Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 282-282)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ } . قال ابن عباس : " نزلت في السلم خاصة ، في كيل معلوم إلى أجل معلوم " . يريد بثمن نقد معلوم من غير أن يكون طعام في طعام . وروي عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري " أنه واجب أن يكتب إذا باع بدين " . وهو قول ابن سيرين وأبي قلابة والضحاك وجابر بن زيد ومجاهد . / وقال عطاء : " أشهد إذا بعت ، وإذا اشتريت بدرهم أو نصف درهم أو بثلث درهم أو أقل من ذلك ، فإن الله يقول : { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } . وهو مذهب الطبري . وقال أبو سعيد الخدري : " كان ذلك فرضاً ثم نسخه { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } [ البقرة : 283 ] . وبه قال الحسن والحكم وعبد الرحمن بن زيد والشعبي . وأكثر الفقهاء على أنه ندب وإرشاد لا على الحكم . وهو قول مالك والشافعي . وقال الطبري : " الآية على الأمر حتى يأتي دليل يدل على أنها ندب وإرشاد " . وقال : " من جعل الإشهاد فرضاً ، لا يجوز أن يكون هذا منسوخاً لأنه يلزم منه رفع حكم الإشهاد . والإشهاد جائز بإجماع . وفي تركه وقع الاختلاف فلو كانت منسوخة لم يجز الإشهاد لأن حكم المنسوخ ألا يبقى حكمه ولم تأت آية فيها / : " لا تكتبوا ولا تشهدوا " . بل ذلك حسن جائز بإجماع وواجب عندنا . وإنما معنى : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } عند عدم الكاتب والشهود " . قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا الاعتراض لا يلزم لأنه يجب منه ألا يعمل بما نسخ البتة . وقد نسخ فرض صوم عاشوراء وفرض صوم ثلاثة أيام من كل شهر . ونسخ فرض قيام الليل ، وفعل ذلك حسن مُرَغَّبٌ فيه . كذلك فرض الإشهاد ، هو منسوخ ، وفعله حسن جائز . وقول الطبري : " الآية على الأمر حتى يأتي دليل يدل على الندب " . جوابه : أن الدليل على أنه صار ندباً قوله : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } . ولا يحمل على معنى عدم الكاتب والشهود إلا بدليل . قوله : / { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ } . قيل : هو واجب عليه أن يكتب إذا دُعي إلى ذلك . قال الضحاك : " نسخها : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ } " . وقال السدي : " لا يأب كاتب أن يكتب إذا كان فارغاً " . { وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } . أي لا يظلم ولا ينقص من حق الرجل / الذي له الحق شيئاً . قوله : { فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } . أي من عليه الدين . { سَفِيهاً } . أي جاهل بالصواب الذي يمليه على الكاتب . { أَوْ ضَعِيفاً } . أي أخرق . قاله ابن عباس ، وقاله مجاهد وغيره . وقال السدي : " السفيه الصغير " . وأصل " السفيه " الخفيف العقل من قولهم : " تَسَفَّهَتِ الْرِّيحُ الشَّيْء " إذا استخفته فحركته . قال السدي : " الضعيف الأحمق " . { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ } : أي ولي السفيه والضعيف . قاله الضحاك . وقال ابن عباس : " ولي الدين هو الذي هو عليه " أي فَلْيُقِرْ وَلِيُّهُ بِمَا عَلَيْهِ وَلْيَشْهَدْ . وقيل : ولي الدين هو العيي واليتيم . فالهاء في { وَلِيُّهُ } تعود على الدِّين أو على صاحب الدَّين أو على المطلوب . قوله : { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ } . اختير " فَعِيلٌ " لأنه للتكثير ، فمعناه : استشهدوا من عُرف بالشهادة والشاهد يقع لغير التكثير ، يقال : " فُلاَنٌ شَهِيدِي وَشَاهِدِي " . قوله : { مِّن رِّجَالِكُمْ } أي من الأحرار المسلمين . قوله : { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ } . قال ابن بكير : " هذا مخاطبة للحكام " ، أي إن لم يأت صاحب الحق برجلين أتى برجل وامرأتين ، فليس معناها أنه لا يشهد الرجل والامرأتان إلا عند عدم الرجلين . لأن فاعلاً لو فعله وهو واحد الرجلين لتم إشهاده " . ومعنى الآية / عند غيره أنها مخاطبة لصاحب الدين ، أي فاستشهدوا [ من حضر ] ؛ رجلين ، أو رجلاً وامرأتين . ومعنى : { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ } . أي من العدول المرضيين ، وإنما تجوز شهادة النساء عند مالك ، ومن قال بقوله في الأموال خاصة ؛ لأنه المكان الذي تكون فيه لا يتعدى إلى غيره . قوله : { فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } . أي فتصير إحداهما ذكراً باجتماعهما . تقول العرب " اذَّكَرَتِ المَرْأَةُ " إذا ولدت ذكراً ، قال ذلك ابن عيينة . وليس هو عنده من الذِّكر بعد النسيان . وأكثر الناس على أنه من الذكر بعد النسيان لقوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } أي