فيه لهب النار ، ليس من شعرة في جسده إلا صورة رجل أسود يخرج من فيه ومسامعه لهب النار . فغشي على إبراهيم عليه السلام ثم أفاق ، وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى فقال : يا ملك الموت ، لو لم يلق الكافر من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه ذلك ، فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين ، قال : فَأَعْرِضْ . فَأَعْرَض إبراهيم عليه السلام ثم التفتَ فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجهاً ، وأطيبهم ريحاً في ثياب بيض . قال : يا ملك الموت ، لو لم يكن للمؤمن عند ربه عز وجل من قرة العين والكرامة إلا صورتك / هذه لكان يكفيه . فانطلق ملك الموت وقام إبراهيم صلى الله " على محمد و " عليه وسلم يدعو ربه ، يقول : رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك . قال : أو لم تؤمن بأني خليلك ؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي بذلك " . وقال ابن عباس : " ما في القرآن آية أرجى عندي منها " ، يريد أن إبراهيم دخل قلبه الشك ، فنحن آكد أن يعترضنا ذلك . وقال عطاء بن أبي رباح : " دخل قلب إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعضُ ما يدخل قلوب الناس " . وروى مالك عن الزهري أن ابن المسيب وأبا عبيدة أخبراه عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال : " رَحِمَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ ، نَحْنُ أَحَقُّ بَالشَّكِّ مِنْهُ ، إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيِمُ : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } ، وَقَالَ : { لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } " . واختار الطبري هذا القول لرواية أبي هريرة لهذا الخبر عن النبي [ عليه السلام ] لأن الشيطان يعرض لجميع الخلق . وقد قال النبي [ عليه السلام ] : " ذَلِكَ مِنْ مَحْضِ الإِيمَانِ " . وهذا القول من نبي الله صلى الله عليه وسلم إنما هو على التواضع والتذلل لله ، ونفى التكبر كما قال : " لاَ تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ " ويعيذه الله من الشك الذي يدخل في قلوب المذنبين المؤمنين . ويجوز أن يكون قوله : " نَحْنُ أَحَقُّ بَالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيم " ، يعني به أمته ، كأنه صلى الله عليه وسلم يعذرهم فيما يوسوس [ به إليهم الشيطان ] . وقد عفا الله عما يوسوس به الشيطان في قلوب المؤمنين إذا لم يبدوه ولم يعتقدوه . وقد قال سعيد بن جبير : " معنى { لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } : ليزداد يقيناً " . وعن ابن عباس : " ليطمئن قلبي " في إجابتك إياي إذا دعوتك بأمرٍ وسألتك فيه " . ولم يرد أن إحياء الموتى يطمئن به . قال أبو إسحاق : " ولم يكن شاكاً ، ولكن أراد مشاهدة ذلك عياناً ليزداد يقيناً ، فليس الخبر كالمعاينة " . قوله : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ } . قال مجاهد / وابن جريج وابن زيد : " أخذ طاووساً وديكاً وغراباً وحمامة " . وجعل ابن عباس الكُرْكِيَّ في موضع الغراب . قوله : { فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } . من ضم فمعناه : أضممهن إليك ووجههن إليك ، يقال : / " صُرْ وَجْهَكَ إِلَيَّ " أي أقبل به إلي ، ووجهه إلي . قال ذلك الكسائي . وفي الكلام حذف : " وقطعهن بعد الضم " . وقال مجاهد : " { فَصُرْهُنَّ } : انتفهن بريشهن ولُحُومِهِنَّ " . وقال أبو عبيدة : " صِرت [ بالكسر : قطعت ، وصُرت ] بالضم : جمعت " . وقيل : الكسر والضم بمعنى واحد ، وهو ما ذكرنا . وقيل : معنى الكسر : قطعهن . / قال أبو حاتم : يقال : صار ، إذا قطع . ويكون في الكلام تقديم / وتأخير على هذا التفسير . ومعناه : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } ، أي فقطعهن . وقد قال عطاء : " { فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } : / أضممهنَّ إليك " . وقال ابن زيد : " أجمعهن " . وقال قتادة : " أمر أن يذبحن ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن ثم يجزئهن على أربعة أجبل " . قال ابن جريج : " جعل لُحُومَهُنَّ وريشهن على سبعة أجبل وهي الأجبال التي رأى الطير والسباع [ ذهبت فيها ، وهن ] اللواتي أكلن من لحم الجيفة التي كانت سبب سؤاله ، وأمسك إبراهيم [ صلى الله عليه وسلم ] عند نفسه رؤوسهن ثم دعاهن بإذن الله عز وجل ، فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى ، وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى ، وكل بضعة وكل عظم يطير بعضها إلى بعض . فلما تتامت عليه في الهواء انقضت عليه فوصلت كل جثة إلى الرأس الذي [ في يده ] " . قوله : { وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . أي لا يمتنع [ عليه ما أراد ، حكيم في تدبيره .