إن تنسى فتذكرها الأخرى ما نسيت . قوله : { وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ } . أي لا يتخلفوا عن أداء الشهادة إذا دعوا ليشهدوا على الكتاب والحقوق . قاله قتادة والحسن . وقيل : معناه : لا يتأخروا إذا دُعُوا ليؤدوا ما قد شهدوا عليه ، وذلك إذا لم يجد غيره ، فإن وجد غيره فهو مخير / فأما إذا دعيت إلى شهادة لم تشهد بعد بها ، فأنت مخير في ذلك . هذا / قول مجاهد وعطاء وغيرهما . وهو قول مالك . والألف واللام في { ٱلشُّهَدَآءُ } يدلان على أنه لشهادة متقدمة إذا دعوا [ ليوصلوها إلى ] حكم ، فلا يتخلفوا إذا لم يوجد غيرهم . وعن عطاء أنه إذا دعي ليشهد لزمه ذلك . قوله : { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ } . أي لا تملوا أن تكتبوا صغير حقوقكم وكبيرها إلى أجله ، فإن الكتاب أحضر للأجل والمال . { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ } أي أعدل . { وَأَقْومُ } أي أصوب . { وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ } . أي أقرب ألا تشكوا في الدين والأجل . ثم أرخص في التجارة الحاضرة التي هي يداً بيد غير أن يكون طعام في طعام متفاضلاً ألا تكتبوها . ثم قال : { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } . قال الضحاك : " ما كان من بيع حاضر ، فإن شاء أشهد وإن شاء ترك . وما كان من بيع إلى أجل فليشهد " . قال مالك : " هو مخير في الإشهاد ، وتركه " . / ويروى عن ابن عمر أنه قال : " الشهادة واجبة في كل ما يباع من قليل أو كثير بقوله عز وجل : { وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } . وهذا عند جماعة منسوخ بقوله : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } ، وهو نسخ / فرض إلى ندَب ، كنسخ رمضان ليوم عاشوراء ؛ من شاء صامه ، ومن شاء تركه . وكالامتحان ؛ من شاء امتحن ، ومن شاء ترك ، بعد قوله : { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } [ الممتحنة : 10 ] . فكان الإشهاد واجباً ثم صار ندباً بقوله : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } . ففي هذا الحكم ثلاثة أقوال : الأول : أنه محكم يعمل به ، والثاني : أنه منسوخ ، والثالث : أنه ندب وترغيب . قوله : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } . قال الحسن وغيره : " معناه لا يضار كاتب فيزيد ما لم يملل عليه في الكتاب أو يُحرّف ، ولا شهيد فيكتم الشهادة أو يغيرها " . وقال ابن عباس وغيره : " معناه لا يضارا فيتخلفا عن الكتابة والشهادة ويقولان : علينا شغل ولنا حاجة " . وقيل : المعنى : لا [ يضارا فيما قد شهدا ] فيه فيتخلفا عن أدائه إلى الحاكم . وفي كل هذه الأقوال يرتفع [ الكاتب والشهيد / معاً بفعلهما ] . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقرأ : " وَلاَ يُضَارَر " براْءين ظاهرتين الأولى مفتوحة . وكذلك روى الضحاك عن ابن مسعود . وكذلك روى ابن كثير عن مجاهد . وتأويله : أن يضارا في أن يدعيا وعنهم غنى ، ويشغلا عن أشغالهما ، ويعنفا تعمداً . وقال الضحاك : " هو أن يكونا على حاجة مهمة فيقولان : اطلب غيرنا ، فيقول : إن الله أمركما بذلك ، ليؤثمهما " . وكذلك قال السدي وطاوس ، وهو اختيار الطبري ، لأن الخطاب من أول الآية إنما هو للمكتوب له والمشهود له ، وليس للكاتب والشاهد خطاب تقدم فيرد هذا عليه ، ويبين هذا قوله : { وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } ، ولم يقل : " وإن تفعلا " ، فيرد على الكاتب والشاهد ، إنما رده على أهل الكتابة / والشهادة فالنهي لهم أبين ، ألا يضاروا الكاتب والشهيد فيشغلوهما عن شغلهما وهم يجدون غيرهما . ومعناه : وإن تضاروهما فإنه إثم حال بكم . فيكون الكاتب والشهيد على هذا التأويل مرفوعين على أنهما مفعولان لم يسم فاعلهما . وكان الزجاج يختار أن يكون النهي للكاتب ألا يزيد في كتابته ولا يحرف ، و [ للشهيد ألا ] يتخلف ولا يغير ، ويكون قوله : { وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } رداً إلى الكاتب والشهداء ؛ أي إن حرفتم أو زدتم أو تخلفتم من غير عذر فإنه إثم وخروج عن الحق . والهاء في { فَإِنَّهُ } عائدة على الضرار . وقيل : على الفعل ، أي فإن هذا الفعل فسوق بكم . وقيل : الفسوق هنا الكذب في الشهادة والكتاب . قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } . أي في ترك المضارة ، وفيما تقدم ذكره من حدوده . قوله : { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ } . أي يبين الله لكم الواجب لكم وعليكم لتعمَلُوا به . { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . أي يعلم جميع ما تعملون ويحصيها عليكم ليجازيكم بها ، فاحذروا المخالفة .